المقالات

دولة المؤسسات وتحديات ( الدولة أنا )

714 14:29:00 2011-06-22

حسين دويج الجابري

برزت إلى الوجود الإعلامي جملة من المصطلحات في مختلف المجالات الحياتية واخذ الإنسان يتداول هذه المفردات أسوة بأصحاب الاختصاص الذين ابتكروا هذه المسميات بدعوى الحاجة إلى توافرها لتشير إلى معان جديدة لم تكن ولدت في العصور السابقة , وبالتأكيد هذه سنة الحياة في تطورها الدائم , وبالتأكيد هناك جملة من المعاني والأسماء قد اندرست لعدم تماشيها مع العصور ,, وان مفهوم دولة المؤسسات هو من المفاهيم الحديثة على مجتمعات الشرق العربي الذي لايؤمن بغير نظرية ( الدولة أنا ) , ولكن دخول هذا المفهوم إلى ساحة التناحر السياسي في الشرق الأوسط جاء ديكورا لكي تؤكد الأنظمة العربية بأنها تتماشى والتقدم المدني المتسارع الوتيرة في بلاد ( الغرب ) , إن الفكر السياسي الغربي يختلف عن الفكر السياسي العربي من حيث أن الأول لم يجاوز كونه عملية ضبط للسلطة في تعسفها إزاء المواطن، ونلاحظ أن كل الفكر السياسي الغربي تمحور حول قضية منع الدولة من الاعتداء على المواطن ، وكيفية جعل الدولة ممارسة لسلطاتها دون الجور على المواطن. فتاريخيا ومن أيام العصر الروماني نرى أن الرومان أدركوا أن التعدد يمنع الانفراد بالسلطة ، وبالتالي يمنع التعسف، ولهذا أعطوا صلاحيات واسعة - نوعا ما - لما يسمّى بمجلس النبلاء آنذاك وكذلك اليونانيون القدماء أدخلوا مفهوم القانون إلى مجتمعهم، وحققوا "المجتمع المدني" من خلال تطويره عمليا، وكانوا سباقين في تحقيق "المجتمع المدني" عن طريق إنشاء "القانون المدني"، بعدها جاء مونتسيكو ليقول بثلاث سلطات، سلطة تنفيذية، وسلطة تشريعية، وسلطة قضائية، انطلاقا من مبدأ أن السلطة توقف السلطة، وهناك قول له:"كل من له سلطة يميل إلى إساءة استعمال السلطة". فهو يعتبر أنّ إساءة استعمال السلطة سمة عامة في طبيعة الإنسان البشرية، ومن هذا المنظار لا يمكن أن نتصور دولة أو نظام حكم لا يتسلط فيه أحد على الآخر، لذا تنبع الحاجة إلى إيجاد نظام دولة يقف إلى أقصى حد من تسلط الحاكمين على المجتمع ، بحيث تكون وظيفة الدولة هي إنشاء ضوابط على سلطة الحاكم. أيضا ,, ولا ننسى الثورة الفرنسية والثورات الماركسية بالرغم ما ارتكب بعهدهم من استبداد باسم قيم التحرر، إنما كان هناك حس ديمقراطي يتمثل بأن الإنسان بكيانه الشخصي له قيمة بحد ذاته، ويجب أن يستقل عن تسلط الحاكم...كل هذا أسس لما نشاهده الآن من مبدأ "سيادة الدستور".أما في العالم العربي فان السلطة فيه تعني الهيبة والسيادة ، ". ومن هنا نرى أن صاحب السلطة هو صاحب السيادة، فننادي الحاكم بسيادة الرئيس، كل هذا يعني أن الإنسان في المجتمع العربي لا وجود له كفرد، و لا حماية له كشخص بشكل مستقل عن الدولة " العربية "، لذا بسهل علينا تفسير عدم وجود معارضات منظمة بشكل جماعي في تاريخنا العربي لأن المعارضة - كتنظيم - لم تقبلها ، ولم تعرفها - أصلا"-النظم السياسية العربية ,,إن تاريخ الدولة في بلاد العرب يختلف عن تاريخ الدولة في اوربا، فتاريخ الدولة في الأول هو تاريخ الطبقة الحاكمة ، أما تاريخ الدولة في الثاني فهو تاريخ المجتمع المحكوم .,,إن الدولة في العالم الغربي هي شخص معنوي، و بهذا المفهوم المجرد نضع أيدينا على أسّ الفكر الغربي ,أما تراث الدولة العربية فهو تراث "السلاطين"، والقواعد التي تأسست عليها الدولة العربية كانت - في معظمها - هي "الأحكام السلطانية" التي تحكم بمقتضى الحاكم، وتؤسس حكمه، وتضمن رفاهيته دون اعتبار كبير لحقوق الرعية، أو مصالحها، ودون أن تسمح بوجود أي مؤسسات أخرى تصون هذه الحقوق وتدافع عنها ولذلك فالدولة عندنا تتبع لشخص الحاكم، لأن دولتنا ليست حقيقة مجردة. ويقرر ابن خلدون بان نظم الحكم في المجتمعات العربية ثلاث الاول هو نظام الملك الطبيعي الذي يناسب العمران البدوي ويقوم على القهر وارضاء شهوات ورغبات الحاكم , والثاني الملك السياسي الذي يحمل الناس على مقتضى مصلحة الحاكم و رفاهيته، ودوام ملكه حتى وإن شاب هذا الحكم بعض العدل في الرعية. والنوع الاخير هو نظام الخلافة ". وهو أرقى تصور يطرحه الفلاسفة المسلمون، وأكثرها مثالية وتعاليا على المصالح الدنيوية للحاكم والمحكومين على حد سواء، كونه النظام الشرعي حسب فهمهم الذي يحمل الجميع حكاما ومحكومين مسؤوليات على أساس مصالحهم، في الآخرة كما حدّدها الشر ع ,,إن المثقفين العرب مسؤولون بشكل كبير عن هذا التقصير، حيث لم يكن لهم دور فاعل في هذه القضايا، فهم - في معظم الأحيان- أقرب إلى "فقهاء السلطان" منهم إلى المفكرين الأحرار المستقلين ، حيث كان كل همهم التبرير لتقلد السلطة، ومن ثم تبرير كل تصرفاتها وسلوكها مهما كان، أو السكوت عنها، وهو أضعف الإيمان. لذلك كانوا أعواناً "للسلطة الاستبدادية"، صحيح إن عبد الرحمن الكواكبي اهتم بقضية الحريات العامة، وبمكافحة الاستبداد إلا أن أغلب المفكرين من بعده ركزوا جهودهم على محاربة الاستعمار، ولم يعطوا قضية الحريات العامة أهميتها الموضوعية. إن أزمة الحرية والديمقراطية وإقامة ما يسمى بالمجتمع المدني هي أزمة تاريخنا الحقيقية ,,(( أذا فدولة المؤسسات التي نشاءه في أوربا بين القرن الرابع عشر والقرن السادس عشر , فأصبح مصطلحا سياسيا تؤلف فيه الدولة طريقة لجمع المجتمعات في العالم المعاصر ,, فكان مفهوم المجتمع السياسي بداية في ايطاليا في عصر الانبعاث وانتقل منها إلى بريطانيا ثم إلى فرنسا ,, لكي يعبر هذا النظام الجديد عن حقيقة جديدة تنظوي تحت سلطانه جميع السلطات السياسية والاجتماعية ,, ليبرز اسم الديمقراطية ,, التي تضمن حق الاختلاف لبني البشر وحق التعبير وتعزز قوة الأغلبية مع ضمان حق الأقلية في العمل على أن تكون أغلبية في يوم من الأيام ,, ومن هنا كان التداول السلمي للسلطة ,, و مفهوم القانون يعلوا جميع الإرادات ويحكمها ,, ويقال إن الشعوب كلها ممثلة في السلطات بكل مظاهرها وتقسيماتها وان الدستور في دولة المؤسسات هو الذي يحدد نظام الحكم ويحدد الشخصيات التي تمارس السلطات الثلاث عن طريق الانتخابات ,, نعم إن دولة المؤسسات تبدأ من الديمقراطية وتسير في ركبها بنظام وقانون يضعه الأقوياء ليزدادوا قوة ويخرقوه متى ما وجدوه يعارض مصالحهم وطموحاتهم في البقاء على سدة السلطات ,, إن الشائع لدى الكثير من أبناء مجتمعات العرب بان الديمقراطية ودولة المؤسسات ماهي ألا شعارات ترفعها الحكومات البوليسية لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان , و لكي لاتصنف ضمن معايير الحكومات الجائرة وفق مقاييس الأمم المتحدة ,, وان هذا الرأي صائب جدا ويشهد له التاريخ المعاصر , فالانتخابات تقام في دورات منتظمة في أمم الشرق الأوسط , ولكن قلما نرى أن تغيرا طرأ على شخصيات الساحة السياسية , وان الحكام العرب امسكوا بتلابيب السلطة سالفا عن سالف مع أجهزتهم ذات المصالح الخاصة بلا برامج للتنمية أو مشاريع للإصلاح حقيقية ,, وان السلطات تركزت جميعا في يد القائد الأوحد فالقضاء في بلدان العرب يتكون من نوعين من المحاكم الاعتيادية والتي تقوم بأعمال البدءة والنقض والجنايات والقضايا الخلافية بين الناس ضمن قانون الدولة , والمحاكم الاستثنائية التي تعمل بالسر وبمحاكمات صورية تهتم بمعاقبة معارضي النظام وأصحاب الرأي وغالبا ما تحكم بالتصفية , ( مثل محكمة الثورة سيئة الصيت في العراق )كما إن السلطة التنفيذية تتركز جميع خواصها بيد الحاكم الذي يولي اهتمام أساسيا بالقوات المسلحة على حساب باقي القطاعات , من صحة وخدمات وغيرها من الأمور المستجدية لعطف سيادتهم وتنتظر المكرمات بشغف وصبر , وكثيرا ما يطول صبرها '' ويسيطر الحاكم المطلق في الحكومات العربية على البرلمان حتى إن البرلماني الذي يرغب بالفوز علية أن يقدم فروض الولاء للحاكم ,, وهذا الواقع لايغفل عنة أيا من أبناء الشعوب , ويدركون تماما بان شعار الديمقراطية ودولة المؤسسات ماهي ألا صرعة العصر التي يتشدق بها الحكام ,, الذين يحاولون أن لايتخلوا عن سلطاتهم ويرضوا بها غير شعوبهم ,, أن دولة المؤسسات تجلت بأفضل صورها في الشرق اليوم في العراق وان السلطات الثلاث أصبحت مستقلة بشكل كبير ولكن مايشهدة العراق اليوم من أزمات سياسية متوالية تؤكد أولا عدم رضا الجوار الإقليمي عن هذه التجربة التي قد تنعكس سلبيا على مصالحهم فدعاهم للتدخل بشكل سافر لإفشال هذه التجربة التي بالفعل أتت على عروشهم , وثانيا إن الشعب العراقي لازال في مستويات ضعيفة من الفهم للمصالح الوطنية ' وثالثا إن السياسيون يثبتون يوما بعد آخر بأنهم أما تابعين لحكومات عربية وإقليمية لاترضى باستقرار العراق وأما نائمين في عسل الوجاهة والمميزات الكبيرة التي جاءت أليهم بغفلة من الزمن وهم ليسوا أهلا لها مطلقا ,, إن التاريخ يكرر نفسه ولكن الاعتبار منه قليل جدا , وان مؤسسات كبيرة تحاول أن تعطل الفهم باتجاه التطور ,, نعم قامت في العراق دولة المؤسسات ولكنها بقيت بلا إستراتيجية للنهوض ما دامت مصالح الأشخاص هي محور الشراكة ,,

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك