المقالات

العنصرية العربية وتصريحات مبارك عن شيعة العراق

3076 19:16:00 2006-05-02

وأشد العرب المعاصرين هوساً بالعنصرية والتعصب ضد الفرس هو الطاغية صدام حسين، الذي أتبع القول بالفعل، فكانت حربه الخائبة، التي خرج منها العراق أشلاء وطن والعرب حطام أمة، ( بقلم : د. حامد العطية )

تعيد تصريحات الرئيس مبارك إلى الذهن الجدل الفلسفي حول الفروق بين الإدراك والواقع، ومدى دقة الإدراك والحواس البشرية في تكوين صور ذهنية واقعية ودقيقة عن الواقع المرئي، هذا جدل أورثه الفلاسفة لعلماء النفس الاجتماعي والتربوي، ولايزال محط اهتمامهم وموضوعاً رئيسياً لبحوثهم، ولا نحتاج لشهادة من هؤلاء العلماء والباحثين ليتأكد لنا ضرورة التطابق بين الإدراك والواقع للفكر والاستنتاج العقلاني وكذلك الاتصال والتفاعل بين البشر، ومن أدق تعايير ومؤشرات الاختلال النفسي والعقلي افتراق الإدراك عن الواقع واستبداله بصور تخيلية، وما الهلوسة إلا الحالة المتطرفة لانحراف الادراك عن الواقع. يقال أن الخيط الفاصل بين الحقيقة والوهم رفيع، ولكنه خيط هام.

العرب كما وصفهم أحدهم ظاهرة صوتية، وأفهم من ذلك بأنهم قول بدون فعل، وحديث بدون عمل، وتهديد ووعيد بدون تنفيذ، ووعود بدون وفاء، وقد جبلوا على ذلك من القدم، ويشهد تاريخهم على أن التغيير الوحيد الذي طرأ على أحوالهم منذ بدء تاريخهم المدون هو تحولهم من قبائل رعوية إلى قبائل ريعية، فقد كان معظمهم قبل الإسلام قبائل من رعاة الإبل، ولم تتحقق غاية الإسلام العليا في تحويلهم إلى أمة، واستمروا على قبليتهم، وحتى الذين سكنوا المدن منهم محافظون على روابطهم الاجتماعية والثقافية والنفسية مع قبائلهم، لذا فلو أردنا تصنيفهم على سلم التطور الحضاري، الذي شهد ثلاث مراحل رئيسة، على أساس أسلوب الإنتاج، وهي الصيد والرعي، والزراعة، ومن ثم الصناعة وما بعدها، لاستنتجنا بأن العرب لا يزالون في أول درجة من درجات هذا السلم، وهم وإن تحول معظمهم من الرعي إلى الزراعة لكنهم يحنون إلى عصر البداوة، ويختلقون صورة مشرقة عنه، مغايرة تماماً للواقع.

ولا زالت القيم والعصبيات القبلية متحكمة في أنماط تفكيرهم وسلوكهم، وهم لم ينبذوا الرسالة التحضرية والتطويرية للإسلام لقصور في الإدراك والفهم، بل بالاختيار والعمد، لأنهم عندما خيرهم الإسلام بين أعرافهم وعاداتهم القبلية وبين القيم والمباديء الإسلامية اختاروا القبلية على الإسلام، وإن نطقوا بالشهادتين ومارسوا شعائر الإسلام، لذا فقد كان إسلامهم خاوياً، مثل قوقعة بحرية متروكة على شاطيء بحر، يعجبك منظرها لكنها بدون حياة، وبدلاً من أن يتركوا للإسلام، ورجاله المؤمنين المخلصين، قيادتهم إلى طور الأمة المتحضرة والمتطورة، امتطوا الدين ليكون وسيلتهم إلى فرض هيمنتهم على الأمم المجاورة، واتخذوه شعاراً وراية لغزوات، لم يكن أجدادهم محترفوا الغزو يحلمون بها، وكانت حصيلة تلك الغزوات تحولهم من رعاة إلى رعويين، فبدلاً من التعيش من رعي الأبل تحولوا إلى طبقة طفيلية تقتات على كد وعرق سكان البلاد المفتوحة وجيوش الرقيق.

 وبينما استولت الطبقة الحاكمة على أموال الجباية، استحوذ القادة القبليون والعسكريون على الأراضي الزراعية في البلاد المفتوحة، وتحولوا إلى اقطاع، واقصوا وهمشوا الأقوام والشعوب الأخرى التي دخلت بالإسلام طمعاً أو خوفاً أو إيماناً، وأسسوا لمبدأ التفوق العنصري للعرب والعروبة، بدعوى أن الله فضلهم بنزول الوحي على النبي الأعظم وباختيارهم رسلاً لنشر رسالته إلى الأمم الأخرى، وتعاملوا مع المسلمين من الأمم الأخرى باستعلاء، فأطلقوا عليهم تسمية الموالي، ولم يعاملوهم بمبدأ المساواة الإسلامي، لذا فلا عجب أن يتربص بهم هؤلاء، ويسعون مراراً وتكراراً للتخلص من سيطرتهم وظلمهم، وما تاريخ الأمويين والعباسيين سوى سلسلة متواصلة من الثورات وحركات التمرد، التي كان للأقوام غير العربية دور رئيسي فيها، وأوضح الأمثلة على ذلك الدور الفارسي الاستراتيجي في اسقاط الدولة الأموية، واضعاف ثم تقويض الدولة العباسية على يد المرتزقة الأتراك في جيش بني العباس.

هذا عرض تحليلي مختصر لمسيرة العرب نحو التحضر منذ الجاهلية حتى يومنا الراهن، وهي وجهة نظر، وصحتها ليست بالضرورة مطلقة، ولكن أجزم بأن لا يوجد عربي، وحتى الشيعة المتهمين في عروبتهم، لن يستشيط غضباً لقرائته، لماذا؟ لأنهم جبلوا جميعاً على تنزيه وتعظيم الذات العربية، وفي الوقت الذي تطورت الأمم الأخرى نتيجة قبولها بالنقد الذاتي اصيبت الحضارة العربية بالشلل التام بسبب رفضها للنقد الذاتي، وكان مصير من يجرأ على ذلك في الجاهلية القتل أو النفي ليصبح صعلوكاً، وفي العصور الأموية والعباسية كانت تهمة الشعوبية مترافقة غالباً مع الرمي بالزندقة والكفر، وبالتالي أجاز الحكام قتل الشعوبيين، وهم تعريفاً كل من قال بفضل غير العرب عليهم، أي أن لا فضل لغير العربي بالمطلق، خلافاً للمبدأ الإسلامي بأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

تقوم العنصرية على تصنيف وترتيب للأقوام البشرية على سلم الرقي، ويضع العنصري قومه في أعلى الدرجات، تليها تلك الأقرب إليه، وهكذا، والمثال على ذلك اعتقاد النازية بالتفوق العنصري للأمة الآرية، وهذه العقائد خليط من الحقائق والأوهام، فالواقع الحقيقي الذي ابتنى عليه هؤلاء العنصريون مبدأهم هي الصفات الإيجابية في الأمة الألمانية، ولكنها غير كافية لتبرير عقيدتهم العنصرية لذا أضافوا إليها أوهاماً وتخيلات، ولأن العنصرية مبدأ باطل، فلابد أن تشكل الأباطيل والأوهام، التي يدركها أو يتوهمها العنصريون كحقائق لا تقبل الجدل، جزءاً غير يسير من أي عقيدة عنصرية، ونتيجة تدهور أوضاع العرب، وتدمير امبراطوريتهم، وتسلط غير العرب عليهم لأكثر من ألف عام، واجهتهم مشكلة التوفيق بين نزعتهم العنصرية ووقائع أحوالهم المريرة التي تناقضها، لذا لجئوا إلى ترقيع هذه الهوة بين صورة الذات العنصرية وواقعها الهابط بالأوهام، ولأن كل الأمم الأخرى التي تعودوا على مقارنة أنفسهم بها تجاوزتهم بمراحل وأشواط على مسار الرقي والتطور كان لا بد لهم من الإصرار على دعوى التفوق العنصري على أمة واحدة على الأقل، ولم يختاروا الأتراك على الرغم من أنهم حكموا العرب بالحديد والنار، وحقروهم وتعصبوا ضدهم لقرابة ألف عام، وبالتحديد منذ أن استعملهم المعتصم جنوداً مرتزقة، ومؤخراً نبذوا الإسلام واعتنقوا العلمانية واستبدلوا الحروف العربية باللاتينية؟ كلا، لأن العصبية للمذهب الواحد تجمع بينهم، فعادوا إلى الهدف الرئيسي لعنصريتهم القديمة الحديثة، وهم الفرس.

 وأشد العرب المعاصرين هوساً بالعنصرية والتعصب ضد الفرس هو الطاغية صدام حسين، الذي أتبع القول بالفعل، فكانت حربه الخائبة، التي خرج منها العراق أشلاء وطن والعرب حطام أمة، فهل اتعظوا من ذلك؟ كلا لأن العنصريين منهم مدمنون على هذا الفكر المريض، ولأنهم متيقنون من فشلهم أمام القوة المتنامية لإيران حولوا حرابهم العنصرية إلى الشيعة، ظانين بأنهم هدف سهل وبديل للإيرانيين، بعد أن اشاعوا بأنهم من غير العرب وموالين لإيران، على الرغم من الحقائق الساطعة التي تقطع بعروبة شيعة العراق ونقاء سلالاتهم، وبأن الذين يشككون في عروبتهم هم في الواقع أما من غير العرب أو هجين من تزاوج أقوام شتى من العرب والأتراك والرومان والشركس والمماليك والبربر والصليبيين والزنوج وأحفاد المسترقين، وهذا هو السياق الفكري والعقائدي لتصريحات مبارك، وهو دليل على أن الجبهة العنصرية نفسها التي وقفت مع النظام البعثي الفاشي ضد إيران ترص صفوفها اليوم ضد شيعة العراق، وهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن أذهاننا، وبالإخص قادتنا المفرطين بحقوقنا والمتراخين أمام أعدائنا.أجزم، إعتقاداً مني بإن الله ينصر من نصره، بأن الحرب التي يشنها أدعياء العروبة والإسلام العنصريون على شيعة العراق ستمنى بالفشل كسوابقها، وسيهدمون بيوتهم من القواعد ويحفرون قبورهم بأيديهم، ولعلنا سنشهد بعد ذلك اهتداء من سينجوا منهم إلى الصراط القويم.

د. حامد العطية

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك