كريم الوائلي
يتسم مسار التحولات الجارية في العراق بالسير على وتيرة بطيئة ومربكة لم تستطع ان تمس المفاصل ذات الصلة بالتحول والتغيير الحقيقيين ، وعلى الرغم من الازاحة الزمنية التي امتدت الى ثمان سنوات فأن انتاجية التحولات تؤشر وجود عوائق حقيقية وتحديات خطيرة على كل الصعد ، ففي الجانب الاقتصادي ما زالت خيارات اتجاه الاقتصاد العراقي متذبذة بين ما تبقى من نظم الاقتصاد ((الاشتراكي)) المعتمد على بنية مهدمة لقطاع الدولة العام وبين مفهوم اقتصاد السوق المكبوح بالانفاق التشغيلي العال فيما تعمق اثر الفساد المالي والاداري وراح ينخر هيكلية الدولة الى جانب استمرار ازمات الطاقة والخدمات الاساسية ، ومن جهة اخرى لا يلوح في الافق المنظور اي مؤشر لانهاء الازمة الامنية التي توصف على انها اكبر واخطر تحدي للعراق ، لكن التحدي الاكبر اليوم امام التجربة العراقية هو الفساد المالي والاداري الذي يصطف وعلى مستوى واحد مع العائق الامني ، وتضطلع المنظومة الادارية للدولة الحديثة الى جانب مهامها المعروفة مهمة كشف وتحديد ومكافحة وسائل الفساد اذا ما تم بناءها على اسس بنيوية وحداثوية وبالاعتماد على خبرات الوطنية المخلصة والاستعارات المعرفية من الدول الصديقة للعراق خاصة وان العراق يتمتع بعلاقات تفاهم وصداقة واسعة مع اكثر الدول تقدما في العالم . ان مشكلة تردي المنظومة الادارية للدولة والتي تضخمت وترهلت الى حد اصبحت معه تشكل ثقلا تعجز الحكومة من الافلات منه يعود السبب في ذلك ، اولا وقبل كل شئ ، الى احتواء ملاكاتها على اكثرية غير موالية للنظام السياسي الجديد وتعمل بأسلوب كلاسيكي تعوزه القدرة على التعامل مع التقنات الحديثة التي تختزل كثير من المفاصل الادارية ، واغلب منتسبيها يشكلون بطالة مقنعه ويمثلون عائق جدي امام التغيير فضلا عن تمسكهم بثقافة النظام البائد ، ويأتي تأخير العمل بأسلوب الحكومة الالكرونية وعدم ادخال التقنيات الحديثة واعتماد طريقة الارشفة القديمة للمعلومات واحد من اهم العوائق الاجرائية امام المنظومة الادارية فضلا عن تأخير مجلس النواب في اقرار التشريعات التي تحد من الروتين الممل الذي اعجز المواطنين عن نيل حقوقهم وتعثر معاملاتهم وتأخير انجازها لسنوات في اكثر الحالات ، كما ان التلكأ والتأخير في الغاء الموروث القانوني المتخلف للنظام البائد هو الاخر قد كبّل ارادت تغيير المنظومة الادارية فضلا عن اتخاذ بعض المؤسسات قرارات وآليات ارتجالية لا تستند الى مرجعبة قانونية وتتقاطع مع بعضها البعض . وتشير احصائيات وزارة التخطيط الى تضخم مضطرد للمنظومة الادارية بالتزامن مع الوتيرة الواهنة للانماء والاعمار والاستثمار حتى بلغ تعداد العاملين في المنظومة الادارية اكثر من اربعة ملايين موظف يستهلكون 80% من الميزانية وتصطف طوابير لا حصر لها من الخريجين في كل عام ينتظرون دورهم في الانظمام الى اكبر جيش من الموظفين المقنعين بالبطالة ويتم ذلك في غياب تام للقطاع الخاص العراقي الذي يعد - سابقا - من اقوى القطاعات الصناعية الخاصة في الشرق الاوسط واكثرها خبرة ونشاطا ، واليوم يمثل احياء ودعم وتقوية القطاع العام من اولى مهام الحكومة كونه يشكل معلم اساسي من معالم اقتصاد السوق الذي يدفع به الان الى الواجهة في الاقتصاد العراقي ، وكان القطاع الخاص العراقي ينافس الحكومة في اختيار وتوظيف الكفاءات من الشباب المتخرجين حديثا وينتظر من احياء القطاع الخاص ان يكون ساحة مهمة وفعالة في استيعاب اعداد كبيرة من الخريجين وتطوير قابلياتهم الوظفية لصالح القطاع نفسه وبعيدا عن نمطية التوظيف الحكومي . ان الذي يدل عليه العقل والمنطق هو الاسراع في تأهيل المنظومة الادارية العراقية الجديدة كأجراء ضروري لتوجيه وادارة التحولات الوطنة وتضمينها عناصر شابة ونزيهة تحل محل الادارة العاملة حاليا ويناط بهذه المنظومة الادارية مهمة تدوير عجلة ادارة الدولة وضخها بدماء جديدة وكفاءات مؤهلة لتسير دفة العملية الادارية ومكافحة آفة الفساد . ان تجديد المنظومة الادارية يحتاج الى قرار جرئ ومدروس ويترتب عليه انفاق اموال قد لا تشكل إلاّ نسبة بسيطة من المبالغ المسروقة والانفاقات غير الضرورية ، ويقوم تبديل المنظومة الادارية على اساس صرف الاستحقاقات التقاعدية للموظفين الذين مضى على تعينهم 20 عاما فما فوق وتقديم الاغراءات المالية التي تشجعهم على قبول الاحالة الى التقاعد من مكافأءات مجزية عند انهاء خدمتهم وصرف رواتب تقاعدية توازي رواتبهم اثناء الخدمة وشمولهم بالزيادات اسوة باقرانهم في الخدمة الفعلية والمواطن العراقي يستحق اكثر من ذلك كونه صاحب المصلحة الاولى في ثروة بلاده وقد افني سنوات عمره في الخدمة العامة، ويجب ان يصار الى حل مشكلة السكن للموظين المحالين على التقاعد والذين تم استثناءهم في كل العهود الماضية من توزيع الوحدات السكنية وقطع الاراضي إلاّ ما ندر على الرغم من طول خدمتهم الوظيفية ومعاناتهم من جراء السياسات السابقة للانظمة الشمولية التي حكمت العراق في السابق . ان احالة الموظفين الذين مضى على خدمته عشرين عاما فأكثر يتيح المجال امام الحكومة الى تجديد وضخ عناصر جديدة الى المنظومة الادارية للدولة على ان تكون هذه العناصر مسلحة بالخبرة والكفاءة والاخلاص ومتمتعة بثقافة وطنية تشكل حصانة ذاتية امام الميول الانانية والاتجاهات التي ترجح المصالح الشخصية على مصالح البلد وان تتعهد بالتمسك بشرف العمل الوظيفي وادخال القسم الرسمي كشرط اولي للتقديم الى الوظائف الحكومية يتعهد الموظف بموجب القسم على موالات مصالح المواطنين ومكافحة الفساد والرشوة واعتبار ممارستها من الجرائم المخلة بالشرف والتي تستوجب القاء الاتهام بالخيانة على كل من يمارسها .ولابد من التذكير بأن العديد من الدول قد لجأت الى صرف الموظفين القدامى مع منحهم استحقاقاتهم الكاملة كأجراء ناجح ومضمون لتجديد المنظومات الادارية للدول ، والعراق بما يتمتع به من ثرواة يستطيع اكثر من غيره من الدول ان يفعّل هذا الاجراء السريع الذي يؤمّن ادارات قادرة على اخراج العراقي من ازمة الثقة المتوارثة بين المواطنيين والموظفين الحكومين كما تكون قادرة على ادارة ورشة البناء والاعمار التي ينتظرها الشعب العراقي بشخف .
https://telegram.me/buratha