عادل الجبوري
يقول سياسي عراقي مطلع على الكثير من خفايا واسرار الحوارات والمباحثات بين الكتلة السياسية العراقية منذ العام الماضي، ان عدد من قيادات القائمة العراقية هددوا في خضم الصراع بين رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس العراقيةاياد علاوي على منصب رئاسة الوزراء، بالاتجاه الى اعلان اقليم المنطقة الغربية(الاقليم السني) في حال بقي المالكي رئيسا للوزراء لاربعة اعوام اخرى.ويؤكد ذلك السياسي ان الحديث تشكيل الاقليم السني قد انقطع وتوقف لبرهة من الزمن بعد تشكيل الحكومة وفق مبادرة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، بيد ان رجال سياسة واعمال من المكون السني يقيمون في دول مجاورة او قريبة للعراق ظلوا يتحركون ويهيئون الارضيات المناسبة لمشروع الاقليم السني مستفيدين من علاقاتهم الجيدة مع اوساط سياسية عربية متعاطفة مع سنة العراق ومتوجسة من شيعته لانها تعتبرهم امتدادا لايران.وبعد ان عادت اجواء ومناخات التشنج والاحتقان- والكلام للسياسي-بين دولة القانون والعراقية حول جملة قضايا من بينها المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والوزارات الامنية، اعيد فتح ملف الاقليم السني من قبل كبار الشخصيات السنية، حيث بدأت بتحركات بأتجاها مختلفة للترويج للمشروع وجس النبض واستقراء ردود الافعال التي يمكن ان تبرز ازاء اي خطوة يتم اتخاذها بهذا الشأن. ووفقا للكلام المشار اليه والمنقول من الكواليس والاروقة الخاصة، فأن التصريحات التي ادلى بها رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي من الولايات المتحدة الاميركي حول مظلومية السنة وتهميشهم ودعوته الى انشاء اقليم خاص بهم في المنطقة الغربية كان متوقعا، ولم يكن امرا مفاجئا او خارج سياقات وايقاعات الحراك السياسي العراقي في هذه المرحلة.واذا كان حلفاء النجيفي سواء داخل القائمة العراقية او من خارجها قد اختلفوا على بعض الجزئيات والتفاصيل في الوقت الذي حاولوا ان يخفوا ارتياحهم بما قاله من واشنطن، فأن خصومه في ائتلاف دولة القانون وجدوا في تصريحاته ورقة لاضعافه ان لم يكن ممكنا اسقاطه وابعاده من اللعبة السياسية برمتها.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل ان جوهر المشكلة في تصريحات رئيس مجلس النواب، ام انها ابعد واشمل واخطر من ذلك بكثير؟.وهنا لابد من الاشارة الى جملة نقاط لتوضيح الصورة منها:-ان الدستور العراقي اشار في مادته الاولى الى ان العراق دولة ديمقراطية اتحادية-اي فيدرالية- والمادة 119 منه اشارت الى ان تشكيل الاقاليم ينظم بقانون ونصها "يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات، أو بالعكس، بموافقة الطرفين، وينظم ذلك بقانون"، وفيما بعد ، وتحديدا في عام 2008 صوت مجلس النواب العراقي السابق على قانون الاجراءات التنفيذية لتشكيل الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم، وقد كان لرئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السابق الراحل السيد عبد العزيز الحكيم دور محوري وكبير في تمرير ذلك القانون من قبل البرلمان.والغريب ان الاطراف التي تروج اليوم لمشروع اقليم المنطقة الغربية شنت في حينه حملة سياسية واعلامية واسعة ضد مشروع الاقاليم واعتبرت انه مخطط لتقسيم العراق تقف ورائه ايران والقوى التي ترتبط بها.-ان السنة حينما يدعون الى تشكيل اقليم المنطقة الغربية، فأنما يستحضرون تجربة اقليم كردستان من جوانبها السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية، وفي المجالس الخاصة يقول الساسة السنة لماذا لاتحصل مناطقنا على نفس الحصة التي يحصل عليها اقليم كردستان من ميزانية الدولة العراقية؟..ولماذا يبقى مصيرنا مرتهنا بمزاج اصحاب القرار في بغداد؟.. ولماذا نتهم بأننا نريد تقسيم العراق حينما نطالب بتشكل اقليم خاص ووفق الدستور ولايتهم الاكراد بذلك؟..-القراءة الاجمالية للمواقف والتوجهات العربية والاقليمية والدولية ازاء مشروع اقليم المنطقة الغربية، تصب في صالح دعاة المشروع، بحيث انها تنتهي الى نتيجة مفادها ان فرص نجاحه سياسيا واقتصاديا اكبر بكثير من الفرص التي توفرت لاقليم كردستان.-اذا كانت هناك توافقات بين الساسة السنة حول المباديء والكليات العامة للمشروع، فأن الدخول في التفاصيل والجزئيات والسياقات العملية لابد ان يفرز سلسلة طويلة من الخلافات والاختلافات على توزيع السلطة والنفوذ وتقاسم الامتيازات، ولعله من الخطأ النظر الى التجربة الكردية وتقييمها من خلال واقعها الحالي وتجاهل الماضي الحافل بصراعات دامية ودموية بين شركاء اليوم، فالمنجزات والمكاسب المتحققة اليوم للاكراد لم تتحقق لهم على طبق من ذهب، وانما سبقتها مرارات كبيرة وكثيرة. -وارتباطا بالنقطة الانفة الذكر، فأن الخلافات والتقاطعات في المواقف والاجندات اطلت برأسها منذ البداية بأنتقادات حادة لعدد من شيوخ العشائر النافذين في المنطقة الغربية لاطروحات النجيفي، وهذا ما يعكس ليس صعوبة الوصول الى الهدف المطلوب ، بل وصعوبة الانطلاق صوبه.-ان تشكيل اقليم سني -على اساس طائفي-يكرس مشروع نائب الرئيس الاميركي الحالي جوزيف بايدن الذي طرحه قبل عدة اعوام القاضي بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات -شيعية في الجنوب وسنية في الوسط والغرب وكردية في الشمال- وينسجم مع اطروحات اميركية تعود الى مرحلة مابعد حرب تحرير الكويت مطلع عقد التسعينيات، وابرز تلك الاطروحات ماجاء في دراسة صدرت عن مؤسسة راند بقلم غرام فولر تحت عنوان (هل سيبقى العراق موحدا حتى عام 2000؟). -تثير المخاوف من تحول الاقليم السني في حال تشكيله الى بؤرة للجماعات الارهابية المسلحة من تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل قلقا حقيقيا لدى اوساط سياسية وشعبية من مكونات اخرى، وهذا القلق له ما يبرره على ضوء التحربة المؤلمة التي مر بها العراق مع الارهاب بعد الاطاحة بنظام صدام ربيع عام 2003 ولم يغادرها حتى هذه اللحظة، رغم انها انحسرت بمقدار واضح وملموس.ناهيك عن ان المتغيرات السياسية الدراماتيكية في عدة بلدان عربية كانت تشكل ملاذات امنة للقاعدة وحزب البعث المنحل، ربما تدفع بعد اعوام الى ان يصبح العراق مصدرا ومنطلقا لارهاب مثل الذي تعرض له يكون موجها لانظمة سياسية عربية جديدة هنا وهناك تتقاطع اجنداتها ومصالح شعوبها مع اجندات ومصالح اقليمية ودولية.كل هذه الامور ينبغي استحضارها واخضاعها للتحليل الدقيق والقراءة الموضوعية عند الحديث عن مشروع حساس وخطير ومعقد كمشروع الاقليم السني في العراق الذي يعني انه مهما كانت ايجابياته، يمكن ان يفتح الباب واسعا امام العراق والعراقيين-بل وربما المنطقة برمتها-لكل الخيارات والاحتمالات لاسيما السيئة منها. والتي يصعب في هذا الوقت المبكر التنبوء بمساراتها ونتائجها.
https://telegram.me/buratha