حسن الهاشمي
الأموال نعمة ينبغي أن نشكر الله تعالى عليها ونتصرف بها بحكمة حسب ما تمليه الاحتياجات المادية والمعنوية التي تشكل جوهر وجود الإنسان، فحسن التصرف بالأموال هو فن راق لا يجيده كل شخص، ربما يحصل الإنسان على ثروة عظيمة ولكن بسوء تصرفه تسوقه تلك الأموال إلى الهلكات بدلا من أن يتمتع بها في الخيرات.الكثير منا لا يعرف قدر الأموال لا سيما التركة التي يحصل عليها الإنسان من مورثه، ينقل في عهد افلاطون إن شابا قد حصل على ثروة عظيمة من والده، ولكن هذا الشاب قام بتبديد نصف تلك الأموال في غضون سنتين بأمور تافهة، وساقته تلك الأموال في متاهات الضلال والانحراف وشماتة الأهل والأصدقاء، ولان أفلاطون تربطه مع أبيه صداقة وثيقة، جاءه يوما مبديا له بعض النصائح قائلا: بني أحفظ ما تبقى من المال، واعلم إن تلك الأموال لم تحصل عليها من كد يمينك وعرق جبينك، حيث وصلت إليك عن طريق الإرث، ولهذا لا تعرف قدرها ولا تصون حرمتها، والحقيقة التي لا مناص منها ينبغي أن تعرف إن تحصيل الأموال صعب ومشكل في آن واحد، ومثله كمثل الذي يحاول جاهدا إيصال صخرة مدورة كبيرة من أسفل الجبل إلى قمته بمفرده!! هذا بخلاف التصرف بالمال فهو من السهولة بمثابة دحرجة تلك الصخرة المدورة من أعلى القمة إلى السفح!! ولهذا حافظ على ما تبقى لديك من المال من إرث أبيك واصرفه بحكمة وترو بما يؤمن لك ولمن حولك من سعادة ورخاء ورضا، وفي الوقت نفسه حافظ على ما تبقى من ماء وجهك أمام أهلك ومعارفك، وإذا أخذت بهذه النصائح الأبوية فبها ونعمت، وإذا لم تأخذ بها ستعض النواجذ ندما على ما فعلت ولات حين مندم. ولعل الذي يتصرف بحكمة في صرف الأموال على العيال وتبديد الفائض على المقال هو الذي يتلذذ بصرفها وهو الذي يعيش تلك السعادة البدنية والروحية التي طالما يفتقدها الماديون في الحياة، ولهذا فإن القرآن الكريم قرع آذاننا مرارا: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ. (فاطر - الآية - 29 ). التجارة مع رب العالمين تختلف اختلافا جوهريا مع التجارة مع الناس العاديين، فأين اللامحدود من المحدود وأين الذي لا يزيده كثرة العطاء إلا جودا وكرما من الذي تنقص أمواله من العطاء؟! وأين الخالق المدبر من المخلوق الضعيف؟! حقا إن التجارة مع الذي لا تنقص خزائنه مربحة دائما وباقية أزلية ينعم تاجرها بنعيم وارف الظلال في الدنيا والآخرة بخلاف تجارة المحتاجين إضافة إلى إن أرباحها محدودة فإنها محفوفة بالمخاطر والمشاكل والتعب والنصب واللغوب.الإنفاق بشقيه الواجب والمستحب يصقل الإنسان ويجعله كتلة ملتهبة من العواطف والتراحم والتوادد تسود بين أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه، وموارده كثيرة متشعبة ومدياته ومعطياته عظيمة تحل عديد المشاكل التي تواجه الفقراء، وما الحث الإلهي لإحياء هذه الشعيرة وما ينتظره المعطي من عطاءات أزلية مقابل دريهمات زائلة إلا لتوكيد فضل الله تعالى على عباده من جانب، وإقامة مجتمع متماسك يعيش أفراده حالة التكافل والتراحم وحفظ الكرامة والشخصية والحقوق من جانب آخر.لذلك فإن الله تعالى صنف الإنفاق إلى قسمين الأول سري وهو الذي يعطى للأفراد المحتاجين شريطة أن يحافظ الغني على ماء وجه الفقير ليأخذ تلك الأموال المودعة من قبل الله تعالى بيد الغني وهو في كامل إنسانيته وكرامته وإباءه وشموخه، والثاني علني وهو الذي يشمل بذل الأموال لإنشاء المشاريع الخيرية وبناء المؤسسات التربوية والخدمية والنفعية لتقديم الخدمات المتنوعة لكافة شرائح المجتمع ولاسيما أصحاب الدخول المحدودة، وهذا النوع من الإنفاق لا يتطلب السر بل العلن؛ لحث وتشجيع الأغنياء الآخرين على البذل والعطاء.الإنسان مثلما يفكر في أهله وأطفاله وعشيرته بأن يغدق عليهم بالعطاء والإنفاق عليه أن يفكر بدائرته الأوسع جيرانه ومعارفه وأهل جلدته ووطنه أن يبدد ما فضل من أمواله في أوساطهم، لكي يرسخ حالة الرأفة والرحمة في قلبه أولا وردم هوة الطبقات بين أفراد المجتمع الإنساني ثانيا وتعرض أمواله وعياله ونفسه لنفحات البركة والرحمة الإلهية ثالثا، حقا إن الإنفاق وبكلا شقيه مطلوب وهو تجارة مربحة وفي كافة جوانبها المادية بما تحمل على المعطي من بركات ودفع بلاء وتيسير أمور وإطالة عمر، وكذلك بما تضخ المجتمع من أمور معنوية من قبيل التكافل والتراحم والتوادد والأهم من ذلك كله فضل ورحمة وبركات رب العالمين التي تشمل هكذا مجتمع متآلف ومتآخي ومتآزر، وذلك هو الفوز العظيم.
https://telegram.me/buratha