حسن الهاشمي
أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا - فاطر - الآية - 44إن الله تعالى يمهل ولا يهمل، ولا تجد لسنة الله تبديلا أو تحويلا، هذه السنة تشمل جميع الأقوام السابقة واللاحقة فإن الله تعالى يبشرههم بهدايته وما يترتب عليها من نعم وينذرهم بعقابه وما يتحتم عليها من نقم، تعم تداعياتها ليس في الدنيا فحسب بل الآخرة وما تشمله من نعيم أزلي للطائعين وعذاب أزلي للعاصين لهم بالمرصاد.هذه آثار الأمم السابقة من أقوام عاد وثمود ونمرود وفرعون وغيرهم من الطغاة كيف دمر الله تعالى حصونهم وقصورهم ومزارعهم ومواشيهم وما كانوا يملكون من نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى وبدلا من شكر المنعم قاموا بكفران النعمة ومعصية الخالق فحق عليه إنزال العذاب بساحتهم ولكن بعد إمهالهم وإلقاء الحجج والبراهين عليهم، والسؤال الذي يطرح هنا بقوة، كيف يتعرف اللاحقون بعذاب الأقوام السابقين؟! إنهم يتعرفون على ذلك من خلال مطالعة تواريخ الأمم والشعوب أو عندما يمرون على صروحهم وآثارهم في تجارتهم وسفرهم، فقد كانوا الأقوام السالفة أشد قوة من كفار مكة، فماذا كانت نتيجة كفرهم وتكذيبهم؟ لقد دمرهم الله سبحانه بذنوبهم، والله تعالى قدير لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، فليأخذوا عبرة مما حدث لمن قبلهم.والله سبحانه لا ينزل عقابه فورا على العاصين والظالمين، ولو كان هذا شأنه لما بقي حي على وجه الأرض، ولكن من رحمته تعالى أنه يؤخر العذاب إلى وقت يعلمه هو ليكون أمام الناس فرصة للتوبة والإنابة والإقلاع عن المعاصي، فإذا حل وقت الحساب فالله سبحانه بصير بأعمال عباده، ولذلك يجازيهم عليها بعلمه جلت قدرته، سواء ما عملوه في السر أو في العلن.وهكذا تتجلى قدرة الله تعالى بالانتقام من الظالمين قديما وحديثا في الدنيا وما ينتظرهم من العذاب في الآخرة أشد وأخزى، يلهم جميع المكلفين بشكر المنعم والسير نحو الهداية والإصلاح والتكامل لما فيه منفعة تعم المجتمع الملتزم، ولو إن أهل القرى آمنوا لأكلوا من فوق أيديهم ومن تحت أرجلهم ولصبت عليهم بركات الأرض والسماء صبا، هذا ما تسعى إليه جميع الأديان السماوية ولاسيما الإسلام الذي يحث دائما وأبدا لسلوك الطريق القويم وما عداه من الطرق تفرق بنا ذات اليمين وذات الشمال ومآلها لا محالة إلى الخسران المبين.وفي خضم هذا البحر المتلاطم فإن الإنسان المؤمن يتوخى رحمة الله تعالى في انتشاله مما هو فيه من زلات ومطبات قد تبعده عن طريق الهدى، فهو بين الخوف والرجاء، الخوف من عذاب الله الواصب والرجاء من رحمته التي وسعت كل شيء، ولكنه بالرغم من ذلك فإنه يعلم إن رحمة الله سبقت غضبه، وهو تعالى للأوابين غفور رحيم، وجميل ما قاله الشاعر:إن كان لي ذنب فلي حرمة*** والحق لا يدفعه الباطلوحرمتي أعظم من زلتي*** لو نالني من عدلكم نائلولي حقوق غير مجهولة*** يعرفها العاقل والجاهلوكل إنسان له مذهب*** وأهل ما يفعله الفاعلوسيرة الأملاك منقولة*** لا جائر يحفى ولا عادلوقد تعجلت الذي خفته*** منك ولم يأت الذي آملوالبيت الأخير من الشعر يتضمن مبدأ الخوف والرجاء، إذ إن الخوف من الله تعالى يبقى هو الشغل الشاغل للإنسان المؤمن، وإذا هم بمعصية فهي مشوبة بذلك الخوف الذي لا يزال يلاحق رجاء رحمة الله تعالى بالمؤمنين لينتشلهم مما هم عليه من زلات قد تبدر منهم بين الفينة والأخرى، هذا بخلاف المعاند الذي هو بعيد عن رحمة الله وبذلك فهو مستحق للعذاب ولو بعد حين.
https://telegram.me/buratha