المقالات

منهجية تشريع القوانين وتأثيرها في السياسات العامة للدولة

2256 12:50:00 2012-04-26

الدكتورة عامرة البلداوي

منهجية تشريع القوانين وتأثيرها في السياسات العامة للدولة

(القوانين ذات البعد الاقتصادي مثالا)

الدكتورة عامرة البلداوي

 

لابد من اعادة النظر بآليات تشريع القوانين ومراجعة الفوضى المحيطة بها لتلافي اعادة تعديلها مرات عدة قبل البدء بتنفيذها كما حصل مع قانون التقاعد الموحد  رقم  27لسنة 2006  وغيره من القوانين ذات المساس بحياة المواطن .ومن المهم التأكيد على انه لايخلو اي قانون من بعد اقتصادي وتنموي مما يستدعي مراعاة ذلك في الموازنة العامة للدولة فضلا عن ان القوانين الاقتصادية شديدة التأثير على الستراتيجيات وموازنات الدولة ولذا فأن تشريعها لابد ان يكون مع الاخذ بعين الاعتبار سياسة الدولة وتوجهاتها وقابليتها للتطبيق  ومخاطرها وتداعياتها واستشراف الرأي العام حولها , فعلى سبيل المثال يسعى العراق حاليا لاستكمال متطلبات انضمامه لمنظمة التجارة العالمية , (خاصة والعراق رئيسا للقمة العربية التي تسعى لانشاء اتحاد كمركي عربي توحد من خلاله جداول التصنيفات والرسوم مما يتطلب توحيد الانظمة الكمركية المتبعة مابين الدول العربية لتكون متسقة مع النظام الدولي الجديد ) , وان لهذا الانضمام جملة من الاشتراطات من اهمها تكييف قوانين البلد لتتلائم مع اتفاقية المنظمة ولاتتعارض معها وان اجتماعات التفاوض مع العراق للانضمام تأخذ ملائمة قوانين البلد ومدى ابتعادها او اقترابها عن متطلبات الاتفاقية كواحدة من اهم المسائل التي تفصل بقبول او رفض الانضمام للمنظمة , وعليه ومن اجل  استكمال تلك المتطلبات سعى العراق لتشريع قانون التعريفة الكمركية الذي بني على استخدام النظام  العالمي المنسق من منظمة الكمارك العالمية  , وان ايرادات التعريفة الكمركية تعد رافدا من روافد ايرادات الموازنة العامة للدولة والتي ستعمل على تحويل الاقتصاد من طبيعته الريعية المعتمدة على ايرادات النفط بشكل اساسي الى تنويع الموارد كجزء من سياسة الاصلاح الاقتصادي يسعى العراق لتحقيقه مابعد التغيير . وقد تم تحشيد خبرات الوزارات ذات العلاقة في لجان عملت لفترة طويلة من اجل مناقشة واعداد الجداول الخاصة بالتعريفة وبعد ان مر بمراحل صعبة من المناقشة والدراسة والتعديل داخل مجلس النواب وتم التصويت عليه ونشره في الجريدة الرسمية وتحديد موعد للعمل به , تم ايقاف العمل به وبشكل مفاجيء ولأسباب قيل انها تتعلق بأعتراضات شعبية ومخاوف من ارتفاع الاسعار وظلت الدولة عاجزة عن الدفاع عن سياستها واولوياتها وانسحبت بسرعة دون ان تضع خطة تشتمل على الفرضيات والمخاطر وكيفية معالجتها .

ومن المهم عرض مثالا آخر وهو تشريع قانون اجتماعي مهم تنتظره شريحة واسعة من العراقيين وهو قانون شبكة الحماية الاجتماعية الذي يعد العمل به احد الاساليب  المهمة في خفض الآثار السلبية لسياسات الاصلاح الاقتصادي على الشرائح الضعيفة بل وكافة المواطنين , وقد قرأ قراءة اولى في مجلس النواب بدورته السابقة واعترضت وزارة  العمل في حينه وقامت بسحب المشروع وانتهت مدة ذلك المجلس دون ان تعيد الوزارة ارساله للتشريع  او تسعى اللجنة المعنية في المجلس لانجازه , ثم جاءت الدورة الحالية للمجلس واعيد قراءته قراءة اولى ايضا واعترضت الوزارة مجددا على ان النسخة التي قرأت هي نفسها النسخة السابقة ومنذ ذلك الحين لم تسعى الوزارة او اللجنة المعنية في المجلس الى دفعه بقوة لغرض اتمام التشريع بالرغم من ان تخصيصات شبكة الحماية تمثل     1,2  % من الموازنة العامة للدولة ( موازنة 2011 ) وتزايد اعداد الاسر العراقية التي تستفيد من هذه التخصيصات والأعتراضات والشكاوى الكثيرة بسبب الفساد الذي يحيط بنظام الشبكة وطبيعة المستهدفين وآليات التوزيع وغيرها الا ان التلكؤ الحاصل في اتمام تشريع هذا القانون المهم يأتي بشكل اساسي للاسباب التالية :-

1-      تعدد منافذ الامان الاجتماعي التي تشرف عليها جهات مختلفة مما يجدر ان يشملها قانون موحد يكون مظلة الامان في العراق وبأشراف مؤسسة واحدة ( وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مثلا ) وهذا مالم يتم الاتفاق عليه.

2-      توسع الفئات المستهدفة مما يتطلب اضافة تخصيصات مالية جديدة اضافية , وهذا ربما يتعارض مع نقاشات العراق مع البنك الدولي او صندوق النقد حول تزايد حجم مبالغ التعويضات والمنح في مقابل تراجع الاستثمارات .

3-      لايوجد تعريف وطني بمفهوم الامان الاجتماعي الذي مازال مقتصرا على منح المبالغ المالية في حين لابد ان يشتمل على تفاصيل اخرى تضمن الامان الصحي والسكن وغيرها وعليه لابد من تطوير مفهوم الامان ليأخذ مسؤولية الدولة الكاملة على الشرائح المشمولة .

ومن خلال ماتقدم تتوضح الابعاد الاقتصادية والتنموية لقانون مهم كهذا مازال يتخبط ويتأرجح بين المجلس والوزارة ولم يتقدم خطوة بأتجاه التشريع, وعليه ومن خلال المثالين السابقين لابد من الاشارة الى جملة من التدابير التي يجب اتخاذها قبيل تقديم اي مشروع قانون الى مجلس النواب للتشريع :-

1-      وضوح هدف وفكرة ورؤية القوانين  المطلوبة للتشريع وانسجامها مع السياسة العامة لدى صانعي القرار مما يوفر ارضية صلبة وقوية وداعمة لتلك المشاريع ويساعد في انجاح تطبيقها .

2-      استشارة الخبراء  :- لايكفي ان يكون صانع القرار على دراية واهتمام بالقوانين المشرعه بل الاهم من ذلك ان يبادر الى تشكيل خلية من الخبراء المختصين والمستشارين لأعداد الدراسات ووضع الاحتمالات والفرضيات والمخاطر وكيفية تلافيها ودراسة منظومة القوانين ذات العلاقة والقوانين السابقة التي تتعارض او تتقاطع معها ووضعها على بساط البحث , ومن المهم ان يكون لمجموعة الخبراء الحرية الكاملة للادلاء بآرائهم وان تلقى تلك الآراء والدراسات اهتماما وتأثيرا في تغيير قرارات صناع القرار.

3-      استطلاع الرأي العام وتوزيع الاستبانات :- من المهم ان تنشر الدراسات ويباشر الاعلام بتناول تلك القوانين وفي ذات الوقت يتم استطلاع آراء المواطنين وتحليل ونشر نتائج استطلاعات الرأي بكل شفافية عبر وسائل الاعلام مما يوفر ارضية من القناعة الكافية للشروع بتقديم مشروع القانون.

ومن السبل التي على الدولة ان تنتهجها من اجل تمرير القوانين ذات الاهمية والتي تتماشى مع سياستها وستراتيجيتها والتي تعتقد بأنها ستلقى اعتراضا سواء من المجتمع او الشركاء السياسيين في الحكم او من النخب هو :- 1- ان تتطابق القوانين مع السياسات فمن غير المعقول ان نتحدث عن اقتصاد السوق ولاتوجد لدينا ستراتيجية تحدد شراكة ودور القطاع الخاص والقوانين لاتمنح للقطاع الخاص اي تسهيلات ليؤدي دوره المنشود , ولاينكر انه مازال العراق لايعمل بمنهجية صحيحة في تشريع القوانين فماهي اولويات التشريع في المجال السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي واين القوانين من الستراتيجيات , هل تتماشى معها وتخدم تنفيذها ؟ ام تعارضها وتعيق عملها . مع العلم ان هذه المطابقة مابين القوانين والسياسات المعلنة تخفف من حدة الاعتراض لكون السياسات المعلنة قد تم التوافق عليها سياسيا وغالبا ماتم تثبيتها دستوريا .

2-تحديد اولويات الحكومة في طلب التشريع من قبل مجلس الوزراء سنويا بناءا على حاجات ذات علاقة بتنفيذ السياسات وتسهيل المهمات ومنح خطط الدولة غطاءا شرعيا .

3- الاستفادة من التجارب المتشابهة اقليميا وعالميا :- ان هذا العالم قرية صغيرة وبالرغم من خصوصية التجربة العراقية الا ان الاستفادة والاطلاع والدراسة المستفيضة لتجارب الدول في تطبيقها للقوانين الجديدة تجنبنا الكثير من المخاطر , ولهذا لابد ان يكون مع مسودة كل قانون خلاصة التجارب السابقة لمناقشتها بأستفاضة مابين صناع القرار والخبراء لحصول فهم وقناعة مشتركة .

4- أسلوب المراحل ومراجعة الاثر :- من اجل بناء الثقة بالدولة وقراراتها يفضل العمل بالتشريع  على مراحل ولكل مرحلة خطوات يتم خلالها مراجعة وتقييم الآثار اذ تلعب منظمات المجتمع المدني دورها في التوعية كما تؤدي استطلاعات الرأي دورا مهما في معرفة المردودات الايجابية للقوانين على المجتمع والمراحل هي :- أ- مرحلة بناء مشروع القانون في الوزارة او المؤسسة المعنية , ب- مرحلة المصادقة عليه في مجلس الوزراء ,ج- مرحلة ترحيل القانون الى مجلس النواب وقراءته قراءة اولى ,د- مرحلة دراسة المشروع في اللجان المختصة , هـ- مرحلة القراءة الثانية وماقبل التصويت.

5-التنفيذ المرحلي :- ان الخطوة الاكثر اهمية للقوانين هي خطوة دخولها حيز التنفيذ وكثيرا ماتواجه القوانين فشلا كبيرا عندما تنفذ على نطاق واسع دون دراسة مسبقة لخصوصية بعض المحافظات او شرائح المجتمع او دون مراعاة الظروف الزمانية او المكانية للتنفيذ , ولذا من المهم تنفيذ القوانين على مراحل او فئات ودراسة الانعكاسات والمردودات ونشرها بالارقام يشجع كثيرا على نجاحها في مراحل اخرى متقدمة .

ان النهج اعلاه يتطلب التعاون والشراكه الحقيقية بين الدولة بمفاصلها ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث والدراسات واساتذة الجامعة والمختصين والمكاتب الاستشارية فضلا عن اهمية تعظيم الدور التشاركي للقطاع الخاص وتحميله المسؤولية الاجتماعية اتجاه الدولة والمواطنين مما يخلق حالة من الانسجام والتمازج بين الدولة والمجتمع .

                                                                                      

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك