عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية السابق
هل ان نظامنا هو نظام ديمقراطي ام دكتاتوري؟ اشتراكي ام رأسمالي؟ اسلامي ام علماني؟انه ليس بنظام اسلامي او علماني. فمرجعيات النظام الحالي ليست دينية او وضعية، رغم ان اسلاميين وعلمانيين يتربعون اليوم في اعلى مواقع الدولة والاحزاب الحاكمة.انه ليس بنظام رأسمالي او اشتراكي لان جوهر الرأسمالية هو الربح.. انه الفرد وملكيته وحقه الذي عبره تتحقق المنفعة العامة وحقوقها. كما ان جوهر الاشتراكية هو البحث عن المنفعة العامة او الاجتماعية التي عبرها تتحقق المصالح الفردية.وهو ايضاً ليس بنظام ديمقراطي او دكتاتوري. فالاول لا يعني مجرد الانتخابات، بل هو حكم المؤسسات الدستورية والقانونية حقاً وحقيقة.. اما الثاني فيعني غياب الرأي الاخر وفرض سلطة الفرد المطلقة..نظامنا يعتمد في عيشه على موارد سهلة تاتيه من النفط.. وينظم حياته باستهلاك الكثير من القيم والعادات التي لا حساب ولا مسؤوليات فيها.. لتغيب المسؤولية والدافع الفردي والجماعي للعمل وانتاج القيم المادية والمعنوية وتجديدها.فهو قد يفرز حاكماً مستبداً.. او حكاماً يتصارعون الريوع والقرارات. انه اليوم اقطاعات ادارية استقرت في شبكات ودوائر لتسود وتخترق كل المجالات العليا والدنيا في الدولة وفي المجتمع على حد سواء.ففي اشكال الاستغلال الريعي او الربحي يبقى ذلك الدافع المحفز للنفوس وللقيم والتقاليد للحفاظ على ارض نأكل منها او ماء لا حياة بدونه.. ولضرورة مدارس ومستشفيات وغيرها.. اما في حالتنا اليوم، فيكاد ان ينقطع ذلك الحبل السري والعفوي بيننا كافراد وكجماعة وبين سنن الحياة ودوافعها وغرائزها وما اختزنته وراكمته وجددته من وعي وخبرة.ارجعوا للشرائع السماوية والمدنية.. حقوق الملكية والمكاسب باشكالها.. حق الانسان والام والمرأة والنشىء… حق الارض والحيوان والطبيعة.. حق الحياة والعمل والتعلم والمريض والشيخوخة والمحتاج وغيرها. انها حقوق حقيقة تتحرك دوافعها بالارادة الحرة الجادة والفطرة المحفزة.. حقوق معروف تماماً اصحابها و مستحقيها و اسهمها وصناديقها وحماياتها.. والاهم مقدساتها وحرماتها وتقاليدها، لتبقى مصونة، راسخة في القناعات والممارسات.ان جوهر اي نظام هو نظام الحقوق والدوافع والمسؤوليات والقيم الذي ضاع في عراقنا وسط فوضى التشريعات التي تولد ميتة، بعد ان قطعنا كل الخطوط الا خطوط النفط التي هي نعمة نهضت بها امم اخرى فحولناها الى نقمة نكتوي بها جميعاً. انها مسألة اولى يجب ان يقف عندها مجلس النواب. انها حقيقة ان لم يدركها رجال الدولة والاصلاح فاننا سنبقى نبني “ببترودولاراتنا” قصوراً من ورق. وسنستهلك من نِعم الله ومن اصولنا الموروثة، ولن نراكم مكاسب او معارف جديدة، بل سنورث اجيالنا القادمة مزيداً من الغش والفساد والفقر والجهل والتنازع والفوضى.الفساد الاعظم، هو الفوضى والترهلالفساد الاعظم هو ليس السرقة بمعناها المعروف، وهو ليس الرواتب رغم اهميتها.. انه تهرىء الالة (النظام) ليصبح استهلاكها اكثر من انتاجها، ونفعها دون اذاها.. ليصبح الهدر والتعطيل هو القانون.. وليس الكفاءة والانتاجية والسرعة. عندها، يتم الفساد باسم القانون والرقابة والنزاهة وتحت غطائهم.سبب الفساد هو ترهل وفوضى في الكم والنوع للادارات واللجان.. وفي القوانين والاجراءات.. التي جعلت لكل دائرة، وموظف معايير خاصة لتفسير التعليمات والكتب والمستندات اللازمة وصحة الصدور..الخ. فالذي يسهل المعاملات ويحترم روح القانون ونصه الاعم، هو موظف يسقطه نظام الكيد والفساد. اننا نظام “الاقطاعات الادارية” بمالكيها و”سراكيلها”. ليس بالضرورة، بسوء قصد، بل بسبب الخوف وعادات العمل ونزعة التفرد التي تفرضها الاجواء والممارسات السائدة. كلنا يستنشق هواء الفساد والتزاماته، بوعي وبدونه.. في الوساطات التي نقوم.. في التعيين والاختيار والسفر والايفاد والترفيع والمخصصات.. في العقود والمناقصات والمزايدات.. في المواصفات المعقدة المتخلفة غير الشفافة بكلفها العالية وركاكة تنفيذها.. في الفلس الذي نحرص عليه فنخسر الدينار. في التوثيق والحفظ والمخاطبة التي تغبن الحقوق وتهدر الوقت وتسمح بالتلاعب. انه استمرار احتكار الدولة ومركزيتها وتدخلها في الصغيرة والكبيرة، لتنوء باعباء غير مصممة لها، ولتحجز الاخرين –كل الاخرين- من اخذ دورهم.ارتفع عدد الملاكات خلال ثمان سنوات الى (2،5-3مليون عدا التقاعد والرعاية وغيرهما) بعد ان كان ربع ذلك. في حين لم تتقدم انتاجية الدولة ومتطلباتها، بل تراجعت.. في الصين (20) وزارة، وما لدينا اكثر من (27) وما يكفينا هو (15) كحد اعلى ، وكذلك المديريات والاقسام..الخ.لابد من اللجوء “للتعبئة الاجتماعية” و”الاقتصاد الموازي” و”اقتصاديات السوق”.. ليكون الاخير معياراً لكفاءة القطاع العام والخاص.. ولمساعدة القطاع “الموازي” و”الاهلي” لتوفير العمالة والخدمات والمصالح، بدل الاعتماد الاحادي على الدولة. اما الترهل والفوضى في الادارات والاجراءات والقوانين فعلاجها الغاء الفاسدة والمعرقلة، واللجوء للادارة والتنظيم الحديثين، ومنها الحكومة الالكترونية، وجعل الكفاءة والانتاجية والسرعة معايير حقيقية لخدمة المواطن والمصالح.ليست الدولة اليوم للخدمة العامة، بل هي نوع سيء “للرعاية الاجتماعية”. والمضحك المبكي، انه سيكون اوفر للموازنة والاقتصاد والمواطنين والاعمال بما فيه الانجاز الحكومي السماح للعدد الاكبر من الموظفين -المدنيين والعسكريين- استلامهم رواتبهم.. والبقاء في بيوتهم. فالفساد الاعظم الذي لا يستطيع مجلس النواب –وغيره- استجوابه هو هذا الترهل والفوضى.اقتصاد السوق والاقتصاد الموازيعرفنا اقتصاد الدولة منذ اكثر منذ نصف قرن بنجاحاته واخفاقاته... فلا احد ينكر انه يملك قدرات هائلة.. فعندما تتركز الامكانات بيد الدولة –حزباً ام فرداً- فانها تستطيع ان توجهها لاعمال كبيرة.. ثم وفي قمة الانجاز والنجاح يبدأ التفكك والانهيار، وعلى الاغلب من امور صغيرة ودوائر لم يحسب لها حساب.اقتصاد الدولة والسيطرة على حياة المجتمع كالسيطرة على الطبيعة.. غير ممكنة الا اذا قبلتها الطبيعة وصارت جزءاً عضوياً او اصيلاً من ذات حركتها، والا الكوارث.. كذلك اعمال الدولة فلا نجاح فيها الا عند تماهيها مع المجتمع.. عندما يقومها الجسم الاجتماعي لتتحول الى جزء عضوي واصيل متأقلم ومقبول فيه، والا الفوضى والخراب.اننا امام معضلتين.. انفصام اقتصاد الدولة عن اقتصاديات السوق والمجتمع التي طالب بها الدستور.. ثم تعطل الحياة في الاقتصاد الاهلي او الاجتماعي بسبب احتكار الدولة للحقوق والامتيازات. واقتصاديات السوق هي اختبار معيارية الجدوى، ومن اي قطاع كان، فهي لا تعني بالضرورة الخصخصة او الليبرالية، كما يعتقد البعض...هكذا فعلت الصين –خلافاً للتجارب الاشتراكية- فاقامت مشاريع سوقية بـ "قبعات حمراء". فحققت اعلى معدلات نمو. وهو ما لم نقم به. فلم نتعلم من تجربتنا او من تجارب الاخرين. وبقينا نجدد فشلنا وكلماتنا الرنانة لنفضلها على المناهج العلمية والعملية. فغابت اقتصاديات السوق وتفشى الهدر والفساد واللاانتاجية.. وتعطل الاقتصاد الموازي او الاهلي. فاصبح اقتصادنا عقيماً. وتراجعت قطاعاتنا الزراعية والخدمية والصناعية وغيرها.. اقتصاد الدولة وقطاعها العام يستهلك عشرات مليارات الدولارات سنوياً في موازنات تشغيلية واستثمارية، دون حساب حقيقي للاصول المجانية من ارض وعقار وعمل ومنشآت وغيرها.. او السماحات والاعفاءات التي يتمتع بها بكل سخاء. فلنُقوم جدوى اقتصاد الدولة حسب معايير السوق، وسنرى كم سيصمد من كل تلك الهياكل الميتة التي تستهلك كل شيء ولا تعطينا شيئاً. ماذا لو حظي القطاع الاهلي ببعض تلك الامتيازات والرعايات؟..ماذا لو قومنا اعمالنا الاقتصادية حسب معايير السوق وانصفنا في البذل والعطاء لبناء اقتصاد موازي يسير جنباً الى جنب مع قطاع عام ينبض بالحيوية والجدوى.. حينها لن يبقى الا المفيد والمطلوب والمنتج القادر على العيش وتجديد نفسه بنفسه وليس باستهلاك حقوق غيره..حينها ستعود الينا اموالنا منتجات وعمالة وضرائب وخدمات لتتجدد الدورة، ولنتقدم حقيقة لبناء اقتصاد متطور يخرجنا من الحلقة المفرغة التي نحن فيها.البطالة.. ازمة مستعصية ام قابلة للحل؟نسب البطالة متصاعدة.. فهي قد تصل نصف القادرين على العمل الذين يشكلون نصف السكان تقريباً.. ويتزايدون مع دخول اكثر من نصف مليون سنويا. ومع ارتفاع البطالة المقنعة فان العمالة المنتجة قد لا تصل الى (10%) من طاقة العمل (15 مليون تقريباً)، اي حوالي (1،5) مليون مواطن.الحل البعيد واضح.. انه المشاريع القطاعية وفق اقتصاديات السوق.. وفتح باب الاستثمارات واعطاءها الاولوية.. وحمايتها من اجراءات وبيئة وبنى ما زالت معادية. فاذا انطلقنا فقد نحتاج الى استيراد العمالة بدل استيراد البضاعة.واذا استثنينا الحلول القسرية "للخمير الحمر" والتخديرية كالبطالة المقنعة والتعيينات.. فالحلول لابد ان تكون مزدوجة بالضرورة.. فنطلق عوامل الحل البعيد الامد ومنها مشاريع "كثافة رأس المالCapital intensive".. يقابلها مشاريع "كثافة العمل Labor intensive". وفي الحالتين تقوم الدولة -لفترة محددة- بتحمل كامل او نسبة مهمة من تكاليف التوسيع في العمالة او الالة والعقار لمشاريع اهلية قائمة او جديدة وفي شتى المجالات الخدمية والصناعية والمهنية والزراعية.. والشروط الرئيسية التوسيع في العمالة.. والاجر المجزي.. وتوفير ضمان اجتماعي تقاعدي.. والاعفاءات الضريبية. صحيح ان هذا سيقود الى اضطراب الاجور الدنيا الى الاعلى.. لكنه اضطراب محمود يمكن معالجة سلبياته والاستفادة من ايجابياته المتناهية. ناهيك ان ما اسميناه بالاجر المجزي هو فعلاً مساهمة الدولة بما يتقاضاه على الاقل العامل غير الماهر (ولنقل 20 الف يومياً). كل هذا سيساعد تدريجياً على امتصاص البطالة بدون رشاوى ووساطات وحزبويات وشراء ذمم انتخابية.. وفي بناء سوق عمل صحيح، ناهيك عن المردودات الاقتصادية. لنكن طموحين، ونفترض ان المشاريع ستجذب مليون عامل (حل كبير للبطالة) وباجر ادنى (500-750 الف دينار شهرياً (امر مغر)).. وهو ما سيكلف بحدود (6-9) ترليون دينار سنوياً، اي (5-7،5) مليار دولار.... نحن نعلم ان زيادة دولار واحد في اسعار النفط ترفع الدخل العراقي حالياً (800) مليون دولار سنوياً تقريباً. ونعلم ان الزيادة اليوم بلغت اكثر من (30) دولاراً عن الموازنة. وان زيادة برميل واحد في انتاجنا تعني استخدام (5-10) عاطلين حسب اسعار النفط. واليوم لدينا زيادة (200) الف برميل، وستستمر الزيادة ان شاء الله. فحلول امتصاص البطالة ورفع مستويات العيش وقيام مشاريع حقيقية مننتجة ونافعة متوفرة، تحجزها السياسات الخاطئة والاستمرار في ارتكاب اخطاء الماضي.الدولة "رجل اعمال" فاشلعندما تترهل الدولة، وتحتكر، وتفقد اية معيارية لجدوى اعمالها فانها تتحول الى رجل اعمال فاشل.. وتاجر فاسد.. وصناعي او زراعي او خدمي خاسر. ففي الوضع المعروف تقود الخسائر لتوقف نشاط رجل الاعمال.. اما الدول فهي لا تشهر افلاسها او تُصَادر،الا بمعاني اخرى. والدولة التي تعتقد ان معيارية الجدوى تحققها الهيئات والرقابة واللجان والتعليمات والضوابط هي كالتاجر الفاشل الغارق في ديونه، يكرر اخطاءه، الى ان يعطله ويطرده الافلاس. فالمعيارية من داخلها لا تكفي.. لابد ان تكون من خارجها. فانت الاول والاطول والاذكى والاقوى عندما تحاكي نفسك.. ولن تعرف حقيقتك الا امام غيرك.. بل لا جدوى في المعيارية ان لم تكشف كيف تنجح واين تفشل في تقدمك وتراجعك عن الاخرين.. لذلك عندما نتكلم عن معيارية خارجية نقصد -من بين امور اخرى- اقتصاديات السوق، والمنافسة الداخلية والخارجية على حد سواء.وضع الاتحاد السوفياتي -وقتذاك- تسعة معايير لجودة اعماله ونتاجاتها.. ووضعت الصين ضعف ذلك.. فنجحوا في فترات الحماس والرقابة الشديدة.. وحالما ضعفت القبضة الحديدية.. وبدأ الارهاق وامتيازات الدولة والتحايل والكذب وانجازات التقارير الرسمية، حتى انهارت معايير الكفاءة الداخلية.. وتكشفت الكلف العظيمة البشرية والمادية.. والاسس الرخوة التي تقف عليها.. فظهرت عوامل التفكك واضحة في الدولة السوفياتية والكتلة الشرقية معلنة "افلاسها" عبر تفككها، بينما سارعت الصين لتتعلم من التجربة.. فوضعت لاقتصادها -على الاقل- معايير خارجية ليس اقلها المنافسة ومعايير اقتصاديات السوق.. فحققت اعلى معدلات النمو والتقدم.يخطىء من يعتقد ان الدولة بشكلها الحالي ستقدم حلاً تنموياً، ينقلنا من الترهل والعطل والفساد الى حالة نافعة ومنتجة.. فالدولة ليست مؤسسة حيادية عديمة المصلحة والنفعية لتشكيلات –ظاهرة وخفية- تعمل داخلها وخارجها.. فمنذ ان احتكرت البلاد تحولت الى "الشخص الاقتصادي" المتفرد.. فطردت اية منافسة وفقدت اية معيارية لقياس جدوى اعمالها.. فاشهر "افلاسها" داخلياً ودولياً منذ التسعينات.. واستمرت تراكم الخسائر والفساد والمديونيات.. ليدفع اثمانها وتبعاتها الشعب والاقتصاد والموازنة.. ولتعشعش "اقطاعات ادارية" و "مافيات" انانية، تعرف جيداً مصالحها والفوائد العظيمة التي تحققها من الازمات والحرمان والفوضى والفساد والعطل، لتتاجر بمآسي الناس.. رافعة الشعارات الكبيرة الاصلاحية والوطنية والقانونية.. لتعطل، بوعي او جهل، اي جهد لتصحيح المسارات. فالدولة "رجل اعمال" نافع لقلة داخلها وخارجها.. و"رجل اعمال" فاشل للشعب والبلاد.. فساد المجتمع لا يقل عن فساد الدولةلا نتناول هنا النظام الاخلاقي رغم انه جزءاً من الكل، فما يهمنا فساد العلاقات الاجتماعية المنتجة للقيم المادية والمعنوية والمسلكية. فـ"النظام" هو قدرة انتاج العلاقات بتدوير نفسها او ارقى منها. والمجتمع المصاب بالفساد هو عندما يتعطل "نظام" انتاج القيم البناءة والمنافع المتنامية. والكلام كله كقاعدة وظاهرة وليس كمواطنين ومجموعات. مجتمعنا –كأساس- يأخذ اكثر مما يعطي، مما ورثناه.. ومن ثروة نقف عليها.. فاصبحنا اسرى لها، تتوقف الحياة بدونها. اننا نستورد مقومات عيشنا. نظامنا –كقاعدة- هو صراع لتقاسم البترودولار.. فالاغنياء قلة تأخذ اكثر واكثر.. والفقراء اغلبية تنقصهم الوسيلة، وعند توفرها تضغط اتجاهات الفرهدة والتمرد.. بلادنا تتراجع، فاختزلنا طموحاتنا وسلوكياتنا بالتحزب العشائري والطائفي والقومي.. والتعيش غير المنتج.. والتوظف ولو بشهادات مزورة باختامها.. او بمقومات مؤسساتها، التي –كظاهرة- باتت "مزورة" بالمعاني القياسية والعلمية. اصبحنا –بالتعريف- نظاماً قسرياً اتكالياً تبريرياً ينظم علاقاته بالقوة والغش والتهديد من جهة.. واللاانتاجية وعدم الثقة والتسقيط والتلون والخنوع من جهة اخرى.. نتكل على الدولة المالكة لكل شيء.. المستقوية على مجتمعها. تصنعه ولا يصنعها. فتراجعت –كاتجاه- مقومات السمعة والخبرة والنزاهة لتحل مكانها قلة الكفاءة وسوء الاداء ونقص الامانة.. فنمت عناصر الاحباط وفقدان الثقة والامل. عندها سيتم الفساد باسم القيم والشعارات الكبرى بما فيها الدينية والوطنية.هل جف شريان الحياة؟ نعم، عند النظر للسطح.. ولكن العراق –بعمقه- يشق طريقه.. وان ظهور الاصلاح والقسط سيخترق الفساد والظلم والاحتكار.. فوعي عوامل الاخير هو جزء من تمهيد الاول. فالمرجعية.. والمصلحون.. والجمهور المنتفض.. ينبهون للمخاطر. فالامة ما زالت تنبض بالحياة، وطاقاتها البشرية والمادية المبعثرة المبددة هائلة.. وتراثها عظيم وهي سائرة قطعاً لاعادة بناء نظامها المنتج للقيم والمكاسب."النظام" يرتبط بالدوافع والحقوق. وعندما تمسك الدولة بكل الحقوق، تنعدم كل الدوافع الايجابية. فالدولة ضيقة، والمجتمع منفتح.. والدولة غير قابلة للقسمة، لذلك الاستفراد والمحاصصة والفساد.. والمجتمع مركب قابل للتنوع والتعدد، لذلك المنافسة والشفافية والجدوى والمساحة المتاحة للجميع. الخطوة الاولى للاصلاح.. نزع الاحتكار واعادة الحقوق للشعب وتمكينه وتمليكه وحمايته. ليعود الاساس النشاط والتعلم والعمل والابداع، وليس مجرد العيش على بطاقة تموينية او رعاية اجتماعية او وظيفة مقنعة.. ليستعيد المجتمع والشعب دورهما.. ولتكون الدولة خادمة وراعية لنشاطاتهما. دولة المواطن.. وواجب المسؤول الوحيد خدمته.
https://telegram.me/buratha