• المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب .
لايخفى على احد ما للزراعة من أهمية إستراتيجية في مهمة بناء الاقتصاد الوطني وتامين متطلبات الأمن الغذائي الذي يستوجب إعداد منظم وكفء للقوى العاملة بغية تمكينها التكيف مع بيئة العمل والإسهام بتحقيقها أفضل استثمار للموارد المادية والفنية بما يفضي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي .ولا نخطئ القول أن ميل إدارة القطاع الزراعي إلى اعتماد الإدارة الحديثة نهجا لتحقيق أهدافها في عملية تنفيذ سياساتها ، يجعلها أكثر أمنا من احتمالات ظهور اختناقات ومشكلات بوسعها التأسيس إلى انحرافات تطغي على مراحل سير العملية الإنتاجية ، قد يفضي تأثيرها إلى إحداث اختلال وتشوهات في السياسة العامة لإدارة القطاع الزراعي واليات تنفيذ برامجها .أسوق هذه المقدمة البسيطة كمدخل للحديث عن إعلان وزارة الزراعة في المدة الماضية إيقاف(مؤقت ) لاستيراد الخضروات من الدول المجاورة ، بغية الإسهام في رفع الحيف الذي لحق بشريحة المزارعين والفلاحين في بلادنا .ويمكن القول أن هذا القرار يعد في واقعه الموضوعي خطوة جريئة في مهمة التصدي لعملية إغراق السوق المحلية بالخضروات المستوردة ، وما خلفته هذه الظاهرة من آثار سلبية على زراعتنا ومزارعينا ، فضلا عن انعكاساتها الخطيرة على اقتصادنا الوطني وأمننا الغذائي ، بوصفها جزء من مشكلة الإغراق السلعي التي هيمنت على السوق المحلية بشكل ظاهر للعيان في أعقاب التغيير السياسي الكبير ببلادنا عام 2003م. إذ لم يك القطاع الزراعي بمنأى عن سلبية الآثار التي تركتها ظاهرة الإغراق السلعي على مختلف القطاعات الاقتصادية في بلادنا ؛ لإسهامها في انحسار برامج القطاع الزراعي ، فضلا عن فاعليتها في تقليص فرص المزارع العراقي بتوظيف ما أتيح له من إمكانيات في أقامة مختلف النشاطات الزراعية ، مما أفضى إلى حدوث اختلال بمعدلات الإنتاج الزراعي في السنوات الماضية ؛ لعزوف كثير من الفلاحين عن استغلال أراضيهم بفعاليات ترفد السوق المحلية بمختلف المنتجات الزراعية .
وعلى الرغم من الآثار الايجابية التي تركها القرار الذي تقدم ذكره على شريحة الفلاحين وعلى صعيد واقع القطاع الزراعي ،فان هذا التوجه بحاجة إلى وقفة تفرضها ضرورة النهوض بالقطاع الزراعي وأهمية البحث عن آليات تطويره ؛ بوصفه احد الموارد الرئيسة المفترضة لزيادة الناتج المحلي الإجمالي في بلد تتوافر فيه كل مقومات الصناعة الزراعية التي تستلزم من إدارة هذا القطاع استثمار مامتاح من عناصرها بكفء. ولعل في مقدمة عوامل إضعاف فاعلية هذا التوجه هو إقراره بالاستناد على ذروة الإنتاج المحلي في فترة زمنية محددة ، وهو ما يؤسس لاحتمال إلغاء وزارة الزراعة هذا القرار ولجوئها إلى خيار فتح الاستيراد مجددا في حال عدم كفاية المنتج المحلي أو ارتفاع أسعاره مقارنة بالمستورد بدعوى تجنيب المستهلك الضرر . وعلى وفق ماتقدم ، تراودنا شكوك بتلاشي ايجابية الآثار المستقبلية لهذا القرار ؛ لمحدودية مساحة العمل به ؛ بسبب افتقارا دارة القطاع الزراعي الإمكانيات التي تمكنها من اعتماد آليات تفضي إلى تطوير واقع هذا القطاع الحيوي وإحداث طفرة نوعية في معدلات الإنتاج الزراعي . ولانخطئ القول أن جملة من العوامل الموضوعية تحد من قابلية وزارة الزراعة في مهمة تطوير كفاءة أداء الفلاح العراقي وزيادة إنتاجيته ، في مقدمتها قلة مناسيب المياه في المجاري المائية بسبب قلة الاطلاقات المائية التركية بنهري دجلة والفرات إلى اقل من نصف حصة أطلاقات المياه المقررة لبلدنا ، وهو ما يملي على القيادات الإدارية في العراق تبني موقفا دبلوماسيا شجاعا ومسؤولا يحفظ حقوقنا التاريخية بمياه أنهارنا على وفق المواثيق والأعراف الدولية والابتعاد عن سياسة المجاملات وأسلوب الاستجداء الذي اعتمد من بعض المسؤولين في زياراتهم تركيا لعدم جدوى فاعليته . ومن جملة العوامل الأخرى حاجة اغلب أراضينا الزراعية إلى الاستصلاح من اجل زيادة غلتها الزراعية بعد أن هرمت وقطعت أشواطا طويلة في مرحلة الشيخوخة، فضلا عن تنامي الحاجة إلى اعتماد التقنيات الحديثة في الزراعة والإرواء . وينضاف إلى ذلك توجه الدولة الى تقليص مساحة الدعم السعري للبذور والاسمدة والأغطية البلاستيكية والوقود التي يحتاجها واعتماد محفزات أخرى لحماية السوق تتجسد بدعم إنتاج الخضروات والفواكه .جدير بالإشارة أن ماروج من انتقادات بشان اعتماد الوزارة هذا القرار من قبل بعض الجهات وبخاصة مايتعلق منها بارتفاع أسعار المنتج المحلي لايشكل مثلبة على هذا التوجه ؛ لأهمية إصدار التشريعات التي تسهم بحماية مصالح الفلاحين وتدعم الناتج المحلي الإجمالي الذي يفضي إلى اتساع مساحة الآليات الخاصة بتطوير القطاع الزراعي وتأهيله تعزيزا لاقتصادنا الوطني . اننا نتطلع إلى تبني وزارة الزراعة سياسات تفضي الى تقليص هموم الفلاحين وتساعد على تخفيف مشكلات القطاع الزراعي الذي يعد من اعرق القطاعات الاقتصادية الرئيسة في العراق ، ومن وجهة نظر شخصية يشكل هذا القرار رغم محدودية آثاره وكثرة منتقديه خطوة مهمة باتجاه إشاعة المفاهيم الصحيحة التي بمقدورها تنمية وعي مجتمعي بأهمية تأهيل القطاع الزراعي وإعادة ثقة الفلاح بما كان يشير أليها نوري باشا السعيد باصطلاح ( صناعة العراق الأساسية ). ومن المهم الإشارة هنا إلى ضرورة تكثيف ادارة القطاع الزراعي جهودها البحثية وبالتنسيق مع الجامعات العراقية والمراكز البحثية المتخصصة والمنظمات الأممية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني حول مسالة التلوث الإشعاعي الذي يمكن أن يكون قد طال أجزاء من أراضينا بفعل العمليات الحربية التي كانت بلادنا مسرحا لها على مدى أكثر من عقدين من الزمان .
https://telegram.me/buratha