حكمت مهدي جبار
سؤال طالما يتكرر في الحياة المعاصرة .سواء في الوسط السياسي أو الثقافي أو في الحياة بشكل عام.ثم من هو الذي يذهب بالحياة مذهبا يحقق للأنسان انسانيته ووجوده كسيدا للحيوانات متحررا من كل قيد وظلم وجبروت؟ .وأرجو أن لا أكون مخطأً اذا ما قلت أنه ليس هناك فصل بين الثقافة والسياسة ,أنطلاقا من أن كل من المثقف والسياسي هما من بطن الأنسانية الواحدة ضمن أطار المجتمع .لكن أولئك الشقيقين لم تخلو حياتهما من بعض مشاكل,وخاصة من السياسي الذي قد يصيبه الغرور عندما يتحول بحكم عمله الى شخصية صارمة ويفتقد الى الشفافية والنقاء.حيث ان المثقف كثيرا ما يوصف وبحكم طبيعته بالنظرة النقية والقدرة على النفاذ الى عمق الأشياء وجوهر الحياة الأنسانية بطريقة تنحاز كثيرا الى الوجود الأنساني الحر وبلا قيود. لقد كتب الكثير الكثير عن أشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي.وطرحت آراء كثيرة ووجهات نظر تباينت في رسم صورة تلك العلاقة.ولكن رغم كل ذلك فأن المثقف والسياسي كلاهما يصنع الحياة بصيغ وفق منهجيهما ,الا اذا ما حدث الخصام وكثيرا ما يكون سببه (السياسي) فينفر بعضهما البعض ,وبالتالي يحدث الخلل في أداء ادوار كل منهما في اعادة انتاج الحياة وصناعة الأنسان.أن السياسي كما هو معروف بأبسط المفاهيم هو ذلك الذي يعبر عن مصالح وآمال وأهداف فئة معينة.فالشخص الذي أنشأ حزبا تكون من افراد آمنوا بعقيدة معينة وضعها لهم وشعارا وأهدافا ليخوضوا في العمل السياسي أنما هو يمتلك (ثقافة) معينة رسم على أساسها شعارات حزبه.ذلك ففي داخل نفس ذلك الفرد (سياسي) و(ثقافي) يعملان سوية لتحقيق غاياتهما.أما اذا كان ذلك الشخص الذي انشأ الحزب لايستند الى رؤية (ثقافية) مهما كان مستواها فليس حزبه وسياسته الا ثرثرة وفوضى بلا معنى.أن الثقافة في العمل السياسي هي ليست ثقافة الكتب والمجلات ومعرفة الأحداث ومتابعة الأخبار وقراءة التاريخ.أنما هي ثقافة أجتماعية جمعية تعتمد الموهبة في فن التعامل مع الأفراد.وتقدير المواقف ومعرفة الرجال بفطنة ودراية الى حد التحايل والمخادعة .وتلك ثقافة قد لانجدها عند شخص متعلم حاصل على شهادة عليا.فكم من خريجي جامعات أو أساتذة كبار أو حتى حاملي رتب ليست لهم القدرة على قيادة خمسة افراد. لذلك قالوا أن السياسة هي (1) (( التدبير الحكيم والنظر الحصيف في عواقب أمر من أمور الحياة )) فحسن التدبر واتخاذ القرارات وتحديد المواقف لاتحدده الكتب والنظريات وقراءة الصحف والمجلات ومتابعة الاخبار.الا في ألأستزادة من التجارب ومعرفة شؤون الآخرين ليس الا.أننا عندما ندعوا الى تأسيس منظومة سياسية صحيحة وندعوا الى سياسيين مثقفين انما ندعوا الى (ثقافة معرفية علمية وعملية) وليس الى (ثقافة من أجل الثقافة) لانرى منها سوى اللمعان والبريق وأناقة البدلات وأربطة العنق والسيارات الفارهة .أو قد نجد اناس ارتقوا سلم العمل السياسي وهم لازالوا يحملون ثقافة الأنتقام والأستئثار والنزعة العشائرية والطائفية الدينية الضيقة . أن الثقافة سلوك وعادة وعرف .فهي المأكل والملبس والمشرب والنوم والسفر والعلاقات والتعبد والعلاقات والغناء والرقص والطقوس والشعائر.والسياسي هو من يمثل أصحاب تلك العادات والتقاليد من أجل حياة أفضل فينظمهم ويقودهم.والمثقف هو من يجسد تلك العادات ليلتقي مع السياسي في نفس الأتجاه.ولكن عندما يقترب السياسي من الكرسي سرعان ما يفقد عوامل بقاءه كقائد .فيستسلم لشهوة السلطة.وهنا تتشوه العلاقة بين المثقف والسياسي.وهذا ما لحظناه عبر مراحل التاريخ المتعاقبة.فعندما تبتسم الحياة للسياسي ويصبح صاحب قرار في الدولة فأنه يتنكر للمثقف .بل يصبح في بعض النظم وخاصة الدكتاتورية منها الى تابع للسياسي.فيفقد الثقافة والمثقفين.فيتحول الى طاغية!أن السياسي الذي يستلم السلطة يجب ان لا ينكر (المثقف) بداخله.لأن العمل السياسي لاتكتب له الديمومة ولا النجاح مالم يحافظ على سر نجاحه وهو الفعل (الثقافي) في كل المعاملات السياسية.لذلك ترى معظم السياسيون القلقون والخائفون والمرتبكون والمضطربون هم من يفتقدون للثقافة وأبتعادهم بل خوفهم من المثقفين.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1 - مفاهيم في الفلسفة والاجتماع ــ أحمد خورشيد النور هجي ــ بغداد - 1990
https://telegram.me/buratha