عبد الكريم ابراهيم
تسعى الانظمة الشمولية الى فرض ثقافتها على المؤسسات من خلال السيطرة على موارد التمويل والدعم ،والتحكم في توجيهها وفق رؤيتها التي تؤمن بها . على هذا الاساس غدت النقابات والاتحادات المختلفة عبارة عن دوائر حكومية تحصل على استحقاقاتها المالية من ميزانية الدولة ،وبالتالي الخروج عن هيمنة السلطة بات امرا صعبا في ظل محدودية التمويل وصعوبة ايجاد منافذ جديدة يمكن الاعتماد عليها فضلا عن العقلية القديمة المسيطرة على دفة القيادة .من اللافت للنظر بين الفينة والاخرى اطلاق بعض النقابات والاتحادات مناشدات الى الجهات المسؤولة من اجل تقديم الدعم والرعاية لها او التبرع لعلاج شخصية ما أكل المرض اوصالها على حساب نفقة الدولة . لماذا وصلت هذه المؤسسات الى حالة الاستجداء وبيع ماء الوجه ؟ وهل النقابات والاتحادات دكاكين تفتح وتغلق ابوابها بأمر الدولة ؟ ام ان عقدة السير في ركب الحكومة مازالت مسيطرة على تفكير البعض لاسباب مركبة ورثناها من الانظمة السابقة التي تجهد نفسها في استغلال بعض الواجهات الثقافية كمنابر لترويج سياستها على الغير . المطالبات في تقديم الدعم للمؤسسات الثقافية هو عودة الى المربع الاول وهو احكام سيطرة الدولة على هذه المؤسسات وبتشجيع من قبل بعض القائمين عليها. على وفق قاعدة ان تعطي شيئا لتحصل في مقابله على شيء اخر ، نجد بعض النقابات والاتحادات من حيث لاتدري تسير في فلك الدولة ، لانه بات لازما عليها من باب رد الجميل ان تتبنى على اقل تقدير بعض الرؤى والافكار حتى وان لم تؤمن بها .هذا الامر يقودنا الى العودة الى سياسة النظام السابق من خلال فرض بعض الاشخاص لقيادة هذه المؤسسات وبعيدا عن المهنية ، وعندما تجري الانتخابات فهي مجرد شكل من اشكال المجاملة . ان تكرار التجربة السابقة والسعي لها والتي ولدت مؤسسات عرجاء همها الحصول على رضا الدولة ، وهذا الامر يقود البلد في كل مفاصله الى ادوات يمكن التحكم بها عن بعد ،وهنا لابد من صحوة حقيقية لتلك النقابات والاتحادات في تبني الاستقلالية المالية والاكتفاء الذاتي وبعيدا عن عباءة الدولة . الاقتصاد الحر والاستثمار هما من يحققان هذه الغاية من خلال البحث عن مصادر تمويل والدخول في مشاريع قريبة من الاختصاص الذي تمارسه المؤسسة ،ويمكن ان نحقق غايتين الاولى الاستقلالية المالية ، اما الامر الثاني توفير فرص عمل جديدة وزيادة مهنية العاملين وخلق روح منافسة بين القطاعين العام والخاص، وهذه من الامور التي تنمي الموهبة والكفاءة وتجعل العاملين بعيدين عن مد اليد ،ولاسيما ان اغلب الاتحادات والنقابات تملك مؤهلات تحول نحو هذا الهدف ،حيث يمكن الاستفادة من الاملاكها الخاصة وتنميتها بشكل يحقق الفائدة للجميع .ان عدم الانفتاح على الحالة الجديدة ومواكبة الوضع الحالي والعيش في غياهب الماضي الاتكالي تفكير مازال يسود - مع كل الاسف - قيادات بعض المؤسسات ،التي حولتها الى اماكن لاصدار هويات الانتماء وممارسة بعض الطقوس والفعاليات في حدود معينة والقاء اللائمة بعدم التوسع في هذا المجال على ضعف الامكانية المالية. هذا التفكير السلبي والاتكالي جعلنا نعود الى الوراء ،وحول هذه المؤسسات الى عيون حالمة في التغيير الذي يجب ان تسعى اليه قبل غيرها . ان الاستمرار اليوم في جميع المجالات وخدمة الاعضاء المنتمين لمثل هذه المؤسسات متوقفة على تبني سياسة جديدة تلبي الطموح وتحول بعض النقابات والاتحادات من اماكن استهلاكية تعيش على الاعانات الخارجية الى قطاعات منتجة تعود بالفائدة على الجميع ،ربما يأتي هذا التحول بشكل تدريجي ،ولكن لابد من الخطوة الاولى التي تحتاج الى الجرأة والشعور بالمسؤولية .
https://telegram.me/buratha