علي محمد البهادلي
كثيرة هي العوائق التي تعيق عملية التطور والارتقاء، والوصول بالبشرية إلى مرحلة الكمال سواء في المجال الاقتصادي و العمراني أوالروحي والتربوي، ومن أشدها خطورة وسوءً الاستبداد السياسي والفساد المالي والإداري وهذا من أوضح الواضحات، فالمجتمعات الغربية في القرن الوسطى كانت تعيش مثل الأوضاع التي نعيشها اليوم في عالمنا العربي حيث الدكتاتورية وتفشي الفساد بمؤسسات الدولة كافة والذي أدى إلى انتشار الجهل والتخلف والجوع والمرض، لكنها ما ان انتفضت على تلك الأوضاع الفاسدة وأبدل السلطة السياسية بنظام يكون الشعب فيه هو الآمر والناهي لما ينبغي أن يُقرَّ وما ان ضربت على أيدي الفاسدين وأبدلتهم بأصحاب لأيادي النظيفة حتى وصلت أوربا إلى ما وصلت إليه الآن.
بيد أن الأمر قد اختلف نسبياً في بلد مثل العراق، إذ إن تعيين أقطاب الدولة العراقية في سلطاتها المختلفة سواء التشريعية أو التنفيذية أصبح مرهوناً بإرادة الشعب، ومن الممكن إذا أخفق من اختاره الشعب أن يقال أو أن تسحب منه الثقة أو أن يدعى إلى انتخابات مبكرة، فكل هذه الإجراءات أقرها الدستوروكفلها على وفق الضوابط والمواد الدستورية لا غير، وما على الشعب العراقي اليوم إلا أن يكون واعياً ويبعد كل التأثيرات السياسية والمذهبية والقومية جانبا، وأن يفكر بمستقبل هذا البلد الذي يراد له أن يكبو الكبوة تلو الكبوة؛ حتى لا تنتقل "عدوى الديمقراطية" إلى شعوب المنطقة التي يعتلي عروش بلدانها أناس ليس لهم خلاق إلا ماضٍ من السيوف والجمال يتراقصون ويباهون بها أمم " الذرة والانترنيت" !! لكنني أرى أن الوعي لا يأتي من فراغ، لا سيما أن الأبواق الإعلامية وحملات غسيل الدماغ التي تمارسها القوى السياسية والمذهبية والقومية لها الـتأثير الكبير في خلق رأي عام حول فكرة ما في بيئة ما، فمثلاً أن الأخوة الأكراد في الشمال تعمل قواهم السياسية والقومية على زرع أفكار ومفاهيم في العقل الجمعي الكردي الذي ذاق الويلات من النظام البعثي الشوفيني، مما أوجد في التربة الكردية أرضاَ صالحة لبذر هذه الأفكار التي يروجها المتنفذون في إقليم كردستان ضد إخوانهم العرب في وسط العراق وجنوبه، والأمر نفسه ينطبق على الأوساط الشيعية في الجنوب والسنية في الغرب، وهذا لا يمكن لأحد أن يكابر وينكره.
مما تقدم ينبغي لأصحاب الحس الوطني من السياسيين والإعلاميين والمثقفين أن يقفوا بالجانب الآخر، ويكونوا حلقة الوصل والجسر الذي من خلاله يعبر أبناء الشعب من حالة التخندق والتعصب إلى ضفة الوعي السياسي والثقافي، فالشعب الفرنسي، مثلاً، لم تأتِ ثورته المشهورة عن طريق المصادفة والاتفاق، ولكن كانت نتيجة أفكار نخبة من المفكرين الأفذاذ الذين كنسوا بأفكارهم النيرة الغبار المعشش في أذهان الفرنسيين في حقبة ( الكنيسة ، الإقطاع، القيصر) واستبدالها بحزمة من أشعة العلم والمعرفة مصحوبة بنار العاطفة الثورية التي استطاع من خلالها الشعب الفرنسي أن يدك آخر معاقل الثلاثي المشؤوم( الباستيل).
https://telegram.me/buratha