صوت مجلس النواب قبل ايام على مشروع قانون مجلس القضاء الاعلى واستبشر الجمهور الحقوقي خيرا بهذا الخبر، لأنه يعد مسعى تجاه بناء مؤسسات الدولة على وفق مقتضى المبادئ التي وردت في دستور العراق لعام 2005، إلا ان ما عكر صفو هذه البشرى النقص التشريعي الذي اعتراه وان كانت من الامور التي ترد في صياغة التشريع واوجد لها فقه القانون الدستوري مسمى نظرية الاغفال التشريعي، لكن نقص المشروع كان في بنيوية النص بمعنى اغفال مكون من مكونات السلطة القضائية وتجاوز على الاختصاص النوعي للعمل القضائي مما يجعل منه ناقص التكوين ويشكل محلا للجرح والإبطال عند الطعن فيه.وارى بان مواطن الخلل فيه على وفق الاتي:ـ
1. وجدت ان من المهام التي يتولاها مجلس القضاء الاعلى اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها على وفق حكم الفقرة (ثالثا) من المادة (91) من دستور العراق لعام 2005 التي كانت من بين الاسباب الموجبة لتشريع ذلك القانون وذكر هذا الاختصاص في صلب مشروع القانون على وفق حكم الفقرة (ثانيا) من المادة (3) وعند النظر في هذا الاختصاص نجده يشير الى ميزانية عموم السلطة القضائية وليس مجلس القضاء الاعلى الذي يشكل احد فروع السلطة القضائية المشار اليها في المادة (89) من الدستور كما نجد ان المشروع تضمن من بين تشكيلات المجلس وأعضائه جميع الفروع التي اشار اليها نص المادة (81) من الدستور باستثناء المحكمة الاتحادية العليا التي تشكل الفرع الاخر من تشكيلات السلطة القضائية حيث خلا المشروع من ذكر لها في احكامه وبما انه يقدم مشروع الموازنة لعموم السلطة فكيف للمحكمة الاتحادية العليا ان تقدم موازنتها التي تستقل بها عن المجلس على وفق حكم الفقرة (اولا) من المادة (92) من الدستور التي جاء فيها (المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً) وهذا النقص في المشروع يعد نقصاً جوهريا فات على مجلس النواب الالتفات اليه، لان الميزانية لا يستطيع مجلس القضاء تقديمها دون حضور المحكمة الاتحادية في تشكيله وتكوين بنيته وهو مما يدعو الى الاعتقاد بحتمية الطعن فيه تجاه هذا المورد.
2. كما وجدت ان المشروع وردت فيه مخالفة صريحة لقواعد الاختصاص النوعي للقضاء حيث يعلم الجميع ان القضاء من حيث الاختصاص يكون على عدة انواع منها الاختصاص المدني (الحقوقي) ويدخل في مفهومه محاكم البداءة والأحوال الشخصية والاستئناف ومحاكم العمل وغيرها من المحاكم المدنية واختصاص اخر هو الاختصاص الجنائي (الجزائي) ويضم محاكم التحقيق والجنح والجنايات وهذا النوع لا يتعامل إلا مع الافعال التي يعدها المشرع جرائم ويرتب لها عقوبة ويدخل في مفهومها العقوبات الانضباطية التي تفرض على العاملين في مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة القضائية اذ حدد نص المادة (6) من مشروع القانون لجنة تعنى بالشؤون الانضباطية للقضاة على وفق النص الاتي: (ينتخب المجلس في بداية كل سنة لجنة ثلاثية من بين أعضائه للنظر في الامور الاتية:-أ- الدعاوى المقامة من القضاة وأعضاء الادعاء العام عن حقوقهم المهنية. ب- المخالفات الوظيفية المنسوبة للقضاة وأعضاء الادعاء العام في المحاكم الاتحادية وفرض العقوبات المنصوص عليها في قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 وقانون الادعاء العام رقم 159 لسنة1979 أو أية قوانين تحل محلهما) وهذه اللجنة تنظر بنوعين من الاختصاص الاول المتعلق بالحقوق والامتيازات المتعلق بالقضاة الناشئة عن حقوقهم المهنية وهذه ذات طابع حقوقي مدني والأخرى تتعلق بالعقوبات الانضباطية وهذه تشكل اختصاصا جزائيا، لأنه يتعامل مع عقوبات تفرض على القضاة، وبما ان حق الطعن مكفول للقضاة فان من صدر بحقه قرار يتعلق بالجانب المدني يكون محل الطعن هو الهيئة المدنية في محكمة التمييز على وفق حكم البند (ج) من الفقرة (اولا) من المادة (13) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل الذي جاء فيه الاتي (جـ - الهيئة المدنية – وتختص بالنظر في الاحكام والقرارات الصادرة في الدعاوى المدنية والمواد المتفرقة الاخرى الصادرة وفقا لاحكام القانون)، اما اذا تعلق بالجانب الجزائي فانه يفترض ان تنظره الهيئة الجزائية في محكمة التمييز على وفق حكم البند (و) من الفقرة (اولا) من المادة (13) من قانون التنظيم القضائي الذي جاء فيه الاتي (و - الهيئة الجزائية – وتختص بالنظر في الاحكام والقرارات الصادرة في الدعاوى الجزائية وفقا لاحكام القانون) إلا ان مشروع قانون مجلس القضاء الاعلى محل البحث قد خالف قواعد الاختصاص القضائي اعلاه حينما جعل الطعن في جميع قرارات اللجنة الثلاثية الانضباطية المشار اليها في المادة (6) الملمع عنها لدى الهيئة المدنية الموسعة، اذ اعطى للهيئة المدنية حق النظر في الطعن الجزائي وهذا على خلاف ما جاء في حكم المادة (87) من الدستور التي اوضحت ان المحاكم على درجات وأنواع وعلى وفق النص الاتي (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون) فضلا عن سائر المواد التي حددت الاختصاص النوعي للقضاء الدستوري والعسكري والإداري، ومن نتائج هذا الاغفال التشريعي تجاه الاختصاص ان القرارات المتعلقة بالجانب الجزائي اذا ما نظرتها الهيئة المدنية فان قرارها يلحقه عيب الاختصاص النوعي الذي يجعله بحكم القرار المعدوم وندخل في منطقة الفراغ التشريعي.
ومما تقدم اجد ان علامات الاستبشار بإكمال بناء مؤسسات الدولة قد تلاشت بعد صدور قانون موصوف بالعوز الدستوري الذي يسعفه للصمود تجاه امكانية الطعن فيه بعدم الدستورية وكنا نتمنى على مجلس النواب اشراك المؤسسة القضائية او جمعية القضاء وحتى القضاة من منتسبي السلطة القضائية في مناقشات كتابته قبل التصويت عليه لتدارك ما وقع فيه والأمل مازال قائما تجاه اصلاح الخلل وإكمال النقص عبر الطرق القانونية والدستورية ولمجلس النواب الدور الفاعل في ذلك.
2/5/13128
https://telegram.me/buratha