حسين المياحي
مما اطلعت عليه وأنا أبحث في أحداث الفتنة، كتاب: عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام، لسليمان بن فهد العودة، من المملكة العربية السعودية، وهو عبارة عن رسالة جامعية حصل كاتبها على شهادة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود، وقد أشرف عليها ثلاثة من الأساتذة. وقبل أن أشرع بقراءته ونقده، أود الإشارة إلى قول المؤلف في مقدمة الكتاب: كما لا يفوتني التنويه بأن هذه الآراء التي أودعت في كتاب لا تعدو أن تكون رأي بشر، فهي عرضة للخطأ، وحسبي أنني اجتهدت فيها ما وسعني الجهد، ولدي الاستعداد لقبول أي ملاحظة تبلغ بالكتاب غايته، وللقارئ الذي يتقدم بشيء من هذه التوجيهات مني الشكر مقدماً، ومن الله المثوبة. وهذه بادرة محمودة وتواضع علمي يشكر عليه مقدماً أيضاً، وآمل أن يتسع صدره لملاحظاتي هذه، وأن يأخذها بعين الاعتبار، وأن يكون موضوعياً بما فيه الكفاية، علماً أنني أكنّ له الاحترام والتقدير مع اختلافي معه كلياً في ما ذهب إليه، ومع ما تجنى به علينا في كتابه. والسر في ذلك أنه عمل بمقتضى الأدوات العلمية المتوفرة لديه، وهي قاصرة في نظري عن بلوغ الهدف المنشود، وكان بشكل عام أميناً في نقله، وإن وقع منه خلاف ذلك فهو نتيجة السهو والخطأ إن شاء الله. وإليك الملاحظات التالية: 1 ـ ركز المؤلف جهده منذ البداية على الدور اليهودي في محاربة الإسلام منذ نشوئه، وهذا صحيح لا إشكال فيه، ولكنه طوى صفحة مشركي العرب وطبقة المنافقين الكبيرة التي نص عليها القرآن الكريم وأحاديث النبي (ص). فمن منا يجهل الدور الكبير الذي مارسه مشركو العرب من عبدة الأوثان، في محاربة الإسلام مما لا يقاس حدة وخبثاً بدور اليهود؟ فهل يجهل أحدٌ منا أبا سفيان وحروبه الحامية التي قادها ضد الدعوة الفتية؟ ثم تبعه ابنه معاوية في حرب علي، ويزيد في قتل الحسين واستباحة المدينة وقتل الصحابة؟ ومن يجهل العاص بن وائل السهمي، أحد المستهزئين بالنبي (ص) بنص القرآن، وابنه عمرو بن العاص ودوره في التأليب على عثمان بعد عزله عن ولاية مصر؟ ثم دوره التالي في محاربة علي (ع) ؟ ودونك السيرة النبوية، وانظر أيهما أشد خطراً ومكيدة للدعوة، اليهود أو مشركو العرب والمنافقون؟ لا شك أن المؤلف لا ينكر دور المنافقين إجمالاً، إلا أنه أسدل الستار نهائياً على هذه الشريحة المهمة والفاعلة في تاريخنا، وحرف الضوء باتجاه اليهود، مع أن اليهود الذين دخلوا في الإسلام كان لهم الحظوة الكبرى عند الخلافة، وصاروا من الصحابة الذين لا يجوز التعرض لهم، وهم اليوم من رموز أهل السنة المقدسين، فكان كعب الأحبار قريباً من عمر، ثم انتقل ليعيش في كنف معاوية ويسمح له بالتحديث وسرد القصص وبث الفكر الإسرائيلي، أما عبد الله بن سلام فقد ادُّعي نزول آيات من القرآن الكريم في فضله، وهو من المقدسين اليوم والمعتمدين في الصحاح، وكذلك وهب بن منبه والعشرات من اليهود. ولم نعهد أحداً من اليهود انتسب للتشيع فوجد المنزلة والمكانة التي وجدها هؤلاء، وكلهم يهود، اللهم إلا أن يقال: شرط إسلام اليهودي أن لا يكون شيعياً، وإلا فهو متهم. ولعل هذه إحدى العقد التي عانى منها الآخرون، فقد ابتلوا بكثرة اليهود عندهم وفعاليتهم الكبيرة، فاختلقوا عبد الله بن سبأ لتخفيف الوطأة عن نفوسهم.ثم إن طبقة المنافقين والذين في قلوبهم مرض، اختفت تماماً ولم يعد لها ذكر بعد النبي (ص) فأين ذهبت هذه الطبقة؟ وكيف اختفت؟ أليس من المعقول أن يحصل التوافق والتحالف بين اليهود والمنافقين لضرب الدين من داخله، فيكون دور اليهود المشورة والتحديث وحرف العقيدة وإدخال التشبيه والتجسيم في عقائد المسلمين، ودور المنافقين التنفيذ من مواقع السلطة المتقدمة في تصفية الرموز من أهل البيت وغيرهم، والسيطرة على المقدرات الاقتصادية والسياسية للأمة؟ وإلا كيف نسلّم باستمرار الخطر اليهودي بعد النبي، (واندثار) خطر المنافقين إلى الحد الذي يصبح الحديث عنه محظوراً؟ لقد تحول المنافقون بعد النبي (ص) إلى سادة وقادة بصور شتى، وتحول السادة والقادة من أمثال علي وأهل البيت والمئات من الصحابة، إلى معارضة تتحرك تحت النظر وتهدَّد بالسيف، وهكذا تحول المقود إلى يد الحلف الجديد، فقد صار معاوية (كسرى العرب) في نظر عمر، وصار عمرو بن العاص أفضل الناس، فرووا أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى أحداً لا يعجبه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد؟! وقد ولاه مصر كما ولى معاوية الشام. حاز كل منهما القناطير المقنطرة من الذهب. وهكذا أخذ المنافقون مواقعهم القريبة من مركز القرار، واستعانوا باليهود في تنفيذ المخطط. ومن الملاحظ هنا أنني قرأت لأكثر من واحد من كتاب ومؤلفي الوهابية ومنظريهم، فرأيتهم كثيراً ما يحرصون على إخفاء دور المنافقين في مرحلة ما بعد النبي (ص) والسكوت عنهم بالمرة، وجعل المنطقة محظورة لا يسمح بالاقتراب إليها، بل حتى السكوت عن دور اليهود، إلا عند كتابتهم عن الشيعة وابن سبأ. 2 ـ لا بد أن نشكر الأستاذ على إقراره منذ البداية بصعوبة التعامل مع الموضوع لغموض تلك الشخصية من جهة، وصعوبة البحث في أحداث جرت بين الصحابة، وصعوبة تمييز الصحيح من السقيم من النصوص، وأن الحقائق الناصعة في التاريخ تحتاج إلى استخراجها من بين أنقاض الأوهام والمفتريات والأوهام والعصبيات التي اختلقها المختلقون والوضاعون من بين الرواة. ثم ظهور أثر أصحاب الأهواء والعصبيات في الكثير من النصوص سيما أنها دونت بعد نشأة أصحاب الأهواء والفرق وأن ذلك من عوامل الكذب. وأضيف للأستاذ عاملاً آخر أهمله أو تحاشى ذكره، وهو أثر السلطات الحاكمة والمنافقون الجدد في وضع تلك النصوص، ولعله أدرج هذا العامل في أصحاب الأهواء. كما نشكره أيضاً على تصريحه بضآلة المعلومات عن ابن سبأ ودوره في الأحداث، مما اضطره إلى (الاستنتاج) أحياناً من خلال النصوص العامة. ونشكره أيضاً على تثبّته أحياناً، أو وقوفه حائراً في تفسير الكثير مما نسبه سيف بن عمر لابن سبأ، ومن ذلك تأثيره في أبي ذر الغفاري رحمه الله تعالى، وغير ذلك من علامات الإنصاف التي لم يتجاوزها، ووقف عندها بشجاعة. إلا أن المؤلف مع ذلك حاد عن هذه الحقيقة، وحذا حذو أولئك الكذابين الوضاعين وأصحاب الأهواء دون قصد منه، ووقع ضحية ما أشار إليه في أول الكلام، وسيأتي ذلك إن شاء الله في لاحظات أخرى. يتبع
https://telegram.me/buratha