حسن الهاشمي
للأخوة معنيان عام وخاص، العام يشمل الأخوة في الدين، والخاص يشمل الأخوة في النسب، وكلاهما قد حظي من قبل الإسلام بأهمية بالغة لتوثيق عرى التآلف بين أفراد المجتمع الإنساني، وكلمة الأخ مأخوذة عندما يداهم أحدنا الخطر فإن أول كلمة تخرج منه كلمة آخ، كإنما هي للتوجع والاستنجاد في آن واحد، فالأخوة بمعناها الشامل تحرض الآخرين على التعاون والإيثار والمواساة والتكافل والتحابب والرأفة والتعاطف والاحترام، وهكذا أطلق الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كلمته الخالدة في حفظ الحقوق: الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، والأخ والنظير يجب أن تحترمهما وتتعامل معهما بلطف بما يحقق العدالة في توزيع الأدوار وإعطاء كل ذي حق حقه من دون استحقار أو تهميش لأحد بسبب انتماء أو توجه أو اعتقاد.الإسلام دين التآخي والتآلف، يُقدم المثل الصالح في نسج علاقات تقوم على الأخوة الصادقة، فكل إخلال بها سوف ينعكس سلبا على رابطة الإخاء ويحقق علاقة غير سليمة بين الطرفين، بل مشحونة بروح العداء وتؤدي إلى القطيعة والجفاء، وضرب لنا الرسول الأكرم المثل الأعلى في مراعاة حقّ الإخوان، كان إذا فقد الرّجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده. وللإمام علي عليه السلام وصية ذهبية في هذا المجال، يقول فيها: لا تُضيّعنّ حقّ أخيك اتكالاً على ما بينك وبينَهُ، فإنَّهُ ليسَ لك بأخٍ مَنْ أضعت حقَّهُ. وللأخ أيضاً حق الإكرام، فمن أكرمه حصل على رضا الله تعالى، وينبغي قضاء حاجته، فقضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين.وبلغ السمو السلوكي لأهل البيت عليهم السلام، في تقدير حق الأخوّة، درجة بحيث أن الإمام الباقر عليه السلام، سأل يوماً أحد أصحابه ـ سعيد بن الحسن ـ قائلاً: أيجيء أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه، فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا، فقال أبو جعفر: فلا شيء إذاً، قلت: فالهلاك إذاً، فقال: إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد، فالدين الإسلامي لم يبن على الأحلام الوردية والعبارات المعسولة في العلاقات الاجتماعية، وإنما بني على الفعل والتحقق على أرض الواقع بما يمتن العلاقات ويرفع الغبن ويعطي حقوق الجميع دون منقصة ودون تعد على حقوق الغير، فالعلاقة الأخوية إذا بلغت ما قاله الإمام عليه السلام من أن يأخذ الإنسان ما يحتاجه من جيب أخيه دون أن يسأله فهي علاقة الذروة في الأخوة والتواصل والتكافل، ربما لم نصل إليها نحن بعد، حيث إنها بحاجة إلى رياضة نفسانية تقوائية غير متوفرة في الكثير منا، ولكنها تبقى الحالة الأمثل في تكوين المجتمع المتماسك والمجتمع الذي يقوم على أساس الأخوة الصادقة.وقدم لنا أهل بيت العصمة مقاييس معنوية نحدد من خلالها مدى تعظيم الأشخاص لدين الله تعالى، ومدى قربهم وبعدهم عنه، ومن هذه المقاييس حق الإخوان، قال الإمام الصادق: من عظّم دين الله عظّم حق إخوانه، ومن استخفَّ بدينه استخفَّ بإخوانه، وعن الإمام العسكري: وأعرف النّاس بحقوق إخوانه، وأشدّهم قضاءً لها، أعظمهم عند الله شأناً.وأخيرا وليس آخرا نسرد قصة تؤكد على حاجة الإنسان إلى أخيه لا سيما النسبي لأنه ظهره الذي يشد به أزره وفخره الذي يتباهى به أمام خصمه وعونه الذي يحتاجه وقت الشدائد والمحن والبلاءات، حكي إن لقمان الحكيم قدم من سفره فلقى غلاما له فقال: ما فعل أبي؟ قال: مات، قال: ملكت يا مولاي أمري.فما فعلت أمي؟ قال: ماتت، قال: ذهب همي.قال: فما فعلت أختي؟ قال: ماتت، قال: سترت عورتي.قال: ما فعلت امرأتي؟ قال: ماتت، قال: جدد فراشي.قال: فما فعل أخي؟ قال: مات، قال: آه الآن انقطع ظهري.
https://telegram.me/buratha