أحمد عبد الكريم الخطيب
"فَرْت" كلمة أرامية تعني الخصب والنمو، هكذا كانت الأرض بين النهرين خصبة ومهدت لنمو أقدم الحضارات والتي تعتبر إرث مشترك للإنسانية,وعراق اليوم ما هو إلا استمرار لوجود تلك الحضارة وذلك بسبب موقعه الجغرافي عليها، أي انه حق مكتسب وموروث وليس مستحقا، وتلك الأنهر هي هبة من الله، ألم يقل المؤرخ اليوناني هيرودتس : العراق هبة الرافدين كما ان مصر هبة النيل.كما ذكر اسم النهرين في الكتاب المقدس لما لهما من دور حيوي في حياة سكان بلاد مابين النهرين قديما وحديثا.ومن ذلك : - نبوءة دانيال(4:10) في اليوم الرابع والعشرين من الشهر الاول اذ كنت على جانب النهر الكبير الذي هو دجلة.- التكوين (10:2_15) نهر يخرج من عدن فيسقي الجنة ومن ثم يتشعب فيصير اربعة رؤوس اسم احدها فيشون واسم الثاني جيجون وهو المحيط بأرض الحبشة كلها والنهر الثالث حداقل وهو الجاري في شرق اشور والنهر الرابع هو الفرات.اشتهرت أرض الرافدين بالزراعة وكان المجتمع يعيش بانسجام مع الطبيعة الام يسقيها من عرقه ويقلب تربتها بأصابعه فيعطيها من شبابه وتعبه فتعطيه من ثمارها,ودجلة والفرات شاهدان لأنهما والعراقيين شركاء بالعطاء على مر التاريخ. هذه الحلقة الانسجامية هي التي اسست للحضارات الانسانية الاولى في التاريخ، أي أن دجلة والفرات هبة الله، حينما عقدا قرانهما في تلك الارض ولدت منهما تلك الحضارة وهذا التاريخ منذ اكثر من خمسة آلاف سنة. اليوم دجلة والفرات يحتضران، وما من مغيث، تلك الهبة من الله قد فرطنا بها، تلك الحلقة الانسجامية في تاريخنا كعراقيين ستقطع، سنضطر بعد بعض السنين لمبادلة النفط مقابل الماء، ولكن بعد النفط سنبادل ماذا، لنحصل على حقنا في الحياة من الماء الموجود في أرضنا منذ آلاف السنين؟ انه ليس كلاما من نسج الخيال بل حقائق علمية بحثت في اكثر من مؤتمر دولي، وانها وقائع يعاني منها ابناء العراق منذ عشرات السنين.ففي تركيا يوجد 22 سد و19 محطة كهربائية ضمن مشروع جنوب شرق الاناضول "غاب" كما يعرف عالميا لاستصلاح مساحة كبيرة تعادل 3 مرات مساحة لبنان,لري 1,7 مليون هكتار وتوليد 7500 ميغاوات من الطاقة الكهربائية. أهم هذه المشاريع التي شملها "غاب" هو سد اتاتورك على الفرات الذي يعتبر خامس أكبر سد في العالم. حيث انتهى العمل فيه في العام 1990 ويروي 872,4 الف هكتار ويولد 2400 ميغاوات من الطاقة. المشاريع الاخرى التي انجزت حتى يومنا هذا بلغت حوالي 80-85% من مجمل المشاريع ومعظمها على الفرات. أهم المشاريع المتبقية هو مشروع أليسو على دجلة الذي سيحول 6,7 مليار م3 عن العراق لتوليد الطاقة وري الاراضي الحدودية التركية. أليسو سيكلف 1,68$ مليار وسينتج 1200 ميغاوات من الطاقة ويخزن 11,4 مليار م3 في بحيرة السد. في سوريا، يوجد 5 سدود على الفرات، أقيمت الثلاثة الكبيرة منها في منتصف ستينيات القرن العشرين ضمن مشروع سد الفرات الذي حجز خلفه بحيرة اصطناعية كبيرة كمية مياهها تصل إلى 11.6 مليار متر مكعب قبل مدينة الرقة. وأنشأ السدين الأخيرين في أواخر الثمانينات للري السطحي. تنوي الحكومة السورية إنشاء سد كبير آخر في منطقة التبني شمال دير الزور.في العراق يوجد 7 سدود عاملة على الفرات منذ سبعينيات القرن العشرين. وفي أوائل الثمانينيات، تم وصل الفرات مع دجلة بقناة الثرثار قرب سامراء.خلال الفترة بين 1990 و2008 انخفض تدفق مياه الفرات من 18مليار م3 الى 9 مليار م3 ووصلت نسبة التلوث الى 1800 ملغ/لتر بينما المعدل الدولي المقبول هو 800 ملغ/لتر,ثم قل تدفق المياه الى العراق ليصل الى 200 م3 في الثانية اي حوالي 6,5 مليار م3 سنويا قبل ثلاث سنوات.وقد دعا مؤتمر" استعمال المياه الجارية الدولية لغير الملاحة" في مادة 5 و6 الى تقسيم المياه المشتركة بالتساوي والمنطق بين دول المصدر والمصب والتي منها الاخذ بعين الاعتبار الحاجات الانسانية وحاجة البلدان الاجتماعية والاقتصادية.كما دعا المؤتمر في المادة 7 الى عدم قيام اي دولة بأي مشاريع مائية تسبب الاذى بدول النهر الاخرى وضرورة التشاور مع الدول الاخرى قبل بناء هذه المشاريع. الجمعية العمومية للأمم المتحدة صدقت على توصيات هذا المؤتمر في 1997 بالإجماع ما عدا ثلاث دول من بينها تركيا. المصير الذي ينتظر نهر دجلة في العراق سيكون كارثيا بعد انتهاء تركيا وإيران من مشاريعهم المتبقية على النهر وروافده خلال العشر سنوات القادمة، والتي من المتوقع ان تحجب 50% من مياه النهر عن العراق. أهم هذه المشاريع التركية كما ذكرت هو مشروع أليسو الذي سيقطع 6,7 مليار م3 من المياه عن العراق ويخزن 11,4 مليار م3 في بحيرة السد ومساحتها 300 كلم2. أهم نتائجه المدمرة للأراضي العراقية بعد انتهاء المشروع في 2013 ستكون قلة المياه وتلوثها، وسينعكس ذلك على ازدياد نسبة الملوحة في حوالي 600-700 الف هكتار من اجود الاراضي الزراعية، وعلى وصول التصحر الى مناطق كانت بمنأى عنه في السابق. من الناحية الانسانية ستشح مياه الشرب ويضطر نسبة كبيرة من المزارعين الى الهجرة الى المدن او الدول المجاورة طلبا للرزق.ايران بدورها تقوم ببناء السدود على روافد دجلة في الشمال وبتحويل نهر الكارون عن مجراه الى داخل الاراضي الايرانية قرب شط العرب كذلك قامت ايران مرات عديدة بقطع مياه نهر الوند الذي ينبع من أراضيها ويصب داخل محافظة ديالى. خلال اقل من عشر سنوات, سيكون اكثر من ثلث الاراضي الزراعية مهدد بالتصحر وملايين العراقيين سيدفعون للهجرة. حيث أن تركيا "تطلق من أراضيها 500 متر مكعب في الثانية يصل منها للعراق عبر سوريا 250 متر مكعب في الثانية ما يعني ان هنالك جفافا حقيقيا وأن هذه الكمية عندما تصل إلى سدة الهندية التي تقوم بتقسيم المياه للمحافظات الجنوبية والفرات الأوسط "ستكون 50 مترا مكعبا في الثانية وهي قليلة جدا لاسيما أنها تغذي مناطق عديدة هي الديوانية والحلة والناصرية.وقال عضو البرلمان حامد الخضري في تصريح صحفي إن إنشاء سد اليسو سيلحق بالعراق خطر كبير خلال السنوات المقبلة، مبينا أن السد سيؤدي الى خفض المياه الى النصف،وحث الدول الصديقة والإقليمية من أجل الضغط على الجانب التركي لإيقاف المشروع.ومنه اكد عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية النائب فؤاد الدوركي ان سد اليسو سيقوم بتقليل واردات نهر دجلة الى النصف،وطالب الدوركي تركيا بان تقوم بتوقيع اتفاقيات تنظم حركة المياه الدولية، خصوصاً تلك التي تتشاطأ عليها أكثر من دولة لضمان حصة العراق المائية، مبيناً انها(تركيا) تقوم بالتهرب منذ زمن بعيد من التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات.وفي سياق متصل أوضح النائب أسكندر وتوت محذرا الجانب التركي من الاستمرار بتلك التجاوزات، قائلا: ان "تركيا عليها ان تدرك ان اغلب الاستثمارات في العراق هي لشركات تركية، وان حجم التبادل التجاري العراقي التركي وصل الى 14 مليار دولار وهو امر لا يستهان به، كما ان مرور انبوب النفط يعطي لتركيا ارباحا كبيرة فيما تمر تجارة تركيا الى دول الخليج عبر العراق..لذا يتطلب من البرلمان والحكومة العراقيين تحمل مسؤولياتهما في الدفاع عن العراق وإجبار تركيا على الالتزام بالاتفاقيات الدولية.خرج تقرير منظمة المياه الأوربية في العام الماضي متوقعاً موت نهري دجلة والفرات عام 2040 ،أما مجلة «نيو سينتيست» البريطانية فقد أكدت تقارير العلماء التي نشرتها أن الجفاف الذي يعانيه العراق حالياً سيصبح دائماً. فحالات الجفاف التي شهدها العراق في العقود الأخيرة تصاعدت وتيرتها بشكل غير مسبوق، وأرض الرافدين ترثي رافديها، وتودع خصوبتها في غياب شبه كامل لمساعي الحد من ارتفاع دقات ناقوس المجاعة. فنقص الإمدادات المائية في دجلة والفرات أدى لتحويل السهول المشاطئة لضفافهما إلى أراض قاحلة بعد استنزاف المياه الجوفية التي لم تعد الأمطار قادرة على تعويضها. وبموجب الأرقام الصادرة عن وزارة البيئة العراقية، فإن كميات المياه المتدفقة عبر الفرات قد انخفضت إلى 200 متر مكعب في الثانية، فلا يصل شط العرب بما يكفي من الماء العذب لإيقاف تلوث مياهه من الملوحة، الأمر الذي تسبب بشح المياه الصالحة للشرب في الجنوب، ونفاذ الثروة الحيوانية وهجرة المزارعين عن المدن والقرى من جنوب محافظة البصرة بشكل خاص تاركين الغبار والرمال تستوطنها.وذهب العالم الياباني "أكيو كيتوه" من معهد "ميتولوجيكل" للأبحاث أبعد من ذلك، فبعد دراسته تحولات الطقس، وتأثير السدود التركية على النهرين، توقع زوال ما يسمى الهلال الخصيب.ستقرأ الأجيال القادمة حييت سفحك فحييني، ولن تستطيع فهمه لأنه يتكلم عن شيء هم لم يروه ولم يعد موجودا.وسيبقى للعراقيين حكومة مئة مليار أخرى لينتخبوها، آملين ان تتفضل عليهم بقنينة ماء فرات مستوردة من تركيا من ضمن البطاقة التموينية!
, قال الرصافيبغدادُ حسبكِ رقدة وسبات أو ما تمضّك هذه النكباتوَلعت بك الاحداث حتى اصبحت ادواء خطبك ما لهن أساةقلب الزمان اليك ظهر مجنّه أفكان عندك للزمان ترات ومن العجائب أن يمسك ضره من حيث ينفع لو رعتك رعاةإذ من ديالة والفرات ودجلة أمست تحل بالهلك الكرباتان الحياة لفي ثلاثة انهر تجري وأرضك حولهنَّ مَوات
https://telegram.me/buratha