قيس السهلاوي
يذكر الباحث العراقي الكبير الراحل علي الوردي بان المعارضة الوطنية التي تشكلت بعد نجاح بريطانيا بغزو العراق اثناء الحرب العالمية الأولى قد كانت متنوعة تضم السنة والشيعة والأكراد وطرحت برنامجا وطنيا موحدا لتأسيس مملكة دستورية ,حتى انها اتفقت على اختيار الملك فيصل الاول بن الشريف حسين ملكا على العراق وحصل توافق سياسي كبير خلال العام 1920 لدرجة ان السنة كانوا يشاركون في إحياء مراسيم يوم عاشوراء وكان الشيعة يشاركون في احتفالات المولد النبوي في الاعظمية عند مقام ابي حنيفة . هذه المواقف الوطنية الموحدة لم ترق للبريطانيين الذين وجدوا فيها تحديا خطيرا لبقائهم في العراق فعملوا على أضعافها ونشأتها عبر طفأنة نظام الحكم في العراق من خلال اختيار احد السنة وهو الشيخ عبد الرحمن النقيب ليكون أول رئيس للحكومة في العراق التي ضمت وزيرين شيعيين فقط والتي كانت أساسا لسلوك سياسي أصبح منهجا حتى سقوط النظام السابق في 2003. المعارضة الوطنية انتبهت الى هذا المشروع البريطاني الخطير فلم تنجر اليه ,بل حافظت على تكوينها الوطني من خلال التنوع الطائفي والقومي الذي كانت تتكون منه تلك الأحزاب كجماعة الأهالي والحزب الوطني وحتى الحزب الشيوعي الذي كان يضم خليطا يعكس الموزاييك العراقي . لقد كانت تجربة العمل الحزبي خلال العهد الملكي عامرة بصور التحالفات السياسية المبنية على أسس وطنية ولم تكن هناك أية اعتبارات طائفية وحتى المرجعية الدينية في انتقاداتها للسلطة لم تأخذ اتجاها طائفيا ,بل حافظت على النفس الوطني في مطالباتها . هذه التجربة السياسية لم يكتب لها النجاح بعد انقلاب تموز من عام 1968 ,حين اضطرت غالبية الأحزاب السياسية المعارضة إلى ترك البلاد الى المهاجر البعيدة عن بطش النظام وقبضته الدموية ,حيث أنها لم تحافظ على تكوينها الوطني الذي امتازت به بالماضي ,بل تحولت الى كتل وأحزاب ذات لون واحد عكست القطيعة والتباعد بين هذه الأحزاب التي عجزت عن تحقيق ما قام به جعفر أبو التمن والجادرجي والسيد محمد الصدر وناجي السويدي وغيرهم .هذا الاختلاف انعكس أيضا على غياب اية استراتيجية واضحة وفاعلة لعراق ما بعد صدام بالرغم من عشرات المؤتمرات من لندن الى صلاح الدين . هذا التناقض والتباعد حملته معها الأحزاب عند دخولها الى العراق ,حيث غابت أدنى حدود التنسيق ما بينها ولم تنجح في وضع تصور واضح ومحدد لعراق ما بعد عام 2003 ,بل انها انزلقت بتأثير خارجي في مواجهات طائفية بتأثير تنظيم القاعدة الإرهابي الذي استغل مشاعر الإحباط لدى أبناء السنة بعد سقوط نظام صدام وعدم إسراع الأحزاب الشيعية في تقديم مبادرات وطنية تسمح باستيعاب المكون السني وعدم تركه يرتمي في أحضان التحالف الإقليمي المناهض للشيعة في العراق ,إضافة الى ان المكون السني حاول تقويض المكاسب الشيعية عن طريق التحالف مع القوى الإقليمية المناهضة للشيعة ليس في العراق ,بل في المنطقة .عدم استقرار الأوضاع في العراق منذ أكثر من ثماني سنوات مرده إلى غياب البرامج الوطنية التي توحد الأحزاب المشغولة حاليا بصراعات جانبية تخص المغانم الحزبية والسياسية التي تعكس ضيق افق البعض من هذه الاحزاب التي تغيب عنها البرامج السياسية الوطنية البعيدة المدى ,اذ إن حساباتها تنحصر حاليا فقط في عدد المقاعد التي تحصل عليها في مجلس النواب او مجلس الوزراء اما الخروج بآراء ونظريات سياسية لعراق ما بعد عشرة او عشرين عاما فليست موجودة ولن تكون موجودة . ان حالات القطيعة والتباعد بين المكونات السياسية لن تثمر نموا وازدهارا للبلاد بقدر ما تنتج العديد من الازمات السياسية التي ستعطل مفاصل البلاد الاقتصادية وتؤدي الى انتاج حكومات ضعيفة وهزيلة والى استمرار نظام المحاصصة بكل سلبياته مما سيجعل البلاد تدور في دوامات من الازمات والتقاطعات السياسية التي ستجعل من العراق بلدا ضعيفا وغير مستقر وساحة للتدخل من قبل القوى والاطراف الدولية المشبوهة
https://telegram.me/buratha