حافظ آل بشارة
ينتقد المثقفون العراقيون والعرب الأحزاب والتجمعات العراقية المشتركة في الحكومة بأنها تفتقر لما يسمونه بالاساس الاديولوجي اي الهوية الفكرية ، فلا يجد المفكرون مكانا لهم في اغلب تلك الاحزاب ولا في المشروع الوطني العراقي الحالي ، فالأزمة بالاصل أزمة بنية تحتية فكرية للاحزاب يجري تصديرها الى اروقة الحكومة لتنتج صراعا سياسيا ، فالبيئة الحزبية هي البيئة التي ينشأ فيها الحاكمون ويتكاملون ، فالحزب مثل الانسان الفرد لديه ثلاث نشآت متعاقبة : نشأة عقيدية ، ثم نشأة ثقافية ، ثم نشأة حضارية ، وما لم يمر التجمع البشري بهذه المراحل الثلاث لا يمكن ان نسمي ذلك التجمع حزبا ، فيجب اولا ان يكون للحزب رؤية كونية واضحة تبين للمنتمي مكانه في هذا الكون ودوره وعلاقته بالخالق والمخلوقين والطبيعة والذات وما يترتب عليه من واجبات وما له من حقوق ، والاديان كانت ومازالت هي مصدر الرؤية الكونية للبشر ، وظهرت اديولوجيات تأريخية ارادت ان تحتل موقع الدين وتحدد للمنتمين رؤية كونية مثل الماركسية ثم اللبرالية ... بعد النشأة العقيدية للحزب تأتي النشأة الثقافية اي ما يترتب على الرؤية الكونية من آثار في التفكير والاطار الاخلاقي والعلاقات الاجتماعية والحاكمية وتأطير النشاط الانساني في الاقتصاد والفنون والاداب ، وبعدها تأتي النشأة الحضارية وفيها تظهر الآثار العملية للثقافة في نظام الحكم وحقوق الانسان ونتائج المذهب الاقتصادي ، وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن تقييم مدرسة الحزب ، اغلب الاحزاب في العراق والعالم العربي كانت عادة تجمعات اما معارضة تقاتل لاسقاط نظام جائر او هدفها الوصول الى السلطة بلا مشروع بديل ، لذا فهي تعتبر السلطة هدفا فاذا وصلتها انجرفت الى الاستبداد ، بينما الحزب الحقيقي يعتبر السلطة اداة لتنفيذ رؤيته في الحكم ، فاذا كان الحزب يستند الى الاسلام في نشآته الثلاث فهو ما يمكن تسميته بأمة حزب الله التي تؤمن بأن الدين قادر على ادارة وقيادة المجتمع بما يحقق مصالحه المادية والمعنوية ، وعندما تكون الاحزاب ذات سياق اديولوجي واضح فهي عادة لا تدخل في صراع دموي على السلطة بل تتحاور حتى تصل الى اسس مشتركة تنتج حالة التسامح ثم التعددية السياسية ثم التعايش ثم التنافس السلمي ثم تكوين دولة ذات اغلبية سياسية ، ومن لم يجد له مكانا في الحكومة ذهب الى المعارضة بانتظار دورة انتخابية جديدة ، فالأزمة القائمة في العراق حاليا بنظر المثقفين هي أزمة أحزاب قبل ان تكون أزمة حكومة ، فلدى الحزب عادة رؤية تنتج مشروعا سياسيا ويسعى الى اقناع اكبر عدد ممكن من الناس للانتماء اليه ، ثم كسب اكبر عدد ممكن من الناخبين المعجبين بالبرنامج الانتخابي المعلن ، ثم كسب اكبر عدد من الاحزاب الاخرى الصديقة التي تجد مشتركات كافية لبلورة جبهة وطنية او تحالف لتشكيل حكومة متماسكة في نهاية المطاف ، فهل هذا السياق موجود في العراق الآن والى متى يستمر هذا الخلل ؟
https://telegram.me/buratha