الشيخ عبد الحافظ البغدادي
تاريخ الرسالة مليء بقصص المقاومة الجاهلية بألوان شتى ومكائد ودسائس حاول بعضهم بكل وسيلة أن يخذلوا الناس عن الدين الجديد .. وتطورت الوسائل إلى القضاء على الرسول {ص} ودعوته.. استخدمت قريش عدة أساليب عدوانية في هذه المرحلة العلنية. فقد استخدمت أسلوب الحرب النفسية أولا من ضمنها الاضطهاد والإقصاء والشتم والتهديد ، ثم اعتمدت أسلوب المفاوضات محاولة لوي ذراع النبي {ص} وأعمامه الذين يحمونه مرة مباشرة وغير المباشرة، ثم ضربت حصارًا صارمًا على المسلمين... وكلها فشلت ولكنها نجحت في الإعلام , حيث نرى ونقرأ روايات يعتمدها المسلمون عن النبي{ص} وعن القران تتعارض مع شخصيته وكرامته سأتحدث عن قضيتين تتعلقان بحياة النبي {ص} ..الأولى : عن عائلته الخاصة وما جرى عليها من تحريف وإضافات شخصيات أضيفت على هذه العائلة الكريمة ..الثانية : موضوع الانقلاب الذي تعرض له في حياته وبعد وفاته ..موضوع العائلة ...مقدمة لابد منها ,هناك أمور يطرحها الباحثون ، وقلما تتعرض للتحقيق، والتمحيص، فما هو السر في ذلك؟ ولماذا لا يناقش الناس تلك الآراء ويأخذوها من المسلمات رغم إنها لا تقنع المتتبع ، ولا يسندها الدليل ، ولكن تعتمد من البعض رغم وجود المصادر في كتبه خاصة ، ولكنه لم يتراجع عن رأيه ..؟؟؟؟ الجواب هناك أكثر من تفسير لهذه الظاهرة .. لان الموضوع يستهوينا حيث ورثناه من آباءنا وأجدادنا ، ولم نكلف أنفسنا البحث والتقصي عن الحق.. والأخرى إننا حتى لو عثرنا على الحق وعرفناه ، واختلفنا مع تراثنا الذي يتعارض مع شخصية الرسول {ص} أو مع أحكام الإسلام، هذا يعني الطعن باباءنا وأجدادنا .. ونحن عندنا الجانب الاجتماعي اقوي من الإسلام في اغلب الأحيان .... لذلك يرى بعض الباحثين عدم الجدوى في طرح تلك الأمور فائدة أو عائدة، بل رأى أنها أمورٌ جانبية وجزئية ليس لها كبير أثر على الصعيد الواقعي والعملي.وقد تثير الفتنة والفرقة ... كمثال على ذلك ..{ موضوع الهجرة حيث أصبح الخليفة الأول أبو بكر في تراث الإسلام هو صاحب النبي {ص} في الغار يوم الهجرة } في حين هناك روايات تؤكد انه هاجر قبل ذلك اليوم . في البخاري والترمذي وغيره .. ولكنه الصق في الإسلام انه صاحب النبي في الغار,, ومن يبحث في ذلك الموضوع يصبح طائفيا ويروج الفتنة ..!!!! موضوع آخر في العبادات . ورد في أمهات الكتب الحديثية لدى أبناء العامة بما في ذلك (البخاري) و(الموطأ) (واللفظ للبخاري): عن عروة بن الزبير، قال: خرجتُ مَعَ عمر بن الخطّاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوازع متفرّقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاءِ على قارئ واحدٍ لكان أمثل. ثمَّ عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى، والناس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعةُ هذه، والتي ينامونَ عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوَّل الليل والغيت صلاة الليل ...وفي (الموطأ) انَّ عمر قال:«نعمت البدعة هذه».قد يكون السبب في ذلك هو: أنهم ربما تعاملوا معها من موقع الغفلة أو الضعف مقابل القوة فيها،ولكنهم اعتبروها في دائرة اهتماماتهم في الشأن العلمي والديني ، لاعتقادهم: أنها من المسلمات، ...وثمة سبب آخر، وهو الأكثر معروفيه وشيوعاً، وهو اعتقاد: أن إثارة بعض الموضوعات من شأنه أن يخل بالوضع العام، حينما يكون سبباً في إحداث قروح عميقة ومؤلمة في جسم الأمة، ويزرع فيها بذور الحقد والشقاق، ويتسبب في خلخلة العلاقات، ثم في تباين المواقف.مثل الاعتراف بولادة الإمام المهدي{عج} لذلك يسلم الباحث بجلده وسمعته أفضل مما يزج نفسه في مواضيع أصبحت من المسلمات العقائدية .... هكذا ضاعت فرصة المعرفة على المسلمين ، فتركوا البحث في عقيدتهم خوفا على أنفسهم ، ولعدم جدوى البحث .. بعد هذه المقدمات نلج إلى رسول الله{ص} وما كتب عنه التاريخ .. من البديهي أن كثيراً من الحقائق تعرضت لأنواع التحريف لأهداف مختلفة: سياسية، ومذهبية، وفئوية،...وواضح أن تحقيق كل ما يحتاج إلى التحقيق أمر يخرج عن حدود طاقة الإنسان ، وحتى عن حدود طاقة مئات منهم، فلا يمكن أن نتوقع ذلك من أي عالم، مهما بلغ من العلم ودقة الملاحظة، ..وعلى هذا الأساس: نتفهم ما نجده لدى الناس مع ما شاع واشتهر، وإن كان خطأ، اعتماداً على ذيوعه وشهرته والمتتبع للتاريخ يلمس حرصاً ظاهراً من أم المؤمنين، ومن محبيها، على تسطير الفضائل لها، ولو بالإغارة على فضائل غيرها، ونسبتها إليها، كما كان الحال في قضية الإفك, وحديث الغدير والتصدق بالخاتم وعشرات غيره .....هذا بعض ما جرى من تحريف يصعب فك تشابك والآية الكريمة ابتدأت بكلمة "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" ..معنى خلت... يقول الراغب الأصفهاني : الخلاء هو المكان الذي لا ساتر فيه , لا بناء ولا شجر ولا مسكن يسمى خلاء ... ولذلك الخلو يستعمل في الزمان والمكان .. يقول علماء اللغة إذا استعمل الخلو في الزمان يعني ذهب ومضى فهو خالي , {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ}البقرة141.. إذن سنة الحياة خلو الناس زمانا ومكانا من الأرض بسبب الموت .. ولكن هل يعني الخلو من الشيء الاضمحلال النهائي ،؟؟ يعني بالأحرى إذا مات الإنسان انتهى كل شيء عنه ؟. الجواب هذا الأمر له آراء مدارس اجتماعية وكلها تجمع إن الميت له تركه توزع على ورثته .. أما إذا كان ذو موقع اجتماعي أو ديني فله معقبات تترشح على الأمة، يقول رسول الله {ص} " إذا مات المسلم انقطع عمله إلا بثلاث ، ولد صالح يدعو له ، صدقة جارية ، علم ينتفع به " وهذه لها عروق اجتماعية في كل امة .. فكيف إذا كان الميت رسول الله {ص} في احد نزلت هذه الآية وهي فترة حبلى بالحوادث الدينية والسياسية والعسكرية .. وبعد أن انفصم أي تواصل بين المسلمين ومشركي مكة بعد معركة بدر ... معركة احد وتخر صات أعداء الإسلام .عندما جاءت أخبار الحشود القرشية صار في المدينة تياران احدهما التيار المدني (نسبة إلى المدينة) وعلى رأسهم عبد الله ابن سلول هم قسم من الأنصار يدعوا للبقاء في المدينة والدفاع عنها ضد الهجمة القرشية .. أما التيار الآخر كان يدعوا للخروج إلى قريش وقتالها بعيدا عن المدينة وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب ((رض)) وتحت ضغط هذا التيار خرج الرسول {ص}لملاقاة جيش قريش . فدارت معركة أيمانية ضد الكفر تمكن المسلمون منهم استطاع علي بن أبي طالب {ع} قتل حامل لواء قريش فاخذ اللواء شخص آخر فقتله علي{ع} حتى قتل سبعة من فلذات أكباد قريش .. ويحلو للبعض أن يسمي معركة احد " معركة ذوي الرايات " لان عليا قتل جميع حملة الرايات ...وبعد أن استطاع المسلمون قتل الكثير من رجال قريش بدأت علامات الهروب في قريش , عندها حدثت النكسة الأولى لجيش المسلمين وهم عسكريون يفترض أن يكونوا أكثر التزاما بالأوامر من غيرهم .. تركوا مواضعهم طمعا في الغنيمة باعتقادهم إن المعركة انتهت بنصرهم ،واستطاع خالد وعكرمة الانقضاض عليهم فعمت الفوضى جيش المسلمين ,فتمكنت مجموعة من قريش الوصل إلى الرسول {ص} , هنا حدثت النكسة الثانية للمسلمين , وصل جماعة من جيش قريش إلى الرسول الكريم محمد {ص} تفرق عنه من كان محيطا به من المسلمين نتيجة الفوضى فصاح بهم ألي يا فلان ألي يافلان أنا رسول الله فتمكن ابن قمئة الحارثي جرح وجهه الشريف وضربه علة عاتقه المقدس .. هنا كانت بداية النكسة الثالثة .. انطلقت صيحة تقول إن محمدا {ص} قتل هناك عدة روايات تخبرنا عمن صاح هذه الصيحة وأرجح إن ابن قمئة الحارثي هو الذي أطلقها... لا بد أن نبحث عمن أطلق هذه الكلمة ...!!!ولكن ما يهمنا هو ما حدث بعد الصيحة , الروايات تقول إن جميع الصحابة تخلوا عن الرسول{ص} رموا أسلحتهم لاعتقادهم إنه قتل ولم يبقى منهم إلا علي {ع} يذود عنه أمام جيش قريش المكون من ثلاثة آلاف رجل ولا نعلم كيف استطاع علي أن يواجه ثلاثة آلاف مقاتل بكامل عدتهم ولكن التاريخ يقول ان السماء كرمته بالهتاف المعروف " لا فتى إلا علي ، لا سيف إلا ذو الفقار" ولا نعلم أيضا أين ذهب جيش المسلمين المكون من أكثر من سبع مائة مقاتل ..؟؟م وكشفت موقع الرسول (ص) أمام قريش , وقد وصل بهؤلاء الهاربين طلبهم الالتجاء إلى جيش قريش وبدؤوا يتداولون بتوسيط عبد الله ابن سلول ليشفع لهم عند أبي سفيان ويذكر التاريخ منهم عمر بن الخطاب انه هرب من المعركة صاعدا الجبل لايلوي على شيء ..ثم أبو بكر فر مع الفارين وانه تداول مع صحابة آخرين لتوسيط عبد الله ابن سلول ليشفع لهم عند أبي سفيان ...إن معركة احد لم تكن خسارة للمسلمين بقدر كونها درسا لهم يعلمهم الله فيه إن الإيمان وحده لايكفي لربح الحروب بل العمل على الأخذ بالأسباب من الأمور المهمة في الحياة , ودرس يعلمهم فيه إن الاستماع لوصايا الرسول الكريم ((ص)) شيء لا يمكن لهم التغافل عنه ، لأنه ظهر فيه المؤمن الثابت من المهزوز ....وقد وثق القران هذا الموقف في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144,انقلب على عقبيه أي رجع قال الراغب: و رجع على عقبيه إذا انثنى راجعا، و انقلب على عقبيه نحو رجع على حافرته، و نحو ارتدا على آثارهما قصصا، و قولهم رجع عوده إلى بدئه، انتهى حيث جعل الانقلاب على الأعقاب جزاء للشرط الذي هو موت الرسول أو قتله أفاد ذلك أن المراد به الرجوع عن الدين دون التولي عن القتال إذ لا ارتباط للفرار من الزحف بموت النبي {ص} أو قتله، ... إذن النسبة و الرابطة بين موته أو قتله و بين الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان.هو موت النبي أو قتله .. فإذا حصل الأول حصل الثاني ... و يدل على أن المراد به الرجوع عن الدين ما ذكره تعالى في قوله تعالى : {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ } ما وقع في أحد من فرارهم من الزحف و توليهم عن القتال تحقق في غيره كغزوة حنين و خيبر و غيرهما و لم يخاطبهم الله بمثل هذا الخطاب و لا عبر عن توليهم عن القتال بمثل هذه الكلمة قال تعالى: «و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت »: البراءة - 25، إذن المراد بالانقلاب على الأعقاب الرجوع إلى الكفر السابق..فمحصل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب و التوبيخ: أن محمدا {ص} ليس إلا رسولا من الله مثل سائر الرسل، ليس شأنه إلا تبليغ رسالة ربه لا يملك من الأمر شيئا، و إنما الأمر لله و الدين دينه باق ببقائه، فما معنى اتكاء إيمانكم على حياته حيث يظهر منكم أن لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين، و رجعتم إلى أعقابكم القهقرى و اتخذتم الغواية بعد الهداية؟.هذا السياق أقوى شاهد على أنهم ظنوا يوم أحد أن النبي{ص} قد قتل فانسلوا عند ذلك و تولوا عن القتال، فيتأيد بذلك ما ورد في التاريخ - كما في ابن هشام في السيرة -: أن أنس بن النضر - عم أنس بن مالك - انتهى إلى عمر بن الخطاب و طلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين و الأنصار - و قد ألقوا بأيديهم - فقال: ما يحبسكم؟ قالوا: قتل رسول الله قال: فما ذا تصنعون بالحياة بعده؟ فموتوا على ما مات عليه رسول الله، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل. بالجملة فمعنى هذا الانسلال و الإلقاء بالأيدي: أن إيمانهم إنما كان قائما بالنبي {ص} يبقى ببقائه و يزول بموته، و هو إرادة ثواب الدنيا بالإيمان و هذا هو الذي عاتبهم الله عليه، و يؤيد هذا المعنى قوله بعده: و سيجزي الله الشاكرين، فإن الله سبحانه كرر هذه الجملة في الآية التالية بعد قوله: و من يرد ثواب الدنيا نؤته منها و من يرد ثواب الآخرة نؤته منها، فافهم ذلك.و قوله: و سيجزي الله الشاكرين، بمنزلة الاستثناء مما قبله على ما يعطيه السياق، و هو الدليل على أن القوم كان فيهم من لم يظهر منه هذا الانقلاب أو ما يشعر به كالانسلال و التولي و هم الشاكرون.و حقيقة الشكر إظهار النعمة كما أن الكفر الذي يقابله هو إخفاؤها و الستر عليها، و إظهار النعمة هو استعمالها في محلها الذي أراده منعمها و ذكر المنعم بها لسانا وعملا.....قصة وفاة الرسول(ص)...كان مما أكد النبي {ص} لأمير المؤمنين {ع} من الفضل ورتبته ما تلا حجة الوداع من الأمور المجددة لرسول {ص} والأحداث التي اتفقت بقضاء الله وقدره ، وذلك أنه تحقق من دنو أجله ما كان قدم الذكر به لامته ، فجعل عليه السلام يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده ، والخلاف عليه ، ويؤكد وصايتهم بالتمسك بسنته والإجماع عليها ، والوفاق ، ويحثهم على الاقتداء بعترته ، والطاعة لهم ، والاعتصام بهم في الدين ، ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد ، وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق واجتماع قوله : يا أيها الناس إني فرطكم ، وأنتم واردون علي الحوض ، ألا وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني ، وسألت ربي ذلك فأعطانيه ، ألا وإني قد تركتهما فيكم : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فلا تسبقوهم فتفرقوا ، ولا تسبقوهم فتفرقوا ، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار ، ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي ، يقاتل بعدي على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله " فكان صلى الله عليه وآله يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه ، ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الآمرة ، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم ، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين و الأنصار في معسكره ، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة ، و يطمع في التقدم على الناس بالإمارة ، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع ، وجد في خراجهم وأمر أسامة بمعسكره إلى الجرف ،
فبينما هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها ، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع ، فقال للذي اتبعه : إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع ، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم ، و قال : " السلام عليكم أهل القبور ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها " ثم استغفر لأهل البقيع طويلا ، وأقبل على أمير المؤمنين عليه السلام فقال : " إن جبرائيل عليه السلام كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة ، وقد عرضه علي العام مرتين ، ولا أراه إلا لحضور أجلي ثم قال : " يا علي إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة ، فاخترت لقاء ربي والجنة ، فإذا أنا مت فاستر عورتي فانه لا يراها أحد إلا أكمه " ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا ، ثم خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين عليهما السلام بيمنى يديه ، وعلى الفضل بن عباس باليد الأخرى ، حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال : " معاشر الناس وقد حان مني خفوق من بين أظهركم ، فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها ، ومن كان له علي دين فليخبرني به ، معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا ، أو يصرف عنه به شرا إلا العمل ، ولو عصيت لهويت اللهم هل بلغت . ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ، ثم دخل بيته وكان إذا ذاك في بيت أم سلمه رضي الله عنها ، واستمر به المرض فيه أياما وثقل ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلى الله عليه وآله مغمور بالمرض ، فنادى : الصلاة يرحمكم الله ، فأؤذن رسول الله بندائه ، فقال : يصلي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر ، وقالت حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله{ص} حين سمع كلامهما ورأى حرص كل واحد منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله حي : " اكففن فإنكن صويحبات يوسف " ثم قام مبادرا للصلاة خوفا من تقدم أحد الرجلين ، وقد كان أمرهما بالخروج مع أسامة ولم يك عنده أنهما قد تخلفا ، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره ، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة ، فقام {ص} وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف ، فأخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن العباس ، فاعتمد عليهما و رجلاه يخطان الأرض من الضعف ، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه ، فتأخر أبوبكر ، وقام رسول الله {ص} فكبر وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبوبكر ، ولم يبن على ما مضى من فعاله ، فلما سلم انصرف إلى منزله ، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد من المسلمين ثم قال : " ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة ؟ " فقالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " فلم تأخرتم عن أمري ؟ " قال أبوبكر : إني كنت قد خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا ، وقال عمر : يا رسول الله إني لم أخرج لاننى لم أحب أن أسأل عنك الركب ، فقال النبي {ص} " نفذوا جيش أسامة نفذوا جيش أسامة " يكررها ثلاث مرات ، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف فمكث هنيئة مغمى عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه و ولده ونساء المسلمين وجمع من حضر من المسلمين فأفاق رسول الله {ص} فنظر إليهم ثم قال : " ايتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " ثم أغمي عليه ، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا ، فقال له عمر : " ارجع فإنه يهجر " فرجع وندم من حضر على ما كان منهم من التضجيع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم ، وقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما أفاق صلى الله عليه وآله قال بعضم : ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله ؟ فقال : " أبعد الذي قلتم ؟ لا ، ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا " وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا ، وبقي عنده العباس والفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة ، فقال له العباس : يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقرا من بعدك فبشرنا وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا ، فقال : أنتم المستضعفون من بعدي ، وأصمت ، فنهض القوم وهو يبكون قد يئسوا من النبي {ص} ، فلما خرجوا من عنده قال{ص} ردو علّي أخي وعمي العباس فأنفذوا من دعاهما فحضرا ، فلما استقر بهما المجلس قال {ص} " يا عم رسول الله تقبل وصيتي ، وتنجز عدتي ، وتقضي ديني ؟ " فقال العباس : يا رسول الله عمك شيخ كبير ، ذو عيال كثير ، وأنت تباري الريح سخاء وكرما ، وعليك وعد لا ينهض به عمك ، فأقبل على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له : " يا أخي تقبل وصيتي ، وتنجز عدتي ، وتقضي عني ديني ، وتقوم بأمر أهلي من بعدي ؟ " فقال : نعم يا رسول الله ، فقال له : ادن مني ، فدنا منه ، فضمه إليه ، ثم نزع خاتمه من يده فقال له : خذ هذا فضعه في يدك ، ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته فدفع ذلك إليه ، والتمس عصابة كان يشدها على بطنه إذا لبس سلاحه وخرج إلى الحرب فجئ بها إليه فدفعها إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال له ، امض على اسم الله إلى منزلك ، فلما كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في مرضه ، وكان أمير - المؤمنين {ع} لا يفارقه إلا لضرورة ، فكان يلازمه كظله ، فإنه لا يريد غيره ، فدنا منه أومأ إليه ،فناجاه ثم قام فجلس ناحية حتى اغفي رسول الله ثم خرج فقال له الناس : ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن ؟ فقال : علمني ألف باب من العلم ، فتح لي كل باب ألف باب ، وأوصاني بما أنا قائم به إنشاء الله تعالى ، ثم ثقل وحضره الموت وأمير - المؤمنين {ع} حاضر عنده ، فلما قرب خروج نفسه قال له : " ضع يا علي رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر الله تعالى ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري ، وصل علي أول الناس ، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن بالله تعالى " فأخذ علي عليه السلام رأسه فوضعه في حجره ،فأغمي عليه ، فأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله صلى الله عليه وآله عينه وقال بصوت ضئيل : يا بنية هذا قول عمك أبي - طالب لا تقوليه ، ولكن قولي : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه ، فدنت منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها له ،ثم وضع عليُ{ع} فمه على فم رسول الله ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته ... وهو يقول عظم الله لكم الأجر ..مات رسول الله .......
https://telegram.me/buratha