مرة، عندما كنا في زمن الطهر ننشد أغاني الحرية قال لي صديق: لم أنت وصاحبك سيد محسن تكرهون صدام؟..وهل فعلا تعتقدون أن بالإمكان تغييره؟..وإذا تم تغييره ما البديل..؟!..(سيد محسن كان أول من دلني على طريق الحرية، لكنه تركني وذهب الى النجف الأشرف خلف المغتسل القديم بحوالي 50 متر وفي رقبته حبل مشنقة)..!
الحقيقة كان صديقنا على حق فيما سأل، فعقله وحدود تصوره توقفا عند هذا الحد..حد أن لا بديل لصدام..سألته حينها: أليس صدام طاغية؟..أجابني: طبعا..هو طاغية وقاتل..!قلت له إذن بديله هو من ليس بطاغية..!.."صفن" صديقي لحظات، ثم أفاق عن "صفنته"متسائلا: مثل من؟..قلت له: مثلك أنت!..
مثل هذا السؤال الأجوف يتكرر اليوم على ألسن الكثيرين: ما هو البديل؟ أي البديل لأي مسؤول حكومي ولأي مستوى..
وبغض النظر عن حقيقة كون صدام من زمرة“الأشرار” وليس بالإمكان حشره في صف “الأخيار”، إلا أنه كان شخصية أكبر من حقيقته، الشيء الذي جعل تفكير كثير من العراقيين سيما غير المشتغلين بالحقل السياسي لا يتصورون بديلا له...وحينما يطرح مثل هذا السؤال: ما البديل؟ كانت الإجابة بحاجة الى خيال جريء يقرأ ما وراء فهم السائل...وحتى حينما يتوفر مثل هذا الخيال كانت ألإجابة تنتهي الى مثلما أجبت صديقي في أحسن الأحوال..!
كان سؤال ما هو البديل لا تخرج إجابته إلا من جوف النظام القائم..فالرئيس هو إما صدام، وإما شخص يشبهه من بين أعوانه، وهذا غير موجود على الإطلاق..!.
منهجية السياسة عندنا هنا في العراق، وفي الشرق عموما تبنى دوما على الشخصيات، أكثر من أن تبنى على التقاليد والمؤسسات. وما زالت السياسة مثقلة بتقليد "بالروح بالدم نفديك يا زعيم"، هذا التقليد الذي ورثناه من تراثنا بالدعاء للأمير في ختام صلاتنا الجامعة..وهو ذاته التراث الذي يعتبر الأوضاع القائمة مجدا قائما بذاته، وأن ليس بالإمكان أحسن مما كان، بعملية استخلاف محدودة الرؤى والخيارات، يا أرنب يا أرنب..!
ومع أننا جميعا نعي بأن المجتمعات التي تربط مستقبلها بالأشخاص، غير قادرة على حمل رسالة حضارية من أي نوع، إلا أن حكاية ليس بالإمكان أحسن مما كان، ما زالت تمسك بتلابيب مستقبلنا ولا تعطينا غير الأرانب..!..
وكي نتخلص من عقدة سؤال ما البديل؟ يتعين أن نفهم أن اختيار من نوليه أمورنا، هي عملية تجديد حيوية نصلها بالنزوع نحو خيار شروط المدافعة، تلك الشروط التي كان القرآن الكريم واضح جدا في إيصالها لعقولنا نصا صريحا: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض". وما دمنا نؤمن بالقرآن جملة وتفصيلا وليس إجتزاءا على طريقة ولا تقربوا الصلاة، حقيق بنا أن ننظر الى هذا الأمر كتكليف لا ينبغي أن يعامل بخفة واستهانة، بل يجب أن ينظر إليه بالجدية الخليقة بشعب يطمح إلى النهوض بعد الإنعتاق.
وأنه لأمر محتوم علينا كي نتخلص من حكاية يا أرنب يا أرنب..! أن نبذل جهدا تربويا عظيما تنساق فيه الآراء والمواقف والبرامج إزاء كل قضايا حياتنا السياسية، ونشخص مشكلاتنا، ونتداول الرأي حول معالجاتها. بعملية تعبئة سياسية اجتماعية، تمكننا بالنهاية من تجديد النظر في ذاتنا وتنمية وعينا وتعزيز قيمنا.
جانب من جوانب العملية ألانتخابية يصب في تمريننا التربوي الذي ذكرته...فهي جهد يحرك المجتمع ويقلب البحث في طياته عن الذين يستطيعون تجديد الحياة في أوصالنا بدلا من القصة المعادة: تريد أرنب خذ أرنبا، تريد غزالا خذ أرنبا..!.
كلام قبل السلام: التفكير لا ينشا إلا إذا وجدت مشكلة ....!
سلام.....
https://telegram.me/buratha