حسن الهاشمي
العلم نور والجهل ظلام، فبالعلم نستطيع أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، ولا نزال نعيش عيشة راضية منعمة ما دمنا نحترم بعضنا بعضا، ولا نزال نتمتع بحياة ملئها المحبة والرأفة والتسامح ما دمنا نتمتع بخصال الإيثار والمواساة، ولا نزال نرفل بالحرية والديمقراطية ما دمنا نستمع الرأي والرأي الآخر، وأخيرا وليس آخرا ما نزال نعيش في بيئة نظيفة ما دامت ثقافة الجمال متغلغلة في ذواتنا فتكون وقتئذ أنفسنا منجذبة لا محالة إزاء كل منظر جميل، ومتنافرة حيال كل منظر قبيح.إن الأمم والشعوب تتقدم حضاريا وإنسانيا وتقنيا بنشر ثقافة الإبداع والنهوض والحرية، وعندما تتعرف على دولة أو شعب معين ينتشر فيه العلم والتسامح والجمال هي بالتأكيد تمتلك ثقافة إبداعية بعيدة عن الثقافات المتكررة والعقليات الجامدة والمناهج التي لا تخدم التجديد والنهوض، وعندما نتعرف على دولة قد تكون غنية ولها تاريخ حضاري وإنساني قديما وتنتشر فيها المدارس والجامعات والمتعلمين والعلماء لكنها تتقدم بدرجات بطيئة جدا لأنها بالحقيقية تستخدم ثقافة متكررة وجامدة وترفع شعار (إبقاء ما كان على ما كان) والتي تدفع بتلك المجتمعات إلى التأخر واجترار الماضي دون الاستفادة والاستزادة منه.وإذا ما أردنا علما إبداعيا وثقافة واعدة وحكمة ثاقبة فلنبدأ بدوائرنا ومؤسساتنا لنخلصها من آفات الفساد المالي والإداري ولنضخها بقوانين احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامته، ولنكرس حالة (خدمة المواطن شرف لنا)، وإذا ما طمحنا المزيد من الجمالية والتألق لمدننا وشوارعنا وساحاتنا وأزقتنا ومحلاتنا، علينا أن نبدأ بأنفسنا بالنظافة ولنرفع شعار (مدينتك كبيتك فلا تقصر بنظافتها) ويأتي دور وزارة البلديات ثانويا في التنظيف والتجميل بعد شعور المواطن بالمسؤولية حيال وطنه وأبناء جلدته. الإحساس الجمعي بالمسؤولية، والإحساس الجمعي بحب الوطن وتطويره وخدمة مواطنيه، ذلك الإحساس سواء بدر من المواطن العادي أو المسؤول في دوائر الدولة هو الذي يكرس روح الخدمة وهو الذي يقضي على حالات الفساد والروتين الإداري وهو الذي يقضي على الروح الأنانية ويغرس بدلا عنها الروح الوطنية التي تبني وتطور وتنتج وتتألق دون منة من أحد على أحد، ويبقى حب الوطن الذي طالما يكون دافعا للبناء وطالما يكون منطلقا للتآخي والمحبة والإيثار هو الفيصل ريثما نصل إلى ثقافة التغيير التي لا تأتي اعتباطا وإنما تأتي بتجاوز الذات وتغليب المصلحة العامة على ما سواها من المصالح النفعية الأخرى. إذا أردنا الصلاح والإصلاح علينا البدء بأنفسنا أولا والمجتمع الذي نعيش فيه ثانيا، والبدء بالنفس يتكون من التراكم الثقافي والمعرفي والحضاري حتى ينعكس ذلك على المجتمع فيصبغه بصبغة أبناءه رشدا أم غيا، وفي إطار صياغة الفرد صياغة حضارية واعية، يذكر إنه جاء رجل إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: يا رسول الله، أوصني؟ فقال له النبي: فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك؟! - نعم يا رسول الله.- فكرر النبي ذلك ثلاثا، فأجابه بنعم، وبعد أن اطمأن النبي بأنه سيعمل بنصيحته، لفت نظره إلى أهمية ما يريد أن يتفوه به وقال: إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك رشدا فأمضه، وإن يك غيا فانته عنه.وهكذا فإن ملحمة التقدم تبدأ حينما يتحرر المجتمع من ثقافة الجمود ويتجه إلى الإبداع والرشد والكمال بكل متطلباته دون خوف أو وجل، والابتعاد عن المناهج الإنشائية التي هي كالشجر بلا ثمر، والإسلام دائما يشير إلى العلم وأهميته في نهضة وتقدم المجتمعات، حيث لا توجد حضارة بلا علم ولا يمكن أن تنتشر أو تطبق الديمقراطية بين شعوب جاهلة بعيدة عن الإبداع والنهوض الإنساني والحضاري، وان بناء الإنسان بالشكل الصحيح يفضي بالتأكيد إلى بناء حياة صحيحة، ولكي يتقدم مجتمع ما علينا الاهتمام بالإنسان، توعيته، تثقيفه، تعليمه.. لعل هذا ما يميز الدول المتحضرة هو اهتمامها بالإنسان في بناء الحياة، وهم مؤمنون بعبارة إن الجهل هو عدو الإنسان الأول.
https://telegram.me/buratha