حامد اللامي
ان الحقوق التي يوفرها الاسلام لتنظيم احكام وقواعد سلوك الدولة والافراد هي ليست منة من حاكم ولا من منظمة عالمية او اقليمية او وطنية ... بل هي حقوق فرضها الله سبحانه وتعالى , كجزء لايتجزء من نعمه على الانسان من بداية خلقه . وهنا الفرق شاسع بين حقوق يأخذها الانسان من الحاكم وبشتى طرق المطالبة , بالمظاهرات وربما الثورات , وبالنتيجة تكون على شكل وعود اكثرها لا تنفذ.اذا ان كل الحريات والامتيازات التي منحت للانسان انما هي حريات وحقوق اساسية ومقررة من قبل الله سبحانه وتعالى , في ديننا الاسلامي , بتكريم الله جلا وعلى للبشر على سائر المخلوقات .فان الاسلام قد دعى الى مباديء رئيسية وهي مبدا المساواة , فاتخذ الحرية الفردية كأساس عقائدية وتشريعية ... فحرية الاسلام للانسان تستمد من العقل وميزانه العدل والمساواة , حيث امر بالعدل والاحسان .ان الشريعة الاسلامية اقرت للمسلمين حقوقا كأفراد, وحقوقا كجماعة , وجعل ان يكون لكل انسان مسكن امن وحصانة له في حرمته في مسكنه , كما جاء في القرءان الكريم , ( سورة النور ,الاية 27ـ28): (يا ايها الذين امنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون , فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكى لكم والله بما تعملون عليم ), وقول الرسول الاكرم (ص) : (انما الاستأذان من اجل البصر) ... وحرم الله التجسس والتلصص على بيوت الاخرين والحفاظ على حرمتها , كما قال الله سبحانه وتعالى في اية (12من سورة الحجرات):( ولاتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)... وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , ومنها حق الملكية , كما اقر الاسلام حق التجارة بقوله سبحانه وتعالى (اية7 من سورة الحديد): (واحل الله البيع وحرم الربا), والحث على العمل مقابل الاجر المناسب للعامل وعدم التأخير في دفع اجور العامل .كذلك ان الاسلام لايميز بين انسان واخر على اساس الطبقية او حاكم ومحكوم , ولا في الجنس ولا في النسب ,كما قال الله سبحانه وتعالى (في الاية 13من سورة الحجرات) :(ان اكرمكم عند الله اتقاكم) , وكذلك قال في(الاية 288 من سورة النساء): (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف),وقال الرسول الاكرم (ص) : ( النساء شقائق الرجال).ان الاسلام وضع لكل شيء احكامه وحقوق لتنظيم السلوك بين الافراد , وبين الافراد والدولة ... فحرم الاعتداء على حياة الانسان بأزهاق الروح او الجرح بأي شكل من اشكال الاعتداء , وحق التنقل في البلاد والسفر بحرية تامة ... كما اكد الاسلام على العلم والمعرفة من اجل القضاء على الجهل ,حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد في (الاية3 من سورة الزمر):(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)... كما قال النبي محمد(ص): (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)و(اطلبوا العلم من المهد الى اللحد).وكذلك حرية الانسان بعقيدته بقوله سبحانه وتعالى في(الاية 256 من سورة البقرة) :(لا اكراه في الدين)... وقد ضمن حق الفرد في المجتمع وحمايته من التعسف الذي تمارسه السلطة , وحق الحماية من التعذيب , وحق بناء الاسرة .. حيث تعتبر تلك اوامر تشريعية نافذة , وغيرها من النصوص التشريعية الضامنة لحقوق المجتمع والافراد , والعلاقة بين الدولة والمجتمع ... حيث كان المسلم لايميز عن غيره في ظل الدولة الاسلامية ,(فكان يوما قد رأى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) شيخا مكفوف البصر , كبير السن ,يسأل الناس , قال ماهذا؟ قالوا يا امير المؤمنين نصراني, فقال : استعملتموه حتى كبر وعجز فمنعتموه , انفقوا عليه من بيت المال).اما الحديث عن النزاعات المسلحة في الاسلام فقت وضعت له الكثير من التشريعات التي بموجبها تم التعامل والتنظيم بين الافراد والدولة , والدولة مع الاقوام او الدول الاخرى.ان اقرار القانون الدولي على ان الدولة التي تريد الدخول في حرب مع دولة اخرى ان تعلن عنها قبل بدايتها , وذلك توقيا للضرر والخيانة ... ففي الشريعة الاسلامية فقد تناولها القرءان الكريم في(سورة الانفال ,الاية58)حيث قال :( واما تخافن من قوم خيانة فنبذ اليهم على سواء ان الله لايحب الخائنين)... وكذلك لايجوز الاعتداء على الخصم اذا كان يربطه عهد بالمسلمين , حيث يعتبر غدر وخيانة ولايحببها الله ويعاقب عليها في الاخرة... اذا واجب الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق المبرمة مع الدولة الاسلامية ... كما جاء بقوله تعالى في(سورة التوبة الاية4) : (الا الذين عهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا ولم يظهروا عليكم احدا فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم ان الله يحب المتقين)...والاية هنا توجب الوفاء بالعهد , طالما لم ينقض ... اذا لايجوز الاعتداء او اعلان الحرب على دولة او قوم لهم مواثيق ومعاهدات مع المسلمين . تلك هي العلاقة بين المسلمين واعدائهم في زمن الحرب اما في زمن السلم فهي كما في خلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) حيث كتب للنصارى:(انكم اتيتموني بكتاب رسول الله (ص) وفيه شروط لكم على انفسكم واموالكم .. واني وفيت لكم لما كتب محمد (ص), من اتى عليهم من المسلمين فليف لهم , ولايضاموا ولايظلموا ولاينتقص حق من حقوقهم ) . وقد اقرت الشريعة الاسلامية عدم الاعتداء على المدنيين او التفريط في الحرب كالاغراق والحرق وهدم المنازل وكذلك التمثيل بالقتيل ... وكذلك عدم الاعتداء على الاسير اثناء الحرب , حيث كان الرسول (ص) يوصي الجيش اذا خرج للجهاد (انطلقوا بأسم الله وعلى ملة رسول الله , لاتقتلوا شيخا فانيا , ولا طفلا , ولاصغيرا, ولا امرأة , ولاتغلوا , واصلحوا واحسنوا ان الله يحب المحسنين).تلك هي القواعد القانونية للحرب ... الحرب بين المحاربين فقط , حماية البشرية والتزام حقوق الانسان , حيث قال الله سبحانه وتعالى في القرءان الكريم :(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولاتعتدوا), وفي رواية: (عن نافع ان عبدالله بن عمر اخبره ان امرأة وجدت مقتولة في بعض الحروب , فأنكر رسول الله قتل النساء والصبيان ,كما جاء السنن الكبرى 17/9 ).وقد نفذ المسلمون تلك الوصايا واعتبرت حكما ساري المفعول .اما مع الاسرى ومعاملتهم فقد سبق الاسلام كل التشريعات في حسن معاملة الاسير ,بصرف النظر عن دينه وعقيدته ولونه ووطنه وفي حالات الحرب والسلم , حيث نهى الاسلام عن المثلة وتجويع الاسير وحماية حقوقه وعدم جعلهم هدفا لتدريبات جنود المسلمين , او احراقه بالنار كما كان ذلك قبل الاسلام ... بل تعدى ذلك فجعل الاسلام اغاثة العدو بالطعام والثياب ومد يد العون اليهم في الشدائد والمحن والمجاعات المهلكة ... هذا هو النظام الاسلامي الانساني .ان النبي محمد (ص) اسس دولة مبنية على العدل والاحسان ومحبة الانسان , فكان مع الناس والى الناس وفي الناس , كان يعطف على الكبير والصغير , فلم يجلس مختلفا عن بقية الناس ولم يظلم ويستبد او ينفذ اوامره من اجل المال او الجاه بالحيلة والمكر او السيف ... لقد اسس دولة يقودها رجل ذو قاعدة شعبية , وكان هدفه اعلاء كلمة الله في العدل والمساواة ... فلم يتخذ لنفسه قصرا ولم يغير لباسه ولم يورث ذهبا وفضة , ولم يتغير بيته , وتوفي (ص) في نفس الغرفة التي بناها بيديه الكريمتين اول هجرته الى المدينة المنورة .هكذا بنى واسس الرسول الاكرم(ص) دولة وعلاقات فردية في المجتمع الاسلامي , وعلاقاته مع الاخرين من غير المسلمين في زمن السلم والحرب.حامد اللاميallamy1@hotmail.com
المصادر:1ـ القرءان الكريم.2ـ حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني للدكتور فيصل شطناوي.3ـ وسائل الحر العاملي ,ج 15ص66.4ـ شرح نهج البلاغة ج 17.5ـ العلاقات الدولية في الاسلام لمحمد بوبوش.
https://telegram.me/buratha