جاسم الصافي
هل أن الديمقراطية تعني تذويب الدكتاتورية الى وحدات صغيرة ، أم هي قناع لتمرير الرأسمالية العالمية ، أم هي شكل للعلاقة مابين الفرد والدولة في مجالس نيابية ؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرح هذه الأيام !.. ونحن نعيش ما يقال أنها ديمقراطية ، لكن السؤال المهم من بين تلك الأسئلة هو ؛ إن كانت هذه هي الديمقراطية بالفعل ، هل أن أغلبية الجماهير مؤمنة بها ؟ الجواب لا يكون سهلا حتى وان أجرينا له استفتاء فأكيد أن للكل رأي يتجاوز ، ال نعم أو ال لا .......إن الديمقراطية ليست كائنا ماديا يمكن أن ندرس أعضاءه ولا هو مصطلح علمي وليد اليوم لنعرف دقة تفسيره ؛صحيح أننا يمكن أن نحدد أبعاده في ( نوعية العلاقة التي تربط ما بين الفرد بالدولة ) وهذا التحديد ربما يبدو سطحيا فهو مرتبط بموضوع الزمان والمكان اللذان نمت فيهما الديمقراطية وهذا ما يظهر لنا أن مفهوم الديمقراطية مطاطي أو متغير ، وما يؤكد قولنا هذا هو أن العالم المتقدم لا يتفق حتى اليوم على دستور واحد ، بل تختلف الدساتير بين تلك الدول كما تختلف بين ولاية وأخرى في الدولة الواحدة ، والحقيقة التي يتغاضى عنها الجميع اليوم هي أن السعي لتحقيق حرية الإنسان لا تأتي بتطبيق أقوال ونظريات مجنحة ومتعالية عن ارض الواقع ، لان الواقع شي والتنظير شيء آخر كما أثبتت تجربة التاريخ ، والأفضل للجماهير هو أن يعيشوا في ظل قوانين ناقصة ولكنها ملائمة لحاجتهم بدل أن يرغموا على قبول نظم كاملة ولكنها شاذة أمام مداركهم ،كما هو حال الديمقراطية الوليدة عندنا والتي أنزلت لنا بعملية عسكرية قيصرية من السماء لكننا فضلنا ما تعودنا عليه من عدسها وثومها وبصلها .لأن مطلب الحرية لا يعطى بل يؤخذ كما يقال، بمعنى أن الحرية موجودة مع عضوية المجتمع ، تتقدم ...وتتأخر ...مع المعطيات والأحداث ووفق متطلبات المرحلة التي يمر بها كل مجتمع ، وهذا يعني أن حرية الإنسان ليست واحدة في كل مكان ولا في كل زمان ، بل هي متفاوتة مع وعيهم وإمكانياتهم ومن المستحيل أن يتساوى هذا الوعي بين الجميع لا زمانيا ولا مكانيا ، لكن يمكن أن يتقارب حينها إن أردنا أن نكون منصفين ، نقول عن الديمقراطية بأنها ذات مفهوم نسبي متعدد بين مريديها ، ولا اعلم بأي مقياس قيست الديمقراطية عندنا اليوم ، وكيف تناسبت مع وعينا ووزعت هكذا علينا بالمجان ، وأن النسبية الديمقراطية هنا تنحصر في وجود تقاطع ما بين القمة الهرمية للسلطة وبين القاعدة النيابية الجماهيرية التي تحتاج الى حزب يقنن وينظم مطالبها ، حتى انه شاع عن النظام النيابي بأنه لا يتسنى له التطبيق بغير أحزاب سياسية تتشكل وتتكتل كقوى في سبيل الوصول الى السلطة إما القمة التي تركز فيها السلطة فهي تغري بالاستبداد فحين تصبح السلطة في قبضة شخص واحد متحزب ، وهو مالك ومتحكم في السلطتين التشريعية عبر نوابه الحزبين والتنفيذية في توليه مقاليد الحكومة بالأغلبية النيابية التي حصل عليها ، تكون ديمقراطية استبدادية ، وأما عن القاعدة فنجد العضو النيابي ملزما بقرارات الحزب ومدافع عنها في البرلمان حتى وان تعارضت مع معتقداته الشخصية ، الأمر الذي يعني أن البرلمان هنا يكون صوريا لأنه لا يغير من الأمر شيئا أمام تعارض الأدلجة الحزبية ، فقد حدد الكل موقفه سلفا .من هذا يمكن تصور حالة التضليل التي يعيشها الجميع أمام التجيش وبكل الإمكانيات لتوهيم الأفراد بديمقراطية ثابتة الأصول جامدة في معاملاتها وقوانينها الرياضية وكأنها منزلة من السماء حتى ما عادت لنا القدرة للرد على عيوبها المتراصة يوما بعد يوم ، إن هذا الأمر يذكرني بقول احد أعضاء مجلس العموم البريطاني حيث قال : لقد سمعت في مجلس العموم كثيرا من الخطب التي غيرت رأيي ، ولكني لم اسمع خطبة واحدة غيرت صوتي .
https://telegram.me/buratha