حافظ آل بشارة
مازال مصير مفوضية الانتخابات مجهولا ، وهناك جبهة جديدة لحرب برلمانية اعلامية وسياسية حول هذا الملف ، في البداية كانت الأمور تسير بطريقة مثالية فقد جرى استجواب المفوضية واركانها داخل مجلس النواب بطريقة مهنية جيدة ، والمهم في الاستجواب انه ومهما كانت خلفياته ومقاصده قد كشف حالات فساد خطيرة في المفوضية ينبغي ان تكشف من زمن بعيد ، وعزز الاستجواب من جديد دور مجلس النواب في الرقابة والمسائلة والتقييم ، وعزز دور المرأة في عمل المجلس من خلال تولي النائبة حنان الفتلاوي لهذا الملف بكفاءة واضحة ، الا ان الاجندة كلها اثارت تساؤلات حول الاهتمام باخطاء بعض المؤسسات دون غيرها وان كان الموضوع ينطوي على انتقائية سياسية في الموضوع والتوقيت ام لا ، حيث ان ائتلاف دولة القانون بذل جهودا مضنية في متابعة موضوع المفوضية واستجوابها ولم تحظ قطاعات مهمة في العراق ينخرها الفساد والتراجع وتهم المواطن اكثر من هذه المفوضية بالاهتمام نفسه لكشف فسادها او معاقبتها ، لكن الانتقائية المحتملة في اختيار الملف تم كبحها بقوة والتخلص نسبيا من آثارها عندما رفض اغلب النواب التصويت على سحب الثقة من المفوضية ، حيث تحدث النواب عن مخاوف من فراغ في ادارة العملية الانتخابية فيما لو تم سحب الثقة عن المفوضية الحالية ، وسط توقعات بأن تكون عملية تشكيل مفوضية جديدة من الاساس عملية صعبة وهي اصعب من تشكيل الحكومة ذلك ان تأليف مجلس مفوضين سيكون متعسرا لانه مجال ملائم لانفجار خلافات المحاصصة التي ليس لها حل عادة ، مما يجعل تعطيل المفوضية ريثما يتم تشكيل مفوضية جديدة ممكنا وبذلك توكل اعمالها الى السلطة التنفيذية ، وهذا يعني الوقوع في مازق الادارة بالنيابة المتكرر حاليا في اكثر من مؤسسة في البلاد ، ووقوع شؤون الانتخابات وادارتها في ايدي الحكومة وهو امر خطير ، هناك تجربة سيئة في هذا التوجه فقد سبق ان تولت الحكومة ادارة ملفات بالنيابة بانتظار حسم موضوع الجهات المسؤولة عنها ، وربما جرت في بعض القطاعات حالات وصفت بأنها تصفية حسابات واحتكار حزبي وتكريس لحالات سلبية ، وابرز الاعمال التي اضطرت السلطة التنفيذية لادارتها بالوكالة سابقا هي : مهمات ضمن ملف المسائلة والعدالة ، هيئة الاستثمار ، البنك المركزي ، شؤون المخابرات العراقية ، كذلك قضية تعيين قادة الفرق ومدراء الشرطة ، ويعد القطاع الأمني بوزاراته الثلاث الخطيرة الدفاع والداخلية والامن الوطني آخر الملفات الكبرى التي تديرها الحكومة بالوكالة ، ويبدو ان الحكومة مرتاحة لهذا الاسلوب وقد اعتادت على لعبة الادارة بالوكالة ، خاصة وانها تتجاوز في وكالتها المدة المسموح بها دستوريا لمثل هذه الادارة المؤقتة بدون اعتراض من أحد ، ويشكو كثير من الشركاء بان الادارة بالوكالة تسمح لدولة القانون بتنفيذ اجنداتها في تلك القطاعات والطيران بها بعيدا عن سرب المحاصصة وما تقتضيه من التوازن في النفوذ بين الاطراف ، فاذا انتقلت القضية نفسها الى ملف مفوضية الانتخابات سيكون الامر اكثر خطورة فقيادة المفوضية بالوكالة يؤدي الى تصرف السلطة التنفيذية في شؤون الانتخابات وادارة عملية الترشيح والانتخاب والفرز والنتائج وغير ذلك حيث سيكون الطرف الذي يدير الانتخابات وكالة طرفا غير محايد لانه داخل ضمن الانتخابات ، كثير من المراقبين يرون ان الادارة بالوكالة تسهل تساقط المؤسسات المستقلة والتنفيذية الخاضعة للشراكة بين القوى في احضان السلطة التنفيذية وهذا من الناحية العملية يؤدي الى تضخم تلك السلطة وكأن هناك عودة لمسببات الاستبداد من الشباك بعد اخراجها من الباب ، ثم ذبول وتآكل السلطات الاخرى في البلد دورا وهيكلية . ليس القوى المشتركة في العملية السياسية وحدها قلقة من هذا المنحى بل التحالف الوطني نفسه الذي يقود الحكومة اصبح يشعر بمسؤولية استثنائية لوضع حد لمثل هذا التداعي الغريب ، لذا فقد ناقش التحالف قضية مفوضية الانتخابات واقترح تشكيل لجنة تتابع الموضوع وتخرج بنتيجة دقيقة على ان تدور الاجراءات اللاحقة في اطار عدم سحب الثقة بل اجراء اصلاحات مهمة داخل المفوضية تتناول الاشخاص المتهمين بالفساد ، وادارة الازمة بطريقة تمنع الوقوع في فراغ ادارة انتخابية لوقت طويل . ملف المفوضية وغيره من الملفات تساعد على تفجير المزيد من الازمات ، ويلاحظ ان الازمات تزداد حدة وخطورة كلما تضائل دور مجلس النواب وتراجعت اساليبه الدستورية الضامنة في حلها ، الجزء الاكبر من الجدل يدور في الشارع ، وهذا معيار لتطور مؤسسة الحكم فكلما كانت القوى السياسية اكثر نضوجا اصبحت خلافاتها تدور خلف الكواليس وهي تحاول الحفاظ على سلامة الصف الوطني المدني وعدم اثارة عناصر التمزق في اوساطه ، ومع ازمة المفوضية سيكون مشروع ترشيق الحكومة هو الآخر مثارا للجدل ، اذ يحرص رئيس الوزراء على الخروج بحكومة قليلة الوزارات كثيرة المهمات ، وهو ليس امرا سهلا فالترشيق سيؤدي الى فقدان وزارات ومواقع وامتيازات سياسية ولا بد من تعويض المتضررين ، ويحتاج التعويض الى قواعد واذا تساوى الاطراف في اضرار الترشيق فيجب ان يتساوو في التعويض ، ثم ان الحكومة الفضفاضة كانت حلا والترشيق تراجع عن الحل فما هو البديل ؟ ولكن المشكلة الاصعب في الترشيق هي ان الوزراء اصبحوا وزراء بتصويت مجلس النواب فكل وزير يحمل جوازا برلمانيا لتنصيبه ، وهذا يعني انهم لن يفقدوا هذه الصفة الا عندما يسلبها البرلمان منهم فالبرلمان يعطي ويسلب ولا يسلب غيره ما اعطاه هو وهنا يتحول الترشيق الى مهمة برلمانية ، صحيح ان البرلمان العراقي الحالي لم يحدد عدد الوزارات وتركها للحكومة حسب احتياجاتها لكنه اعطى شرعية للوزراء بطلب رئيس الحكومة ، وغير معروف ان كانت هذه المشكلة ستحل بتقديم طلب جديد من رئيس الوزراء لسحب الثقة من وزراء مشمولين بالترشيق او الغاؤهم وكيف سيتم التكييف القانوني لسحب الثقة باعتباره اجراء يتخذ لاغراض ادارية بحتة ، وقد تكون الظروف مواتية لجعل ملفي الترشيق والمفوضية يسيران في خط واحد لموازنة الصفقات التي تجري بين الاطراف ، ويبدو ان ائتلاف دولة القانون يعلق على دعم تحالفه الوطني في تمشية بعض الملفات وعبور الازمات الا ان الايام الاخيرة شهدت حركة استثنائية لاحياء وتنشيط الائتلاف العراقي الذي يضم تيار شهيد المحراب واحزابا تمثل خلاصة الطيف العراقي ، ومن الطبيعي ان اي فتور في حركته يقتضي التنشيط وتقوية الحضور ، الا ان توأمه ائتلاف دولة القانون في التحالف الوطني يرى ان تنشيط الائتلاف سيؤدي الى احياء الخلافات بين الطرفين او على اقل التقديرات سيعزز موقفه داخل التحالف الوطني عند مناقشة الامور ولن يكون الطرف المضحي بمصالحه دائما ، فهو سيغادر نظرية الأخ الاكبر ويتعامل بمهنية اشد داخل التحالف ، الامر الذي يجعل موقف دولة القانون في حسم ملفي المفوضية والترشيق وملفات اخرى مقبلة صعبا ويصبح لزاما عليه التفكير بحلفاءه الاقرب بطريقة عادلة .
https://telegram.me/buratha