حسين النعمة
اللا عنف سمة الأنبياء والأئمة الأطهار والعقلاء الذين يقدمون الأهم على المهم في شتى حيثيات حياتهم وقد دعا القرآن الكريم المسلمين قاطبة أن ندخل تحت ظل قانون اللا عنف فقال سبحانه (أدخلوا في السلم كافة)، ولا يخفى على الجميع إن السلم أقوى وأكثر دلالة من اللا عنف.واستنادا الى هذه الآية الشريفة (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فأن الإمام الحسين (عليه السلام) حينما أنطلق في ثورته جعل من الإصلاح هدفا له، على أساس إن سلامة المجتمع هي في الدعوة الى المعروف ومواجهة المنكر الذي يمكن له ان يساهم في إسقاط حياة الناس فكريا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا، فكان طرح الإمام الحسين (عليه السلام) لمسألة الإصلاح بغرض فتح لباب الأنام لهذه العناوين وفتح أرواحهم لتحسسها، ولم يكن في أسلوبه موقع للعنف حيث خاطب الناس بقوله "من قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق) وكأنه يريد القول فكروا في كلماتي وأطروحاتي ومواقفي ولا تستغرقوا في ذاتي ولكن في الخط الذي أطرحه عليكم والواقع الذي أنبهكم الى ثغراته وسلبياته ومن رد عليّ ولم يقبلني فإنما يكون رافضا للحق الذي جئت به.وإذا أردنا إن نصل مع الآخرين الى الحل الصحيح، والاجتماع على رأي صائب لكي نحصل على النتيجة المطلوبة فيجب علينا أن نسلك طريقا بعيدا عن العنف ونتبع التفاهم بالحكمة والموعظة الحسنة والهدوء في معاملتنا مع الآخرين.ولا بد أن نسند رفضنا للعنف برفض أسبابه وموجباته لأننا إذا رفضنا النتيجة دون الأسباب ستستمر في عملها وتوليدها لكل حالات وأشكال العنف لذا فضرورة نشر ثقافة التسامح مطلوبة أن تحل بديلا.فهل سأل بعضنا الآخر عن ضرورة التسامح السياسي والديني والاجتماعي والثقافي.لأن الاحترام والقبول بتنوع واختلاف ثقافات عالمنا هو ليس مجرد واجب أخلاقي بل ضرورة سياسية وقانونية وفضيلة تجعل السلام ممكنا وتساعد باستبدال ثقافة الحرب لثقافة السلام، وهذا يحتاج الى ضرورة الاعتراف لكل شخص بحقه في حرية اختياره معتقداته والقبول بأن يتمتع الآخر بالحق ذاته، وهو بعينه التسامح السياسي وهذا المفهوم بما يتضمنه من مفاهيم الديمقراطية والحرية والتعددية وحقوق الإنسان يعد بحق من أساسيات الفكر الحداثوي وأحد مظاهر سلوكه السياسي.ومن الحقائق المسَلِّم بها إن الأديان السماوية بحكم مصدرها التكويني كونها منزلة من الله تعالى لا تأمر إلا بالخير والحق والصلاح ولا تدعو إلا بالمودة والرحمة والإحسان ولا توصي إلا بالتسامح والأمن والسلم والسلام وما كانت يوما في دعوتها عائقا أمام التبادل والتلاقح والتعايش والحوار.فيما يكون التسامح الاجتماعي ان ننصرف وبصراحة الى الاعتراف بالانتماء المختلف والمتباين لأفراد المجتمع الواحد الى تكوينات قبلية ولغوية ودينية مختلفة دون ان تؤثر على ذلك الانتماء على مبدأ الولاء للوطن الواحد والدولة التي لا تزال خريطتها منحوتةً في ضمائرنا وعقولنا وسرائرنا.أما فيما ننصرف الى الحقل الثقافي حيث لا يخرج التسامح فيه عن الحقول الأخرى إلا بخصوصية مجاله ونطاقه، فهو يشير الى احترام الآخر المختلف ثقافيا والاعتراف بإمكانية التعايش في إطار التباين الثقافي، ومن الإثم أن يحلَّ الاختلاف والتعارض في الثقافات مبررا للصراع والاقتتال؛ ومن هذا أخشى القول إن هذا هو المؤشر على المرض المزمن الذي استشرى في البناء الثقافي العراقي واسمه اللا تسامح.
https://telegram.me/buratha