بقلم: حسين النعمة
النظرة المتأملة في نشأة التعليم تجرنا الى قرون عديدة خلت في التاريخ القديم فليس التعليم نشأة واضحة الأبعاد مميزة فقد بدأ ببدء البشرية وأتخذ أشكالا وطرقا تباينت وتفارقت بتباين الأحقاب والجماعات وتطور الكيفية والأسلوب والمنهج وتأثر بتطور البشرية المطرد، وخضع لآراء ومذاهب فلسفية ودينية ونفسية وتربوية وكانت تلك المذاهب تدفعه الى الأحسن من ناحية وتؤثر في رقيه من ناحية أخرى وعبر هذا الطرق الطويل المليء بالامتحانات والتجارب والنجاح والفشل وصل التعليم الى مرحلة وان كان بحاجة الى التوجيه والتحسين إلا أنه يمتلك القدرة التي تجعل الوسيلة الساعية للنهوض بالأمة والسير بها الى الأفضل أفرادا وجماعات من حيث ثراؤه العلمي ومفهومه التربوي.التعليم عملية ثنائية الأركان قوامها العلم والمعلم فالعلم والحمد لله في تقدم وازدهار ولا داعي للدخول في التفصيلات بقي علينا الولوج في خضم موضوع الركن الثاني(المعلم).وقد توج هذا اللفظ بأسمى آيات التقديس والتقدير وقرن بالجهاد والتضحية والمثالية وليس ذلك من باب المجاملة ولا من باب الملق فإلى الآن المعلم هو الشمعة التي تحترق لتنير الدروب للآخرين.وبحسب قول أحمد شوقي (كاد المعلم أن يكون رسولا) ترى ما هي المقومات التي تخلق من ذلك المعلم رسولا ومجاهدا ومثاليا، بالتأكيد ليست القضية متروكة للصدفة ولا لمجرد التجربة كما كان في سالف العصور، فالأمر أصبح واضح الحدود والمقومات الأساسية التي لابد من توفرها تتمركز في سيكولوجية المعلم.وحيث أثبت علم النفس الحديث أن لدى المرء صفات جسيمة وعقلية وخلقية موروثة وغير مورثة هي محصلة عدد كبير من الصفات والعادات والأفكار والحوافز والعواطف فالشخصية على هذا الأساس تشمل كل ما يحيط بالفرد من حالات صحية وانفعالية وذكاء ومواهب فطرية وثائقية ومثل وأخلاق ومبادئ وخبرات اجتماعية حصيلتها جمع هذه المقومات قياسا لتأليف الشخصية الإنسانية.ولأجل مجابهة الحياة لا بد من توفر عامل الشخصية القوية كشرط أساسي في النجاح حيث إن الخبرات العلمية وحدها لا تكفي لبناء شخصية رصينة وقوية وبالتالي لا تكفي للنجاح فالعلم والشخصية القوية شرطان في الوصول الى النجاح.من هنا الجدير بالذكر أن أول يكون المعلم الذي ينشد النجاح متسلحا بقوة الشخصية ذلك لأن عملية التعليم ليست عملية حشو معلومات في ذهن التلميذ فحسب، إنما العملية أدق وأرفع فهي تأثير في سلوكيته وتفجير لطاقاته الكامنة وتوليد الرغبة في نفسه لمحبة العلم والبحث الى جانب تهذيب الميول والعواطف.سابقا كان ما يتنسم به المعلم الجيد البساطة والفهم، ففي البساطة كان يتجلى عظمة العمل الذي يقوم به، وهو في قرارة نفسه مؤمن بفائدة ما يقوله وما يعمل به متحسس لواجبه فالمعلم الذي لا يكون مولعا ومتحمسا في تعليم طلابه لا يمكن أن يخرج طلابا مولعين ومتحمسين في الواجب الذي يدرسونه.فالحماس وسيلة طيبة للاحتفاظ بطراوة الشباب وهو دليل على الجرأة والإقدام في الحياة، كما إن من سمات شخصية المعلم الجيد أيضا ثقته بنفسه ورأيه ومعتقده مواصل الاطلاع مزيد المعرفة شغوفا بعمله فان كان مرحا دائم الابتسامة متزن الفكر متوددا للجميع متسامحا فاهما لمشاكل طلبته معدا لها في روحه ونفسه، مؤمنا برسالته ومعلما لثقافة السلوك التربوي، هو من يقتدر على جعل طفل ساذج بسيط عنصرا ناتجا لا تؤثر فيه التيارات ولعل الأمر فيه صعوبة ومشقة ولكن ليس ضربا من المستحيل فالمعلم الناجح مرآة الطالب ومثله الأعلى.ومما لا شك فيه إن العديد يوافقني في إن قيمة كل امرئ ما يحسنه، والإحسان فضيلة وكل عضو من أسرة التعليم ينبغي أن يضع أمام عينه إن البراعم ودائع المستقبل.ولأن المعلم الذي يعي رسالته هو الذي يستحق شرف التقديس والإجلال فأن من يعتبر هذه المهنة وظيفة حكومية بمعناها المألوف ولا يفكر إلا في متى يحل (رأس الشهر) فهذا داء وليس دواء، كما إن الراحة لنفسك وجسمك ليست في المقاهي وليس لائقا أن تكون مثل هكذا بيئة مقرا لك، فقليلا من التنور العلمي والثقافي ومكانتك ومنزلتك التربوية لا تتناسب مع (الدمنو والنرد)؛ إنما الرفعة هي مَن يجب أن تكن رائدك فأنأى بنفسك عن صغار الأمور وأرق بها الى مصاف أهل العلم والثقافة وليكن الديدن هو السلوك التربوي الذي يليق برجال التربية.
https://telegram.me/buratha