قبل أسبوعين تقريبا كنت قد أشرت الى أني سأكتب في موضع شائك، وقلت في حينها أني سأواجه مشكلات بسبب تناولي إياه، فبعض العقول تعتقد أن ثمة مساحات حمراء لا يجب الوقوف عليها..
ما من شك في أن رؤساء القبائل والعشائر شخصيات إجتماعية مهمة، وتتأتى أهميتهم من أنهم يترأسون لحمة إجتماعية قائمة على علاقة الدم فقط، وهذه العلاقة تحصر الإرتباط العشائري في حدود ضيقة خاصة بنمط هذه العلاقة وليس سواها، كما أن القبيلة ككيان مجتمعي لا تتوفر على برامج غير البرنامج التكافلي المتوارث، صحيح أن القبائل كان لها دور في رسم خارطة الحياة السياسية في العراق، لكن هذا الدور كان بلحاظ أمرين، الأول يتعلق بأدوات الإنتاج القبلي وهي الزراعة والرعي، وكان للقبيلة موطن تمارس فيه نمط إنتاجها هذا، وأن الأمر يتطلب حماية هذا الموطن من تعديات الغير. والثاني أن نظام الحكم كان ضعيفا وليس له سلطان على القبائل بشكل مقونن، ولذلك كانت السلطة للقبيلة على أبنائها..
في عصر ما قبل الدولة لم يكن بيد الأفراد إلا اللجوء الى قبائلهم لإستحصال حقوقهم، وغالبا ما كانت القوة هي الخيار الأول في إسترجاع تلك الحقوق..ولذلك ساد مفهوم مجتمعي مؤداه أن قوة الفرد من قوة قبيلته، وبتنا نسمع أن هذه القبيلة قوية، وتلك القبيلة ليست كذلك..
لكن وبتغير أنماط الإنتاج وأدواته، ونشوء نظام حكم قوي وتأسيس مفهوم الدولة، تراجعت سلطة القبيلة، وانحصرت في الشؤون التكافلية والعلاقات الاجتماعية، ووفقا لهذا الواقع إنحسر دور رؤساء القبائل ، وتراجع تأثيرهم في رسم مستقبل الحياة السياسية الى حد كبير، وأقتصر في أغلب الأحيان على الوجاهة والأمور المراسمية..
في الدولة العصرية نمت مفاهيم لم تكن سائدة في مجتمعنا، وشيئا فشيئا حل مفهوم المواطنة الدستورية، محل الهويات الأخرى التي نشأت قبل قيام الدولة، صحيح أننا مازلنا نشهد إستقطابا كبيرا لصالح هوية الدين والطائفة والقومية، لكن الإستمرارا في ترسيخ بناء الدولة سيؤدي بداهة الى إنحسار هذه الهويات أيضا.. وفي الدولة العصرية يحمل الجميع صفة المواطنة، فيصبحون مواطنين دستوريين أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات، وليسوا رعايا أو أتباعاً لهذا الطرف أو ذاك. ويلجأون إلى القانون ومؤسسات الدولة لحل نزاعاتهم وإستحصال حقوقهم..
إن أفضل وسيلة لتمدين نظام القبيلة وجعله مفيدا ومنسجما مع حركة التاريخ، ليس بزجها في معترك العمل السياسي من أجل تحقيق غايات وأهداف سياسية، مما يخلق مشاكل بين أبناء القبيلة الواحدة الذين تربطهم علاقة القربى المبنيّة على العلاقة البيولوجية/علاقة الدم، و جعلها موضوعاً خلافياً يخضع للمصالح السياسية المتغيرة باستمرار؛ مما يؤثر تأثيرا بالغاً في العلاقة بين أفرادها من جهة، بل إن المنطق يقول أنه يتعين أن تتحول القبيلة الى مظلة اجتماعية بتنمية روح التكافل الأجتماعي بين أبنائها، وأن تبتكر أساليب عصرية لنظام تكافلي مفيد قائم على العقلانية لا على ما يسود اليوم من مظاهر مخالفة لأبسط مفاهيم المنطق..فالبذخ الذي لجأ إليه زعماء القبائل لتعويض فاقد السلطة لديهم، أصبح عبئا على أبناء قبائلهم، ومجالس العزاء وما تنفق فيها من أموال لإعداد الولائم الباذخة صورة سيئة للوجاهة القبائلية، ويفترض بزعماء القبائل مراجعة هذا المسلك بوسائل أكثر عقلانية وفائدة..
كلام قبل السلام: ليس التطاول رافعا من جاهل...وكذا التواضع لا يضر بعاقل....الخليل بن احمد الفراهيدي..
سلام....
https://telegram.me/buratha