صفات العترة الطاهرة (ع) (الصفة الثالثة )عزيزي القارئ اليك صفات العترة الطاهرة (ع) في حلقات من اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف من تاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري واعداد الشيخ حيدر الربيعاي
* معنى الاخلاص لغة واصطلاحاً:====================لغة: هو كلما صفى وتخلص ولم يمتزج بغيره، سواء كان ذلك الغير أدون منه أولا .اصطلاحاً: هو ايقاع الطاعة خالصة لله تعالى وحده (وما امروا الاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين) .فمنطوق الاية يدل على ان الامر فيها منحصر في العبادة للحق تبارك وتعالى الناتجة عن المعرفة.والامر بالشيء نهيٌ أو يستلزم للنهي عن ضده كما تقرر في الاصول، فيكون كل ما ليس بمخلص من الاعمال منهياً عنه فيقع فاسداً.وقد يستشكل على ذلك: بانه خطاب للكفار فلايعم غيرهم، ولكن ذلك يرتفع بملاحظة قوله تعالى: (وذلك دين القيمة) ، واما اللام في قوله تعالى: (ليعبدوا) فتحمل على الزيادة بل انها كذلك كما جاء في شرح الرضي.وقد خُص العمل الخالص في العرف بما تجرد قصد التقرب فيه عن جميع الشوائب، ولاتريدُ أن يحمدك عليه إلاّ الله تعالى، أي اعتبار كونه طاعة له جل وعلا بمعنى الشكر له تعالى على اتمام النعم لا، لاجل الثواب، فتكون العبادة كالمعاملة ـ شيء مقابل شيء، وهذا التجريد بهذه المعاني هو الذي يسمى اخلاصاً.* معنى المُخلَصْ من العباد: هو الذي لايسأل الناس شيئاً حتى يجد، وإذا وجد رضى، وأذا بقي عنده شيئاً اعطاه في الله، فان لم يسأل المخلوق فقد أمر الله بالعبودية، واذا وجد فرضى فهو عن الله راضي والله عنه راضي واذا اعطى الله فهو على حد الثقة بربه .* الضابط في الاخلاص: ورد في الحديث الشريف عن مولانا الامام علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليهم السلام) أنه قال:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما خلص عبد لله عزّوجلّ اربعين صباحاً الا وجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) .من السياق العام لهذا الحديث الشريف، نفهم ان الضابط في الاخلاص هو العلم والمعرفة حيث ذُكر في صدر الرواية ـ ما خلص عبد لله عزوجل ـ ثم ذكر الميزان في هذا الاخلاص، وهو المدة المذكورة في الرواية وهي اربعين صباحاً، والنتيجة التي تترتب على هذه المدة، والاخلاص المتواصل فيها للحق تبارك وتعالى، يظهر في ذيل الرواية الا وهي جريان العلم والحكمة في القلب وظهورهما على اللسان (الا وجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه).حيث ان من اخلص لله تبارك وتعالى طول هذه المدة ولم يفكر بالمعصية فضلاً عن ارتكابها بل اشتغل بذكر الله تعالى وعبادته بكل العبودية وانقطع بكل له جل وعلا، وكان قلبه المخلص في هذه المدة بمثابته الينبوع الذي يُخزن فيه هذه المعرفة الالهية ويجمعها حتى اذا امتليء ـ الينبوع ـ فاض من قلبه وخرج على لسانه بنور العلم وإشراقات الحكمة ويكون خروجه على قدر مراتب اخلاصه.وهذا الكلام يجري بمن اخلص لله تعالى اربعين صباحاً، فكيف يكون حال من كانت حركاتهم وسكناتهم، بل اعمالهم كلها وهم بكلهم مع الله تعالى مجردين عما سواه بقلوبهم والسنتهم لاينقطعون عن الارتباط به طرفه عين ابداً، ألا وهم أهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام)الذين كانوا ينابيع الحكمة الدائمة الفيض ولا زالت علومهم تغذي البشرية، واركاناً تحفظ دين الله في ارضه برعاية مولانا صاحب العصر والزمان (ارواحنا له الفداء).
ومضَةٌ من نور الاخلاص:وعلى هذا ينبغي للانسان الذي يسعى للحصول على الكمال ان يقتدي بهم (صلوات الله عليهم) في المواظبة على الاخلاص والارتباط بالله تعالى في كل اعماله وعباداته حتى تنبع خالصة من قلبه، فيفيض القلب بها وينطق اللسان، فيكون مصداقاً للحديث الشريف ومظهر النعم والالطاف الالهية.أقول: علينا ان نراجع اعمالنا ونحاسب انفسنا، فهل ظهر شيء من الحكمة من قلوبنا على السنتنا؟أم انه طيلة اعمارنا لم نخلص لله تعالى طرفة عين! ونحن اصحاب بصيرة على انفسنا كما نص على ذلك القرآن الكريم: (بل الانسان على نفسه بصيرة) فهو تعالى غني عن عبادتنا واخلاصنا وعبوديتنا له ولايؤثر فيه ابتعادنا عنه شيئاً (.. فأن الله غني عن العالمين) .وحيث انه تعالى أرحم الراحمين، اقتضت رحمته الواسعة وحكمته البالغة ان يعرض لنا طريق الهداية، وذلك باتباع النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتنور بولاية اهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)والاقتداء بهم وسلوك طريقهم لانه ينقذنا من الظلال والجهل والظلام ويدخلنا في عالم النور والمعرفة والهداية الى الصراط المستقيم.(صراط الذين انعمت عليهم..) .لانهم تحملوا لاجل ذلك ـ هدايتنا ـ المشاق والمصاعب، بل الوان الالام والمتاعب، لذا يجب علينا الاهتداء بهديهم والتنور بنورهم، وكل منا يعرف نفسه فضلا عن اعماله، ويدرك مقدار اتباعه لأهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم وارتباطه بالله جل وعلا وفي نفس الوقت يدرك حاله العكس إن وجدت عنده ـ والعياذ بالله).
* حقيقة الاخلاص عند أهل البيت (عليهم السلام):بعدما فرضنا معنى الاخلاص والضابط فيه، ظهرت لنا بعض من جزئيات حقيقة اخلاص أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، لان ادراك كامل حقيقتهم لايمكن بالنسبة لعقولنا القاصرة عن معرفتهم والاطلاع على حقائقهم النورانية كما ورد عن رسول الله (ياعلي لايعرف الله إلا أنا وأنت ولايعرفني الا أنت ولايعرفك غيري) .اذا لايمكن معرفته تعالى بقدر معرفة اهل البيت واخلاصهم له تعالى، كما لايمكن معرفة حقيقة اخلاص النبي الا اهل بيته، كما لايعرف اخلاص الائمة الاطهار الا رسول الله وهم انفسهم يعرف بعضهم بعضاً صلوات الله عليهم أجمعين، لانهم تميزوا عن البشر وانفردوا بالاخلاص لله جل وعلا، كما وصف اخلاصهم بقوله تعالى: (... خلصوا نجيا..) ..وايضاً قال تعالى: (إنا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) أي جعلناهم لنا خالصين بخصلة خالصة لاشوب فيها وهي ذكرى الدار الاخرة دائماً بطاعة الله تبارك وتعالى والعبادة الخالصة له وحده.اذا اخلاص اهل البيت (عليهم السلام) مترتب على علم اليقين والمعرفة الحقيقية بالله تعالى واعلى مراتب التقوى وبما انهم كلمة التقوى كما مرت الاشارة اليه، فهم حقيقة الاخلاص، ولهذا فعلى قدر معرفتهم وولايتهم تحصل مراتب الاخلاص للعباد لانه لايمكننا الحصول على مرتبة من مراتب الاخلاص من دون التعرف على مقامهم والاخلاص في ولايتهم، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (ياعلي بك عرف الله).واما كيفية الحصول على شيء من اخلاصهم فعن طريق الاقتداء بهم في العبادة والاخلاص فيها وقد ورد عن أمير المؤمنين كانت تنتزع منه السهام اثناء الصلاة، وانه كان يغشى عليه اثناء الدعاء، فيسقط كالخشبة اليابسة على الارض لأخلاصه في ذلك وخشيته من الله تعالى لمعرفته الحقيقية للباري جل وعلا.وهذه هي حقيقة الكمال الالهي الذي تتجلى فيه مظاهر الحق تبارك وتعالى وحكمته في الغاية من الخلق.
مصداق الاخلاص الحقيقي سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام):لاشك ولاشبهة بأن واقعة الطف الخالدة من اروع الصور في الملاحم البطولية التي سجلت في التاريخ الاسلامي والتي تعبر عن افضل مواقف الجهاد في سبيل الله جل وعلا، وان قائدها الالهي سيد الشهداء (عليه السلام) جسد أعلى مراتب الاخلاص في سبيل نصرة دين الحق وتثبيت أركان العقيدة الاسلامية الحقة، لانه(عليه السلام)قدم نفسه الزكية الطاهرة من اجل ذلك راضية مرضيةً فدخلت في جنة الخلد ويدل على ذلك قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنّة * ارجعي الى ربّك راضيةً...) .وقد روي في البحار عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) في بيان معنى هذه الاية المباركة بسنده عن ابي بصير انه قال: عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضيةً * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) يعني: الحسين بن علي(عليه السلام) .وهكذا قدم سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) نفسه المطمئنة في سبيل الله تعالى مع علمه السابق حيث قال (عليه السلام): (والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني امية..).وقد يستشكل عليه:بقوله تعالى: (ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة) بانه كيف يُقدم الحسين على ذلك ـ قتل النفس ـ مع علمه به، وقد نهى الله تعالى عنه، فيكون قد فعل المنهي عنه في كتاب الله، وانتم تقولون بانه امام معصوم ولايفعل ما يخالف القرآن؟الجواب: إِنَّ الامام الحسين (عليه السلام) يعلم بهذه الاية علم اليقين; لأَنّه مِنْ أهلِ البيت (عليهم السلام)، مهبط الوحي وبيت النبوة الذي نزل فيه جبرائيل (عليه السلام) الامين بكتاب الله العزيز، واهل البيت (عليهم السلام)ادرى بما فيه، فما يعملونه، قطعاً هو من ما في الكتاب المجيد.لذلك تقدم الحسين (عليه السلام) الى كربلاء وأستشهد فيها وهو يعلم بعواقب الامور وما يرضي الله سبحانه وبه استقامة دينه، وعبر عنه بقوله الشريف: (إن كان دين محمد لايستقم الا بقتلي فياسيوف خذيني) موضحاً بذلك أبعاد خطوط الجهاد والشهادة في سبيل الله ونصرة دين الاسلام وتثبيت الرسالة المحمدية الخالدة.إن المعروف، بل المتعارف بين المؤمنين، أنَّ لكلّ صلاة تعقيب ومناجاة بالدعاء، فبعد ما صلت على جسم الحسين «روحي له الفداء» سيوف الأعداء سقط من على ظهر جواد مثخناً بالجراح الكثيرة حتى بانَّ درعه كالقنفذ من كثرة النبال ـ كما يذكر أرباب المقاتل ـ ، ملطّخاً بدمائه الغزيرة، وقد إشتد به الحال، فأستشعر أَنَّهُ(عليه السلام) بين أحضان المنية، أراد أن يعقب ويناجي ربّه بعد أَنْ صلّت عليه سيوف الظلمة والطغاة.فرفع رأسه الشريف الى السماء، معبراً عن إخلاصه لربه، وهو يقول:«صَبراً عَلى قَضائِكَ ياربَّ، لا إله سِواكَ، يا غِيثاَ المُسَتغِيثين، مالِي ربٌّ سِواكَ، وَلا مَعْبوُدَ غيرك، صبراً على حُكمِكَ، يا غِياثَ مَنْ لاغِياثَ لَهُ... إلى أن قال(عليه السلام): إحكُمْ بَيْني وَبَيْنهُم وأنتَ خَيْرُ الحاكِمين» .تَرَكتُ الخَلقَ طُرّاً في هَواكَا***وأيْتَمْتُ العيالَ لكي أرَاكاوَلَو قطَّعْتَني في الحُبِّ إِرباً***لَما حَنَّ الفؤادُ إلى سِواكا * * *تاللهِ لا أَنسى الحُسَيْنَ وَشِلْوَهُ***تحتَ السنابَكَ بالعراءِ مُوزِعُمَتَلفَّعاً حُمر الثِّيابِ وفي غَد***بالخُضْرِ مِنْ فِرْدَوسها يَتَلفَّعُتطأ السَّنابَكُ صَدْرَهُ وَجَبْينَهُ***والأرضُ تَرجِفُ خِيفَةً وتَضعضَعُ * * *
اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha