بيوت الطين والصفيح قد انتشرت انتشاراً واسعاً في المدينة وانتشار حالة التسول والمتسكعين وأزمة السكن والبطالة متفشية في كافة الأوساط, ظواهر باتت أليفة في المجتمع العراقي لاسيما في النجف الاشرف ففي كل مدينة في العراق نجد أحياء بكاملها تعيش تحت خط الفقر, وتفتقر لأدنى مقومات الحياة المعترف بها دولياً, ولا نستثني من ذلك بعض الأحياء التي يميل البعض للاعتقاد بازدهارها وبخلوها من مظاهر الفقر مثل حي الأمير والسعد والحنانة والغدير والفرات والمهندسين في حين نجد المتسولين يكثرون في هذه الأحياء جعلهم العوز والحاجة لطرق هذه الأبواب لسد رمق أطفالها...ونجد النقيض من هذه الأحياء, أحياء لا ترقى أن تكون مأوىً لعراقي فضلاً عن كونه ابن مدينة أمير المؤمنين(ع), نجد مثلاً على ذلك حي الميلاد وميسان وحنون والجديدات والمصلخ والأنصار وبجانبها بيوت من الطين وحتى الصفيح, نعم هنالك بيوت في النجف من الصفيح, فشتان بين تلك الأحياء وبين هذه الأحياء الموغلة في الفقر والضيق, وفي الأحياء الراقية نجد إلى جانبها بعض بيوت الطين والصفيح وبمحاذاة القصور والمباني الضخمة والمظاهر المترفة للطبقة الغنية, هذا فضلاً عن واقع المناطق الريفية والاقضية والنواحي التي من الصعوبة بمكان معرفة المستوى المعيشي الدقيق ومستوى السكن فيها في ظل الإهمال المنظم من قبل النظام المباد والنظام الجديد, والذي يمر مرور الكرام بهذه المناطق سيجد ما لا تصدق عيناه بيوت عبارة عن إسطبلات ينام أفراد العائلة جنباً إلى جنب مع المواشي والحمير والجاموس.. نعم هذا ريفنا, يبدو إن مناقشة الفقر في مدينة أمير المؤمنين(ع) كبيرة ومعقدة إلى حد كبير, فمن معالمها البطالة واعتقد إنها الأبرز في المجتمع النجفي وتنذر بمخاطر اجتماعية ودينية وسياسية بعد متطلبات الحياة الكثيرة الترفيهية والضرورية, فضلاً على الاحتياجات الضرورية للمواطن لسد الرمق, ورغم إن دائرة الرعاية الاجتماعية والمسؤولين في المحافظة قد أعلنت مراراً وتكراراً إن عام 2006 يكون عام الفقير وانه لن يبقى بعد هذه السنة أي فقير, لكن الإجراءات الروتينية المعقدة.. ودخول ذوي النفوس الضعيفة ومزاحمتهم أبناء المدينة من الفقراء جعلت الكثيرين من هؤلاء الذين اعتادوا الكفاف وصبرهم وإيمانهم أن يبتعدوا عن تلك الأجواء التي نشاهدها يومياً أمام دائرة الرعاية أو المجلس الاستشاري أو التقاعد التي تفقد الإنسان انسانتيه وكرامته من اجل بضعة دنانير يتصارع عليها من اعتاد على الاستجداء وهو في عمر يناسب الكثير من الأعمال.. كل ذلك جعل أزمة الفقر والسكن تتفاقم في المدينة, وتنذر بعواقب وخيمة وخاصة بعد وفود مئات العوائل من ضواحي بغداد وغيرها بحجة الإرهاب, ومنافستهم أبناء المدينة بالسكن والعمل مما جعل الفقراء فقراء والباحثين عن مأوى إلى اليأس من إيجاد سقف يؤويه ويؤوي عياله..لذلك نرى انتشار ظاهرة التجاوز على أراضي البلدية من مجاميع شتى ومشاريع توزيع أراضي لعوائل تدعي إنها من ذوي الشهداء وترك الآخرين في بيوت الصفيح والطين والفقر والحاجة وبين الكفاف والقدرة والاستقرار, ويمكن الاعتقاد إن من ابرز حاجات المواطن توفير السكن والمأوى وتوفير فرص متساوية في المساعدات والتي تأتي إلى المدينة ولا أحد يعرف عن توزيعها, كذلك اصابها المحسوبية والفساد الإداري, ناس تتاجر وتعمل بأموالها, وتتصدق بما جادت أيديهم, للعوائل الفقيرة والمعوزة, وتوضع بأيادي لم تعرف في يوم من الأيام في المحافظة بأنها كانت نزيهة ولو لمرة واحدة.؟!السؤال الذي يتبادر للذهن؟ أين تلك الوعود التي قطعوها للمواطنين عندما اعتلى البعض المنابر وأية منابر منابر رسول الله(ص). وبعضها سخّر كافة وسائل الأعلام وادعت بأنها سترعى المضطهدين والفقراء فنراهم قد أعطوا ابن السبيل وتركوا الآخرين يلوذون لبارئهم من شدة العوز والفقر, وكثر في المدينة المقدسة الغارمون..؟ فهل هؤلاء لا يستحقون الرعاية وشمولهم بما جاد به الشعب وليس غيره..؟ من زيادة أسعار المحروقات؟فمن الذي يستطيع أن يردم الهوة بين هؤلاء وبين أولئك المفسدين الذين تنامت دخولهم وأصبح احدهم ثروته تعادل ثروة عدة دول من أفريقيا أو آسيا.إن المجتمع النجفي الآن اتجه, ومنذ سقوط النظام, لتكريس واقع اجتماعي طبقي, حيث ازدادت التمايزات الطبقية والتفاوت الطبقي في مستوى المعيشة, بين طبقة مترفة ثرية موغلة في الغنى, وطبقة أخرى تعيش بين خطي الكفاف والفقر المتقع, بينما انعدمت في مدينة أمير المؤمنين(ع) الطبقات الوسطى وتلاشيها, بعدما أصبح البعض من الطبقة الفقيرة والآخر لهث وراء حصول المال بكل الوسائل المشروعة أو غيرها ليصبحوا بين ليلة وضحاها من أصحاب الذوات بفضل الفساد الإداري مرة ومرة أخرى لاستغلال الفرص المناسبة والشرعية وبين هذا وذاك انهارت الطبقة الوسطى بين أغنياء مترفين يزدادون ترفاً على حساب الآخرين وبين فقراء ومحدودي دخل يزدادون فقراً وعوزاً في مدينة أمير المؤمنين(ع) الذي كان يرعى بنفسه الفقراء والمعوزين والأيتام والأرامل, بينما لم نجد من يرعى هؤلاء بحق وصدق من لبس الولاء للمدينة والمذهب واتخذها عباءة ليصل لمآربه بالاستحواذ على كل الفرص وترك الآخرين ينظرون له كيف يأكل... يتكلم... يخطب... يتكاثر... كيف يمسك السكين ويقسم الكيك على محبيه ومتملقيه وذراريه ناسياً من أوصله تاركهم في بيوت الطين .. إنها الأنسب لهم ولو لحين ... وللجنان منتظرين...
عبد الكريم الحاج صالح الحيدري
https://telegram.me/buratha