محمّد الكاظمي
يحزن المسلمون في بقاع الأرض مع بدء شهر محرم الحرام، إذ يتذكرون فيه المصائب التي جرت على آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قتلٍ وتشريد وسبي و...، فيقيمون في هذا الشهر الحزين المآتمَ والمجالس وطقوس الرثاء على سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)..إلا أن النواصب لهم طقوسهم الأخرى، فهم يظهرون فيه الفرح والسرور، ويتبادلون التهاني والتبريكات بحجة بداية العام الهجري الجديد تارة، وتارة بادعائهم أن يوم عاشوراء يوماً مباركاً، حيث يروون أنه اليوم الذي أنجا الله تعالى فيه نبيه موسى، ورست سفينة نوح، و...، وقد ورد لعن هؤلاء في زيارة عاشوراء المباركة: «اللهم إنّ هذا يومٌ تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد، اللعين ابن اللعين، على لسانك ولسان نبيك (صلى الله عليه وآله)...».بعض هذه الشعوب التي تكنّ النصب والعداء لآل البيت (عليهم السلام) أيضاً لهم طقوس معينة، طقوسٌ ما أنزل الله بها من سلطان ولا سنها نبيه الكريم، وهي أقرب ما تكون إلى البدع المبتدعة، لا يراد منها سوى استبطان الفرح والسرور بمقتل الحسين (عليه السلام)، لكنا لا نسمع بمهرجي الوهابية يذكرونهم يوماً أو يشنعون عليهم بإدخال ما ليس من الدين فيه، كما نراهم يشنعون دوماً على أبناء الطائفة الحقة لإظهار حزنهم على ريحانة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبهجة قلبه!بعضٌ من هذه الطقوس يشرحها "عبد الفتاح الفاتحي" في مقالة له بعنوان: "المغاربة يستعدون للاحتفال بذكرى يوم عاشوراء"، أقتطع منها ما يعني موضوعنا، لنرى كيف تجري في بعض الشعوب سنة بني أمية (لعنهم الله) في فرحها وتبركها بيوم عاشورا.أترككم مع المقال.."تتميـز خصوصية احتفالات عاشوراء في المغرب بالتنوع، حسب اختلاف وتنوع مناطقه وجهاته من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، والحق أن هذا التنوع في طبيعة الاحتفال بعاشوراء قد امتزجت مكوناته لتصبح سمة تقاليده وعاداته مشتركة بين كل المغاربة، فتجسد بذلك انصهار مختلف الهويات الثقافية؛ عربية، إسلامية، أمازيغية، أندلسية وأفريقية... غير أن كل منطقة مغربية تنفرد ببعضٍ من تميز وتفرد عاداتها وتقاليدها في الاحتفال بيوم عاشوراء، مشكلة بذلك فسيفساء ثقافي متنوع كأحد مظاهر الثقافة المغربية، إن تكن أهم خصوصية الاحتفالات بيوم عاشوراء متشابهة إلى حد بعيد.وتختلف عادات وتقاليد الاحتفال بعاشوراء لدى المغاربة عن نظيراتها في الدول العربية، لذلك يقال عن احتفالاتنا أنها عادات موغلة في الخصوصية المحلية، ولا تحيل على الأحداث التاريخية الإسلامية إلا لماماً، وعليه - بحسب هذا الرأي - فهي عادات غير مؤطرة بوعي.وعلى العمـوم، يبقى يوم عاشوراء بالمغرب مناسبة دينيـة يزور فيها المغاربة بعضهم البعض، ومناسبة للفرح وإدخال السعادة إلى قلوب الصغار بشراء اللعب والملابس الجديدة.وتسبق احتفالاته استعدادات مبكرة تنطلق من عيد الأضحى، على مستوى تخزين أجزاء من لحم الكبش خصيصاً ليوم عاشوراء، ثم تتوالى استعدادات أخرى منذ فاتح محرم، تهـم تنظيف المنازل وإعادة تبليط الجدران وتبيض واجهاتها الخارجية بالجير وغسل الثياب والاستحمام، مع إمكانية تجديد هذه العملية ليلة عاشوراء، ويطلق عليها بـ "العواشر"، ذلك أنه تمنع خلال هذا اليوم - وكذا بعده أو أكثر عند البعض - تنظيف البيت وغسل الثياب والاستحمام.وهناك من يمنع التطبيل والتزمير وإيقاد النار واقتناء فحم أو مكنسة واستعمالها إن وجدت، بل يصل الأمر عند بعض الأسر إلى عدم ذكر اسم المكنسة صباح يوم عاشوراء، وفي ذلك يقول المثل المغربي: "الشطابا أعروسا والجفافا أنفيسة"، أي: أن المكنسة عروس والجفافة نفساء، للدلالة على تعطيل العمل بهما في هذا اليوم.في جولة عبر شوارع العتيقة لمدينة الرباط وسـلا وخاصة أسواقها الشعبية، رصدنا خلالها الاستعدادات الشعبية تأهباً للاحتفال بيوم عاشوراء، وقد تجلت مظاهر الاستعداد في ظهور أنواع جديدة من التجارة، كظهور أسواق المناسبات (أسواق عاشور)، تعرض فيها الفواكه الجافة التي تعد جزءً أساسياً من أساسيات الاحتفال بعاشوراء، وأسواق اللعب التي تشترى للأطفال خصوصاً في هذه الموسم، وانتشار بيع التعاريج والدفوف".ما يستوقفنا في هذا المقال عدة نقاط:1ـ يعتبر الكاتب أن هذا التنوع الماجن وما تنفرد به كل منطقة مغربية من عادات وتقاليد مختلفة، يشكل "فسيفساء ثقافي متنوع" على حدّ تعبيره، موعزاً الأمر إلى ثقافة مغربية في هذا المجتمع.2ـ يعطي الكاتبُ لهذه العادات والطقوس العاشورائية صفة دينية، حيث يعبر عنها بـ "المناسبة الدينية"، فضلاً عن كونها مناسبة للفرح وإدخال السعادة بدل أن تكون مناسبة حزن.3ـ هناك استعدادات مبكرة للاحتفال بعاشوراء، إذ تنطلق من عيد الأضحى وعلى مستوى كبير، فلمَ نُلام عندما نبدأ بإقامة المآتم على سيد الشهداء (صلوات الله عليه) منذ اليوم الأول من المحرم؟! في حين أن النواصب يستعدون للفرح حتى قبل ذلك بعشرين يوم!وربما يستوقف الكثيرين منكم أسئلة واستفسارات أخرى، من قبيل: من أين نشأت هذه الطقوس، وكيف ولماذا؟!يقول محمّد الشدادي في مقال له بعنوان "عاشوراء المغرب حرب مياه وشعالة": "تمارس هذه العادات والطقوس والتقاليد ببراءة دون معرفة أصولها وجذورها، إنما هي إرث ورثه الآباء عن الأجداد"! فمن هم هؤلاء الآباء والأجداد يا ترى؟!يقول محمّد الشدادي في نفس مقاله:"في صباح اليوم العاشر من شهر محرم (عاشوراء)، يستيقظ المغاربة مبكراً، اعتقاداً منهم أن من ينشط في هذا اليوم ستكون السنة عنده كلها نشاط وبركة.وبعد الاستيقاظ يبدأ التسلح، فالصغار والمراهقين يبحثون عن الأواني، يختطفوهم من المطبخ خفية من آبائهم وأمهاتهم وفي بعض الأحيان بموافقة منهم، فيملؤونها بالماء ويصبونها على أفراد الأسرة في البداية، ثم ينتقلون إلى الجيران وبعدهم المارة في الشوارع، وتبدأ المطاردات بين الذكور والإناث في كل الشوارع والأزقة، ويتبعها التقاذف بالبيض، وتشعر وكأنك أمام رسوم كاريكاتير في حرب المياه التي تستمر لساعات.إن الماء في هذا اليوم له قدسية خاصة، فما مسه الماء هذا اليوم ينمو ويبارك الله فيه، ولذلك يتعمد أهل البوادي والأرياف المغربية رش كل ممتلكاتهم بالماء البارد، إذ ترش قطعان الغنم والأبقار وكل الممتلكات.وأصبح المغاربة يحرصون على صيام ذلك اليوم الذي نجا فيه موسى بإذن ربه من بطش فرعون، فأصبحت الوليمة تقدم مع آذان المغرب بعد أن كانت تقدم وقت الغداء.وبعد أن يكسر المغاربة صيامهم بالوليمة، تقدم لهم الفواكه الجافة (الفاكية)، والتي تم شرائها لهذا اليوم مخصوصاً.وتنصب يوم عاشوراء خيام في وسط الأسواق المركزية، وعلى قارعة الطرق في كل المدن المغربية، تعرض فيها الأنواع المختلفة والمتعددة من الفواكه الجافة.والملاحظ أنه مع دخول شهر الله المحرم، يعود للمجتمع المغربي حيوية شبيهة بتلك التي تميز عيد الأضحى والمناسبات الدينية الأخرى، إذ تجد أن الشغل الشاغل هو التزاور وإسعاد الأطفال و شراء الألعاب لهم.وتتميز ألعاب عاشوراء بأن أغلبها يكون من الألعاب الحربية، من بنادق ومسدسات ورشاشات وسيوف وسيارات مدرعة مع العاب الليزر، أما الصغيرات فتجدهن يتسابقن ويتنافسن في اقتناء الدمى وألعاب على شكل أواني مطبخ، وهو ما يكلف جيوب أولياء الأمور مصاريف إضافية، تتفاوت من أسرة إلى أخرى بحسب عدد أطفالها ودخلها الشهري".ونلحظ هنا بوضوح مسألة التركيز على الماء وعلى قدسيته الخاصة، بالإضافة إلى أن معظم الألعاب في هذه الأيام تكون ألعاباً حربياً، لا يخفى أنها إشارة إلى شيء مرموز!يحاول عبد الفتاح الفاتحي في مقاله "الدلالـة الرمزيـة لرش مـاء عاشـوراء فـي الثقافـة المغربيـة" أن يحل بعض هذا الترميز، فيقول:"ترتبـط احتفـالات يـوم عاشوراء بالمغـرب بعمليـة رش المـاء، وهي عادة وتقليد عميق في الثقافة المغربية، يرتبط بعمليـة الغمر والغطس في الصباح الباكر ليوم عاشوراء، يقوم به المغاربة لطرد النحـس والأرواح الشريرة، ويعتبرون أن عوم الصغار في صباح اليوم الباكر من عاشوراء ييسر نموهم بعيداً عن الأرواح الشريرة.وترجع العديد من الدراسات الأنتربولوجية والتاريخيـة وجود عادات عاشوراء في الثقافة المغربية إلى فلول المذهب الشيعي المنتشر بالمغرب خلال القرن 11 ميلادي، حين كانوا يحتفلون بيوم عاشوراء أو ذكرى مقتل الحسين بن علي في كربلاء، وصارت مناسبة للألم والحزن وربما البكاء والتحسر.ومن الناس من يحتفل بها تقليداً فحسب بلا وعي ولا إدراك، إلى أن امتزجت هذه الطقوس الشيعية بالطقوس الإسلامية واليهودية والأمازيغية، ولذلك تحـرص الأسـر الأمازيغيـة علـى تسميـة بناتهـم باسـم عاشـوراء".ولا يخفى التخبط الذي وقع فيه كاتب المقال، فما علاقة طقوس الفرح والسرور بالعادات العاشورائية التي عرف بها الشيعة؟!إن بعض أهل المغرب يتباركون في أيام عاشوراء ويهنئ بعضهم البعض بقول: "عواشركم مبروكة"! وفي ذلك دلالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير طويل.
----------
المقال مع بعض الصور والروابط:http://www.alkadhemi.com/%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B5%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9
https://telegram.me/buratha