كريم الوائلي
احسب ان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي تفرد ومنذ تأسيسه عام 1982 عن باقي التنظيمات والاحزاب التقليدية التي شغلت الساحة العراقية بحداثة رؤيته للاسس المعمارية التي تبى عليها الدولة العراقية الحديثة إلاّ انه اشترط اولا سقوط النظام الدكتاتوري القمعي كمرحلة متقدمة على الشروع ببناء دولة العدالة وعلى ذلك فقد حمل السلاح وقاوم النظام يوم كان السيد شهيد المحراب (رض) يقود مرحلة الجهاد المسلح وينظر لمعالم دولة العدالة بعد سقوط الدكتاتورية ، وجاء ذلك الخيار بعد فقدان اي خيار آخر للخلاص الوطني من الطغيان ولم يكن حمل السلاح يعبر عن رغبة مبيتة او ولع بالحرب عند المجلس الاعلى انما جاء بعد تشخيص دقيق لطبيعة النظام الدكتاتوري المستبد وقد اثبتت الوقائع والاحداث صحة ودقة ذلك التشخيص . ان سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 كان يمثل نقطة الشروع التي بدء منها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بوضع الاسس المعاصرة الصحيحة لبناء دولة عراقية حديثة تضاهي الدول الديمقراطية القائمة اليوم في العالم منطلقا من الفكر الاسلامي المتجدد لمدرسة اهل البيت عليهم السلام والتي تنظر الى الحرية بوصفها واحدة من اللبنات الفوقية الدافعة للتغيير وتعبر عن الايمان بوحدانية الله تعالى ومن هذا الايمان تتسع آفاق الحرية الى رفض كل اشكال الطغيان والعبودية سواء كانت سلطة خاشمة او دكتاتورية مستبدة او حزب يحتكر التفرد بالحكم او حتى نظام اجتماعي رجعي متخلف ، وارتكزت رؤية المجلس الاعلى الاسلامي العراقي للحرية على انها فاعل تحرري يفكك القيود ويطلق الطاقات المؤهلة للبناء والتغيير والاصلاح واستخلص من ذلك ان لا غنى لحرية المجتمع في مرحلة التحولات والبناء . والحرية تعني فيما تعنيه التحرر من الهيمنة الاجنبية مهما كان لونها وشكلها ومبرراتها وعلى ذلك اقترنت الحرية في ادبيات المجلس الاعلى بالاستقلال ونعني به استقلال الارادة الوطنية الحرة التي اشار لها مرارا وتكرارا السيد شهيد المحراب رضوان الله عليه في كثير من خطب الجمعة في الصحن الحيدري المطهر بعد سقوط الدكتاتورية داعيا ابنا العراق الى اخذ المبادرة بأنفسهم في ادارة بلادهم على الرغم من هيمنة الاحتلال الامريكي على كل العراق وفي فترة تعد من اكثر الفترات خطورة تعقيدا . ومن اللبناة الفوقية المهمة الاخرى في معمارية النظام السياسي الجديد الذي دعى له المجلس الاعلى بعد الحرية والاستقلال هي العدالة بوصفها اسمى وانبل هدف في النظام الاجتماعي ، وكانت العدالة وما تزال اثمن المفقودات في الانظمة السياسية السائدة اليوم وفي الانظمة الكلاسيكية البائدة وتشير ادبيات المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وبشكل مركز على ان مفهوم العدالة يشكل الركن الاساس في منظومة الحكم والتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي وتعد ركيزة اساسية في بسط السلم الاهلي ولا يمكن لاي نظام ان يدعي الشرعية في غياب العدالة التي توفر الحياة الحرة الكريمة لكل افراد المجتمع وتمثل المساوات امام القانون والتوزيع العادل لثروات البلاد والمشاركة الشعبية في رسم سياسات الحكومة المنتخبة ونبذ التمييز بين القوميات والاديان والمذاهب وسيادة القانون وتجذيره ليكون مرجعا للقصاص من مرتكبي الجرائم واستعادة الحقوق المادية والمعنوية التي سلبها النظام البائد . ان الحرية والاستقلال والعدالة تمثل اللبنات الفوقية الاساسية لنظرية الحكم من منظور المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في مرحلة بناء دولة العدالة التي كان يقودها السيد عزيز العراق عبد العزيز الحكيم (رض) وعلى ذلك فقد عمل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي مع بقية شركائه على اعداد دستور دائم للعراق تتحقق فيه العدالة الحقيقية الغير منقوصة من خلال منظومة حكم برلمانية مؤسساتية يتحقق فيها الفصل الواقعي بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية والتداول السلمي للسلطة الوطنية من خلال انتخابات تتوفر فيها الشفافية والنزاهة ويتمتع بها كل مواطن بصوته .واولى المجلس الاعلى الاسلامي العراقي اهمية خاصة للمؤسسات الدفاعية والامنية بوصفها مؤسسات تصون وتحمي دولة العدالة وتوفر الامن القومي للبلاد وللتجربة الوطنية الجديدة وتحقق الامان للمواطنين وعلى ذلك خصها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بالمكانة المتميزة واعطاها الحييّزالخاص الذي تستحقه ولا سيما الجيش بوصفه تشكيل وطني ذات مهام وطنية مشرفة تتصل بالدفاع عن حدود البلاد وبمصلحة العراق وشعبه بعيدا عن المهيمنات التي كانت تتحكم به ابان العهد الدكتاتوري كالحزبية والمناطقية والطائفية واشترط المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ان يعكس في الجيش الوطني التنوع السكاني بكل مكوناته ويتحقق فيه التوازن وان يكون وزيره مدنيا وملاكه الثابت غير منتمي للاحزاب ولا يتدخل في الصراعات السياسية . وافرد المجلس الاعلى الاسلامي العراقي فصل خاص من ادبياته لمنظمات المجتمع المدني بوصفها من المعالم المهمة في النظام الديمقراطي وعلى ذلك فقد اوجب المجلس الاعلى الاسلامي العراقي حمايتها والحرص على استقلالها وفق المسارات القانونية كي تقوم بمهامها في صيانة وصياغة الواقع الجديد للحياة في العراق والمشاركة الفعالة في ترصين التجربة الديمقراطية ، ويعمل المجلس الاعلى وبجد على احياء وتطوير المؤسسات الدينية التي همشها النظام البائد كالمدارس الدينية والمساجد والعتبات المقدسة والوقف الديني والحوزة العلمية وضرورة مساهمتها الفعالة في حماية مكتسبات الشعب العراقي وابداء النصح الهادف الى نضج التجربة وتصحيح مسار السياسات ذات الصلة بمصالح المواطنين واستقلال البلاد . وحرص المجلس الاعلى الاسلامي العراقي على حرية الرأي والتعبير وحق الاعلام في الحصول على المعلومة وإيصالها الى محتاجيها وحقه في المساهمة بتوعية الشعب بحقوقه وواجباته بموظوعية وحيادية ونزاهة بوصفه يمثل السلطة الرابعة التي تتميز بها الانظمة الديمقراطية واعتبر المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ان المنظومة الثقافية العراقية السائدة بكل مصادرها العربية والاسلامية وغيرها هي تعبر واقعي عن روافد العراق الثقافية ومكوناته المتآخية ودعى الى حماية المنظومة الثقافية الوطنية التي تحترم الهوية الاسلامية للعراق . وكان المجلس الاعلى على دراية ويقين بان معمارية بناء الدولة يعتمد على سواعد الشباب ومثابرتهم وعقولهم النيرة وعلى ذلك فقد اولى اهتماما مكثفا لاعداد الشباب وتأهيلهم للقيام بدورهم وتوفير كل ما تحتاجه هذه الشريحة الفاعلة وشدد المجلس الاعلى على اهمية التربية والتعليم العالي بأعتبارهما على مساس بشريحة الشباب وركز على ضرورة تطوير العملية التربوية وتحديث التعليم العالي ومده بالمناهج والمختبرات والتقنيات الحديثة . ان معمارية البناء الرصين لدولة العدالة العراقية من منظور المجلس الاعلى الاسلامي العراقي يعتمد على عافية المسارات السياسية وصحة التحولات في المرحلة الراهنة بوصفها الضمانة الاكيدة لاجتياز المرحلة الانتقالية التي انيطت مهامها بسماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي باعتبار ان قيادته للمجلس الاعلى اقترنت بهذه المرحلة الخطيرة وقد شخص سماحته هذه المرحلة بدقة متناهية اعتمادا على تنظيرات السيد شهيد المحراب رضوان الله عليه ووصايا عزيز العراق السيد عبد العزيز الحكيم رضوان الله عليه وعلى ضوء مستجدات المرحلة الانتقالية والافرازات النازفة في سوح المعترك الذي تشغله العملية السياسية والقراءات الصحيحة لآفاق العراق المستقبلية المنظورة ، وعلى ذلك فقد وجد سماحته ان اجتياز المرحلة الانتقالية وصولا الى دولة العدالة يتطلب الايمان بالمشروع الوطني للعراق الجديد وتذويب الفروقات والتناقضات المناطقية والطائفية والطبقية في عموم العراق واستكمال السيادة الوطنية والاستقلال الناجز والمؤسسات الدستورية والبنيتان الفوقية والتحتية للبلاد واشاعة ثقافة احترام القانون ورأي الآخر وميوله وعباداته وخلق ثقافة وطنية تشكل محورا تلتف حوله الثقافات الفرعية لكل المكونات الوطنية ، وقد رأى سماحته ايضا ومن خلال نظرة ثاقبة للواقع العراقي ان اجتياز المرحلة الانتقالية بسلام وهدوء وبوقت اقصر يتطلب احترام الدستور وتفعيله الى حين البحث في تعديل بعض بنوده بما تقتضية كل مرحلة من مراحل التحولات الوطنية والصبر على تجرع الدواء الشافي للعراق المتمثل بالديمقراطية ولا يمكن لكل ذلك ان يتحقق إلاّ بوضع مبدء الشراكة الوطنية موضع التطبيق .
https://telegram.me/buratha