يسود اعتقاد لدى فريق من اللبنانيين بأن النظام السوري بصدد الانهيار الكامل. ويعتقدون أيضاً بأن «حزب الله» مشلول الحركة، مجبر على الصمت. يقابل ذلك اعتقاد آخر بأن الرئيس بشار الأسد لم يستخدم من قوته إلا 30 في المئة، وان «حزب الله» بات أقوى بمرات مما كان عليه في العام 2006. الاحتقان الحالي بين الطرفين مرشح للانفجار في أي لحظة.
أوحى خطاب الرئيس ميشال سليمان في عيد الجيش اللبناني في مطلع هذا الشهر وكلامه عن السلاح وعهد الوصاية، ثم توقيف الوزير والنائب الأسبق ميشال سماحة وما تلاه من إشادات من سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فكلام وليد جنبلاط عن «حزب الله»، وصولاً إلى مطالبة حزب «الكتائب» و«تيار المستقبل» وغيرهما بنشر قوات الطوارئ الدولية عند الحدود اللبنانية السورية، وإصرار البعض على طرد السفير السوري، أوحى ذلك كله بأن ثمة شعوراً عاماً لدى هذه الأطراف بأن نظام بشار الأسد قد انتهى، وأن حلفاءه في لبنان عاجزون عن التحرك.
ربما كل ذلك صحيح، وربما فيه الكثير من الاستعجال والمغالاة. وبغض النظر عن أسباب إقرار الحكومة مشروع قانون النسبية في الانتخابات والذي قد يكون دفع البعض للهجوم على «حزب الله». وبغض النظر عن قضية سماحة التي وإن كانت مبرارتها القضائية مهمة، الا انها ما كانت لتحصل لولا الشعور بضعف سوريا و«حزب الله».
بغض النظر عن كل ذلك، فإن الطرف الآخر الممتد من إيران مروراً بسوريا وصولاً الى «حزب الله»، يشعر بأن خلف المواقف الآنفة الذكر أصابع دولية وإقليمية توصل رسائل الى لبنان مفادها ان سقوط نظام الاسد بات وشيكاً، وان الاسابيع المقبلة ستشهد تطورات سريعة على الساحة السورية.
يقول هؤلاء إن تعيين الامير بندر بن سلطان رئيساً لجهاز الاستخبارات السعودي ساهم في رفع منسوب الهجوم. يشعرون بأن أميركا العاجزة عن التدخل العسكري في الشأن السوري، تريد من بعض الدول الخليجية ومن لبنان والأردن مع تركيا تعزيز مناخ الحصار على سوريا وحلفائها، وأن تكثف إيصال السلاح الخفيف والمتوسط الى مسلحي المعارضة السورية. هذا الدور مطلوب بقوة الآن بعدما تراجع الزخم التركي لأسباب كثيرة تبدأ من انتشار الأكراد عند الحدود لتصل الى ارتفاع الضغط الداخلي المعارض لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.
يقولون ايضاً إن وسائل الرد لم تنعدم بعد. انشق طيار بطائرته وهرب الى الاردن، فأسقطت سوريا في اليوم التالي (وعلى الأرجح بالتعاون مع روسيا) طائرة تركية. تم تفجير مقر الامن القومي في دمشق صباحاً، فوقع الهجوم على باص السياح الإسرائيليين في بلغاريا مساء. هي مصادفة وربما الأمران غير مرتبطين، ولكن هذا وذاك حصلا في يوم واحد. انتشر المسلحون في دمشق، فأنزل النظام قوات خاصة وضرب بسرعة قياسية بعد أن سيطر على الريف الدمشقي. ينتشر المسلحون الآن في حلب، والنظام يؤكد أن المعركة ستحسم فيها لمصلحته. رفع العالم شعار بابا عمرو، فتمت سيطرة الجيش عليه امام أنظار العالم.
قد تكون كل هذه الأفعال والردود عليها من باب المصادفة، وقد لا تكون. وقد يكون تعيين الأمير بندر في منصبه الجديد غداة تفجير دمشق والهجوم في بلغاريا صدفة وقد لا يكون. المهم بالنسبة للنظام السوري وحلفائه هو الاشارة الدائمة إلى أن وقت الرد في لبنان لم يحُن تماماً بعد، ولكنه قد يحين.
يشعر أنصار «حزب الله»، بأن المطلوب هو جرّهم الى فخ أمني في لبنان. تمّ خطف 11 لبنانياً من اهلهم. تفاقمت ظاهرة الشيخ أحمد الأسير. تركز الهجوم على المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. تعطل الحوار. ازدادت حدة الهجوم على «حزب الله». ازدادت أكثر بعد زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الايرانية سعيد جليلي الى لبنان. الهجوم مرشح للتعاظم، ولكن القرار المركزي عند الحزب هو الصمت والصبر. ثمة قرار مركزي بعدم التصريح في الشؤون اللبنانية الداخلية. السيد حسن نصرالله وحده يتكلم في هذه الفترة. تارة يسير على حد السيف، ومرة أخرى يرفع الصوت ليعيد الامور الى نصابها.
يقول المقربون من سوريا وحلفائها، إن عمليات تهريب الاسلحة من لبنان الى المسلحين والجيش الحر تضاعفت مرات عديدة. يقولون إن السلطات اللبنانية تعرف تماماً طرق السلاح، ولكنها صامتة. يعتقدون أن التدخل في الوضع السوري من شمال لبنان وبعض مناطق البقاع سيزداد، يؤكدون أن ثمة مناطق آمنة باتت قائمة في لبنان لـ«الجيش السوري الحر» والمعارضين. يفهمون الهجوم على الجيش اللبناني عند الحدود من باب السعي لشل قدراته.
هل قارب كل ذلك الخط الأحمر؟
المنطقة كلها تغلي. كل طرف من إسرائيل إلى إيران مروراً بـ«حزب الله» بات مستعداً للحرب. لا أحد يجرؤ على المبادرة. أميركا تلجم إسرائيل لضرورات انتخابية ولإدراكها كما الكثير من القادة العسكريين الإسرائيليين بأن المعركة لن تكون نزهة. سوريا تعرف أن توسيع دائرة الحرب قد لا يخدم نظامها الآن. «حزب الله» يتدارك الفتنة ويعرف أن ظهره مكشوف هذه المرة. يسعى الحزب لممارسة أعلى درجات ضبط النفس. يعتقد أن المنطقة مقبلة على تطورات كبيرة. هذا شعور سائد كذلك في دمشق. لم يأت تصريح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المهدّد للدول المتدخلة بالشأن السوري من باب العدم. تناغم تماماً مع الموقف الايراني. عزز التصريح العراقي أوراق الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في قمة مكة في السعودية.
صحيح أن الغرب يريد إسقاط نظام الاسد، ولكن الصحيح ايضاً أن الغرب نفسه لا يريد وصول المعارضة او مسلحيها الى السلطة. قال وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا كلاماً واضحاً حول ضرورة بقاء الجيش السوري متماسكاً. هو نفسه كان اول من بادر قبل اشهر الى الحديث عن اختراق القاعدة للمعارضة السورية.
لن يضير الغرب أن يتقاتل الجيش السوري مع مسلحين إسلاميين. لن يضيره أصلاً ان تبقى سوريا غارقة في الاقتتال. مرحلة الانتخابات الرئاسية الاميركية بحاجة الى عدم حصول تغيير جذري ولا دراماتيكي. يستفيد الاسد من هذه الفترة الميتة لإكمال السيطرة على المدن الكبرى. هذا هدفه الأهم في المرحلة الحالية. تستفيد المعارضة وداعموها من الفترة نفسها لتوجيه ضربات أقسى للنظام ومحاولة مشاغلته في جبهات عدة. هذا هدفها الأسمى وهدف داعميها من اميركا الى تركيا فالخليج. تنظر إسرائيل بعين الرضى الى كل ذلك. جاء من يحقق لها هدفها الأهم: تفكيك سوريا وتقسيمها وتقطيع أوصالها، ولكن اسرائيل تنظر أيضاً بعين القلق الى التمدد السلفي من سيناء الى سوريا فالأردن والعراق ولبنان.
المنطقة تغلي، ولبنان يبدو هذه الأيام على شفير كل المخاطر. ماذا سيمنع دخول الجيش السوري الى الشمال اللبناني لو تفاقم الخطر؟ مَن سيمنع أطرافاً كثيرة من الإفادة من مناخ التخبط اللبناني لزرع عبوة هنا، وتنفيذ اغتيال هناك وإحداث فتنة بين حين وآخر؟
قد تكون مشكلة الأطراف في سوريا أن كلاً منها يعتقد أن المستقبل لمصلحته. واما مشكلة لبنان فتكمن في أن البلد عاد بقوة الى ساحة صراع الدول على أرضه. وفي صراع كهذا غالباً ما يخسر لبنان. «حزب الله» صامت على مضض، وثمة من يقول: «لا تُحرجوه فتخرجوه». في لعبة الأمم لا شيء محرماً.
4/5/815
https://telegram.me/buratha