الدكتور عبدالهادي جياد التميمي أمين عام منتدى الاعلام العراقي في بريطانيا
لا توجد في مسودة قانون حماية الصحفيين العراقيين مادة واحدة لا تقمع حرية الصحافة والتعبير عن الرأي وممارسة المهنة سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر بل إن حتى العنوان المتداول للمشروع :"قانون حماية الصحفيين" يثير تساؤلات منطقية وجوهرية وبعضها هامشي ساذج: من يحمي الصحفيين: الحكومة أم نقابة الصحفيين أم المؤسسة الصحفية التي يعمل فيها الصحفي؟؟ ممن يحمي الصحفيين؟؟ هل الخطر المحيق بالصحفيين العراقيين مهني أم حكومي أم ميليشياوي أم إنه موجه من قوات الاحتلال ودول جوار تنهش في جسد العراق الوطن بأيدي عراقية أو متجنسة؟؟ هل يرافق شرطة أم جنود أو عناصر قوات أمن خاصة أو تشكيل قوات أمن تابعة لنقابة الصحفيين, الصحفيين أثناء متابعتهم الأخبار والاحداث؟؟ والقائمة تطول وتتشابك.
دفعني أمران لإبداء الرأي رغم عزوفي عن الخوض في شؤون تخص زملائي في الداخل لأنني أعتقد إنهم هم الأشجع والأكرم والأفضل ممن يناقش ويتحدث ويطالب ويقرر شؤونهم في الوطن, ونحن, صحفيي وإعلاميي الخارج والعاملين في المؤسسات الاعلامية العالمية, لا يمكن أن "نزايد" على زملاء يتحملون "عبء" الجحيم في داخل الوطن.الأول كان حوار تلفزيوني على إحدى القنوات التلفزيونية العراقية الخارجية كان يتحدث فيه السيد مؤيد اللامي الذي يقال إنه يقود نقابة الصحفيين نقيبا لها. ما أثارني بالتحديد رد السيد اللامي على الانتقادات الكثيرة والجوهرية لأداء نقابة الصحفيين ودوره الشخصي. قال إنه يعلم إن كثيرين يتحركون بانتقاداتهم لأنه, أي السيد اللامي, في الأصل من عائلة فقيرة من العمارة. ما هذه السذاجة وأي عقلية إعلامية هذه التي تستخدم إسقاطات زائفة للرد على انتقادات مهنية ونقابية من زملاء صحفيين واساتذة إعلام, أكاد أجزم أن غالبيتهم, وأنا أحدهم, ينتمون في الأصل الى عوائل فقيرة وقد تكون وما تزال معدمة ومن وسط وجنوب العراق.لا أعرف شخصيا أو مهنيا السيد مؤيد اللامي ولكن إسمه تردد أمامي لأول مرة عندما طلب مسؤول كبير في الاتحاد الدولي للصحفيين, وكان زميلي في نقابة الصحفيين البريطانيين, تقييمي لحال الصحافة والشخصيات التي "تتقاتل" للحصول على اعتراف بقيادة نقابة الصحفيين العراقيين منذ أيام المرحوم شهاب التميمي, وما رافق ذلك من "مؤامرات" ومناورات.الأمر الثاني, بل والأخطر, الذي أضطرني لكتابة هذه المداخلة السريعة هو المادة الثانية من مشروع قانون حماية الصحفيين العراقيين التي تعرف وتحدد الصحفي بأنه "من ينتمي الى نقابة الصحفيين ويكون عضوا فيها". هذه المادة لا تستقيم مع المادة التاسعة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ولا مع مبادئ حرية التعبير عن الرأي وحرية ممارسة المهنة ناهيك عن الدستور السائد حاليا في العراق, وإن كان دستورا مسخا وكسيحا.إنها مادة تقنن للقمع وتقوض الحرية والديمقراطية, التي يتشدقون بها, وتخلق دكتاتورية مهنية بل وإنها تفتح بابا من أبواب الفساد والتزوير. فالمادة تحصر الممارسة المهنية والسيطرة عليها بنقابة الصحفيين, أي بلجنة العضوية وبالتالي بشخص نقيب الصحفيين الحاكم. وهذا خلل كبير ولا ينسجم مع أي من القوانين والقواعد المهنية. ووفق هذه المادة يمكن أن يحصل زميل أو يحرم من حقوق وامتيازات بل ربما وحتى من امكانية الكتابة وممارسة المهنة مشاركة أو تعيينا, الا بإذن من نقابة الصحفيين, أو بعبارة أخرى بتأييد تصدره نقابة الصحفيين بأن الزميل عضو لديها.
كانت إجراءات نقابة الصحفيين وتعليماتها سابقا قد قسمت العضوية الصحفية, حسب ما أذكر عندما إنتميت اليها عام 1977 , الى عضو متمرن, أي المبتدئ, وعضو مشارك, أي الصحفي الموظف في دائرة غير صحفية أو اعلامية ويمارس الكتابة أو الصحافة, وعضو عامل, وهو الذي يعمل في مؤسسة اعلامية وصحفية ومرت فترة على عضويته كمبتدئ. لا أساند أو أنتقد هذا التقسيم بل ينبغي أن تطور نقابة الصحفيين العراقيين في العهد السياسي الجديد, منظومة مفاهيم دلالية بعيدة عن التقسيمات وأبواب الفساد.أن إدراج الفقرة الثانية تجعل من مهنة الصحافة رهنا وحكرا على شخص أو أشخاص قد يكون وصولهم الى ادارة النقابة أو لجنتها للعضوية, مدار تساؤلات. عندما انتميت الى نقابة الصحفيين البريطانيين, منتصف التسعينات, أو عندما إنضممت للعمل مراسلا لوكالة أنباء رويترز أو بعد ذلك مخرجا ومقدما للبرامج ومن ثم رئيس تحرير مناوب في هيئة الاذاعة البريطانية, بي بي سي, أو الجزيرة أو الغلف نيوز, لم أسمع بشرط إنني سيعترف بي صحفيا إذا كنت منتميا لهذه النقابة أو تلك. ان الصحفي تعرفه مهنته وليس فقرة قانونية. هنا يكمن الخطر: تقنين الكيان المعنوي المهني في تشريع.يجب حذف هذه الفقرة بل إن مشروع القانون برمته يجب أن يلغى ويستبدل بتشريع لمزاولة المهنة بعيدا عن التدخل الحكومي والطائفي والعرقي.وقد يكون للحديث بقية.
https://telegram.me/buratha