ماجد شناطي نعمة
التفسير في اللغة يعني البيان و التوضيح لكشف الغموض ، اما اصطلاحا فقد اختلف الفقهاء في تحديد مفهومه ، وذهب الفقه في هذا الشأن الى اتجاهين ، احدهما يضيق في مفهومه ، وثانيهما يوسع في معناه ، فالتفسير الضيق يعني ازالة غموض النص وتوضيح مبهمه ، للقضاء على الاختلاف في تحديد معناه ، والتفسير بهذا المعنى لا يقع الا في حالة غموض النص فلا شأن له بنقص احكام النص او بتعارض اجزاء القانون ، اما التفسير الواسع فيعني ، توضيح ما غمض من الفاظه ، وتقويم عيوبه ، واستكمال ما نقص من احكامه والتوفيق بين اجزائه المتعارضة ، وتكييفه على نحو يجاري متطلبات المجتمع وروح العصر . والتفسير بهذا المعنى يلازم تطبيق القانون ويقتضي تفهم معناه لإيجاد الحل المناسب للحكم فان شاب النص غموض او نقص او عيب مادي او تعارض بين النصوص وجب على القاضي ان يعمد الى التفسير كي يتوصل الى الحكم المراد تطبيقه لحل النزاع . فالنص اذ كان واضحا - أي ان الالفاظ تعبر عن ارادة المشرع الحقيقية - طبق المفسر النص دون عناء ، فلا مساغ للاجتهاد او للتفسير في معرض النص الصريح ، اما اذا شاب النص الواضح بعض العيوب المادية عمل المفسر على ازالتها .ويقوم بالتفسير عادة الفقه والقضاء ونادرا ما يقوم به المشرع في الوقت الحاضر ، ولذلك تبرز في التفسير انواع ثلاثة هي التفسير التشريعي والتفسير القضائي والتفسير الفقهي ويضاف اليها نوع رابع هو التفسير الاداري الذي يقوم به رجال الادارة في نطاق وظائفهم .فالتفسير التشريعي هو التفسير الذي يصدر عن المشرع لإزالة غموض النص ، او سد نقص او عيب في قانون سابق اختلفت المحاكم في تطبيقه ولم تهتد الى معرفة قصد المشرع منه ، وذلك ابتغاء ضبط المقصود بالقاعدة القانونية ، ويصدر هذا التفسير في الاصل عن السلطة المختصة بالتشريع ، ومع ذلك يجوز للسلطة التشريعية المختصة ان تنيط تفسيره بغيرها كالسلطة التنفيذية ، ويعتبر التشريع المفسر(بكسر السين) جزءً من التشريع المفسر(بفتح السين) وهو يتمتع بالقوة الملزمة لأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تلزم القضاء بالتطبيق .اما التفسير القضائي فهو التفسير الذي يقوم به القضاء بحكم طبيعة وظيفته ، فهو الذي يتولى تطبيق القانون على القضايا المنظورة من قبله ، ويتميز التفسير القضائي بالطابع العملي ؛ لان القضاء يواجه واقع الحياة فهو في تفسيره لتشريع يتأثر بالظروف المحيطة ويسعى الى جعل احكام القانون متماشيا مع حاجات المجتمع وتطور اوضاعه ، ولذلك فان القضاء في قيامه بمهمة التفسير يلعب دوراً هاماً في تطور القانون .اما التفسير الفقهي فهو التفسير الذي يقوم به الفقهاء عند شرحهم للقانون ويتميز بطابعه النظري ، ذلك لان الفقيه عندما يقوم بالتفسير لا يعرض لحالات خاصة وانما يستخلص قواعد عامة ويعمد الى التأصيل العلمي والمنطقي ، وهذا التفسير لا يكون ملزما للقضاء غير ان القضاء كثيرا ما يتأثر بهذا التفسير لاعتبارات ادبية خصوصا عندما يصدر الرأي عن فقيه جليل .اما التفسير الاداري فهو التفسير الذي تقوم به السلطات الادارية في صورة منشورات وتعليمات تصدرها الى اتباعها في السلك الاداري لتفسير تشريع ما ، ولا يتمتع هذا التفسير بأي قوة ملزمة للقضاء وانما يعتبر رأي شخصي ويقتصر الزامه على من وجه اليه التفسير من رجال الادارة ([1] ) . فالتفسير اذن ، وبغض النظر عن نوعه والجهة التي تقوم به ، يهدف الى اجلاء غموض النص وصولا الى مراد المشرع منه ، وكلما كان هذا التفسير قريباً من مراد المشرع ، كان تفسيرا مقبولا ، لأنه يدعم النص القانوني ، ويحقق ما ابتغاه المشرع من اصدار القانون ، والعكس صحيح ، فكلما ابتعد التفسير عن مراد المشرع ، كانت النتائج السلبية المترتبة عليه ذات اثر سلبي على النص القانوني محل التفسير ، الامر الذي ينعكس سلبا على الحالة التي يعالجها النص المُفسر في الاطار الاجتماعي محل التنظيم القانوني .ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة كثيرا حينما نقول ، بان التفسير القضائي يعد من اهم التفسيرات التي يمكن ان تؤثر على النص القانوني سلبا او ايجابا ، وذلك لان النتائج المترتبة عليه ستكون وخيمة ان جاء بعيدا عن مراد المشرع ، ذلك ان هذا التفسير وكما اشرنا يتمتع بالطبيعة العملية ، فالقضاء هو من يطبق النص وهو من يصدر الاحكام تبعا لفهمه لذلك النص ، فان كان الفهم سليما والتفسير دقيقا ، كان القضاء ساحة للعدالة والانصاف ، وان كان الفهم سقيما والتفسير معيبا ، كان القضاء ساحة للظلم والاجحاف ، الامر الذي يبعد الناس عن تلك الساحة بحثا عن سوح اخرى للعدالة .ولقد كان لقضاء محكمة التميز الموقرة الدور الهام والبارز في تفسير كثير من النصوص القانونية ووضعها موضع التطبيق ، في قضاء رائع ومتطور ، يشهد له الجميع ، بالعدالة والانصاف في احقاق الحق ، ووضعه في نصابه ، هذا القضاء الذي لا ندعي باننا نفيه حقه عند الحديث عنه في هذه العجالة ، ولكن وعلى الرغم من ذلك ، فأننا ومن خلال متابعتنا لأحكام هذا القضاء ، قد نقف في بعض الاحيان عاجزين عن فهم بعض التوجهات التي تتبناها محكمة التمييز عند تفسيرها للنص القانوني ، الامر الذي يدفعنا الى تسليط الضوء على البعض من تلك التوجهات ، لعل فيما سنشير اليه ، مساهمة في توضيح بعض الحقائق القانونية التي تعين المحكمة على تصويب توجهاتها القانونية ، ولعل من المسائل التي استغربنا كثيرا موقف محكمة التمييز منها ، هو تفسير محكمة التمييز الاتحادية للقرار رقم (17) لسنة 2005 ولغرض الوقوف على هذا التفسير نشير للأمور المتعلقة به وكما يلي :الامر الاول : النص القانوني للقرار :نص القرار المرقم (17) لسنة 2005 ([2]) على ما يلي : المادة :1 - تلغى النصوص القانونية أينما وردت في القوانين والقرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة(المنحل) اعتبارا من 17/7/1968 لغاية 9/4/2003 التي تقضي بمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة من تطبيق القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة(المنحل).المادة:2- لاتعد المدد الواقعة من تأريخ نفاذ القوانين والقرارات الملغية بموجب المادة"1" من هذا القانون وبين تـأريخ نفاذ هذا القانون من ضمن مدة التقادم المانع من سماع الدعاوى.المادة:3- تستثنى قوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والضرائب وقرارات منع التجاوز على أراضي الدولة من أحكام هذا القانون.المادة:4- ينفذ هذا القانون من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية .الامر الثاني : تفسير محكمة التمييز للقرار :عند تفسيرها للقرار اعلاه ذهبت محكمة التمييز الاتحادية الهيئة الاستئنافية / عقار في الدعوى المرقمة 308/الهيئة الاستئنافية/عقار/2009 ت234 ، (بأن القانون رقم(17) لسنة 2005 يسري على الحالات اللاحقة لصدور القانون وليس له أثر رجعي عملا بأحكام المادة العاشرة من القانون المدني وهذ ما أستقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية بقرار الهيئة الموسعة 137/موسعة مدنية/2007 في 17/12/2007)([3]) . فمحكمة التمييز ترى ان القرار رقم (17) لسنة 2007 لا يسري بأثر رجعي ، بل يسري على الحالات اللاحقة لصدور القانون معتمدة في موقفها هذا على احكام المادة العاشرة من القانون المدني التي تنص على أن ( لا يعمل بالقانون الا من وقت صيرورته نافذا فلا يسري على ما سبق من وقائع الا أذا وجد نص في القانون الجديد يقضي بغير ذلك أو كان القانون الجديد متعلقا بالنظام العام أو الاداب) .الامر الثالث : التفسير الفقهي للقرار :لقد اتجه الفقه في العراق عند تعامله مع هذا النص القانوني ، الى تفسيره تفسيراً يختلف عن موقف محكمة التمييز ، اذ يرى هذا الفقه بان القرار رقم 17 لسنة 2005 يسري بأثر رجعي ، وليس كما ذهبت محكمة التمييز في تفسيرها الى العكس من ذلك ، ولقد صدرت عن هذا الفقه اراء قيمة نشير الى بعض منها وكما يلي : اولا: اشار الدكتور عصمت عبد المجيد بكر([4]) عند حديثه عن القرار رقم 17 لسنة 2005 وبالحرف الواحد الى ما يلي (وبالرغم من صراحة نص المادة (1) من قانون الغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى رقم(17) لسنة 2005 (تلغى النصوص القانونية أينما وردت في القوانين والقرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة(المنحل) اعتبارا من 17/7/1968 لغاية 9/4/2003 التي تقضي بمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة من تطبيق الدعاوى وقرارات مجلس قيادة الثورة(المنحل) وصراحة نص المادة(100) من دستور عام 2005 فأن الهيئة الاستئنافية / عقار في محكمة التمييز الاتحادية قضت في الدعوى المرقمة(308/الهيئة الاستئنافية/عقار/2009 ت234 ، (بأن القانون رقم(17) لسنة 2005 يسري على الحالات اللاحقة لصدور القانون وليس له أثر رجعي عملا بأحكام المادة العاشرة من القانون المدني وهذ ما أستقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية بقرار الهيئة الموسعة 137/موسعة مدنية/2007 في 17/12/2007 ولدى الرجوع الى المادة(10) من القانون المدني العراقي تبين أنها تنص على أن ( لا يعمل بالقانون الا من وقت صيرورته نافذا فلا يسري على ما سبق من وقائع الا أذا وجد نص في القانون الجديد يقضي بغير ذلك أو كان القانون الجديد متعلقا بالنظام العام أو الآداب) فالقانون رقم (17) لسنة 2005 صريح في مادته الاولى بإلغاء القوانين والقرارات الصادرة خلال الفترة الممتدة من (17/7/1968 ولغاية 9/4/2003) مع العلم أن الفقرة(2) من هذا القانون نصت صراحة على عدم اعتبار المدد الواقعة من تأريخ نفاذ القوانين والقرارات الملغية وبين تأريخ نفاذ هذا القانون من ضمن مدة التقادم المانعة من سماع الدعاوى ، كما أن أحكام هذا القانون متعلقة بالنظام العام ، لأنه يتعلق بالحقوق الاساسية للمواطنين ومنها حق التقاضي ومراجعة المحاكم ، وبالتالي فأننا لا نتفق مع ما ذهبت اليه الهيئة الموسعة المدنية والهيئة الاستئنافية/عقار في محكمة التمييز الاتحادية في قراريهما المذكورين ، ونرى أن جميع النصوص القانونية الواردة في القوانين والقرارات التشريعية الصادرة خلال الفترة الزمنية التي حددها القانون تعد ملغية ، كما أن الاستثناءات المنصوص عليها في القانون رقم (17) لسنة 2005 تعد ملغية ) .ثانيا : من جانبه الدكتور غازي ابراهيم الجنابي([5])ذهب وعند حديثه عن هذا القرار الى القول : ( كما صدر القرار رقم (17) لسنة 2005 الذي الغى النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة عن تطبيق القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل عدا دعاوى محددة ...) .ثالثا : الدكتور ماهر صالح علاوي الجبوري([6]) هو الاخر تناول القرار بالبحث فقال : ( وتجدر الاشارة الى ان الدستور الحالي قد منع تحصين أي قرار اداري ضد الطعن فيه فنصت المادة (100) منه على ما يأتي : ( يُحظر النص في القوانين والقرارات على تحصين أي عمل او قرار اداري ضد الطعن ) كما صدر القانون رقم (17) لسنة 2005 القاضي بإلغاء النصوص القانونية كافة التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى ) . رابعا: الدكتور مازن ليلو راضي ([7]) يذهب ايضا ، وعند حديثه عن هذا القرار الى القول : ( تنبه المشرع العراقي الى هذا الامر فاصدر قانون الغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى رقم 17 لسنة 2005 والذي جاء في المادة الاولى منه (تلغى النصوص القانونية أينما وردت في القوانين والقرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة(المنحل) اعتبارا من 17/7/1968 لغاية 9/4/2003 التي تقضي بمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة من تطبيق القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل) . الا ان ما يؤخذ على هذا القانون- والقول للدكتور - انه استثنى من تطبيق احكامه في المادة الثالثة منه قوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والضرائب وقرارات منع التجاوز على اراضي الدولة ، ولا يخفى ان هذا الاستثناء غير دستوري لتعارضه مع نص المادة 100 من الدستور العراقي الصادر عام 2005 حيث ورد : ( يحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل او قرار اداري من الطعن ) . خامسا : في الاتجاه نفسه يذهب السيد القاضي لفتة هامل العجيلي /نائب رئيس محكمة استئناف بغداد الاتحادية([8]) الى القول : ( ان القانون رقم 17 لسنة 2005 الغى النصوص القانونية المانعة من سماع الدعاوى الصادرة اعتبارا من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003 ) .يتضح لنا من خلال العرض اعلاه ان الفقه في العراق ، وعند تناوله للقرار رقم 17 لسنة 2005 ، يرى ان هذا القرار الغى النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى ولم نجد من هذا الفقه من صرح بان سريان ذلك القانون يتعلق بالحالات اللاحقة لصدور القرار كما ذهبت لذلك محكمة التمييز ، بل ان الاستاذ عصمت عبد المجيد بكر وهو رجل ليس بعيدا عن الاسرة القضائية وكان في فترة من الزمن رئيسا لمجلس شورى الدولة ، ينتقد توجه محكمة التمييز - محل المناقشة - ويرى ان القرار واضح في دلالته على الغاء النصوص السابقة على صدوره لا اللاحقة له كما تذهب لذلك محكمة التمييز في تفسيرها للقرار .الامر الرابع : الادلة التي تؤيد التفسير الفقهي للقرار :ان التوجه الذي تبناه الفقه في العراق عند تناوله للقرار هو الاتجاه الذي نتبناه وندعمه ونحن بدورنا ، ومع رجاحة ودقة ما اشار له الفقه اعلاه نشير الى المسائل التالية التي نرى انها تدعم هذا الموقف الفقهي وتجعله اكثر دقة من التفسير القضائي الذي تبنته محكمة التمييز وكما يلي :اولا - المحكمة تقول : أن القانون رقم (17) لسنة 2005 يسري على الحالات اللاحقة لصدور القانون وليس له أثر رجعي ، ونقول للمحكمة ان المادة الاولى من القرار تنص : - تلغى النصوص القانونية اينما وردت في القوانين و القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة ( المنحل) اعتبارا من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003 التي تقضي بمنع المحاكم من سماع الدعاوي الناشئة من تطبيق القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل.فيا محكمتنا الموقرة : القانون يقول : القوانين و القرارات الصادرة من مجلس قيادة ثورة ( المنحل) وحيث انه لا يوجد مثل هذا المجلس الا في ظل النظام السابق ، مما يعني انه يتحدث عن حالات سابقة صدرت عن ذلك المجلس عند سيطرته على السلطة منذ 1968 الى عام 2003 ، والقول بخلاف ذلك ، يدفعنا الى القول ، هل هناك مجلس لقيادة الثورة يصدر لنا قوانين وقرارات بعد صدور القرار 17 لسنة 2005 تتضمن منع المحاكم من سماع الدعاوى لكي يسري النص عندها علي تلك القرارات الصادرة عن ذلك المجلس ؟!!!ثانيا - ان مسايرة منطق المحكمة الموقرة يجعل من القرار رقم ( 17 لسنة 2005 ) قراراً زائداً ولا حاجة منه وذلك لان المادة ( 100 ) من الدستور العراقي تنص على انه ( يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار اداري من الطعن ) ، فهذا النص واضح جدا ويجعل كل ما يصدر مخالفا له لا يعتد به لأنه نص دستوري واستنادا للمادة (13)من الدستور كل نص يخالف نصوص الدستور يعتبر باطل ، لذا فمع وجود نص المادة (100) فما حاجتنا الى اصدار القانون اعلاه ، وذلك لان المادة (100) لوحدها كافية ولا نحتاج الى تشريع قانون معها ، الا اذا قلنا ان المادة (100) تعالج الحالات المستقبلية ، اما القانون رقم 17 لسنة 2005 فيعالج الحالات الماضية ، عندها تتجلى وبوضوح الحكمة من اصدار القانون رقم 17 لسنة 2005؟!!! .ثالثا- القرار يتحدث عن حالات سابقة تمت قبل صدور القرار حددها بالفترة الواقعة (اعتبارا من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003 ) وهذا واضح من فقراته ولا يحتاج الى عناء شديد لفهم النص ، فاذا كان ينطبق على ما يصدر بعده - كما تذهب لذلك المحكمة - فلماذا ذكر المشرع هذه الفترة ؟!!!.رابعا - الاسباب الموجبة للقانون وما ورد فيها تعتبر من اكبر الادلة على ان القانون صدر لمعالجة الحالات السابقة ، اذ نصت على ما يلي (حيث ان الاصل هو الولاية العامة للقضاء للنظر الى المنازعات وان سلب هذه الولاية منه غير جائز الا على سبيل الاستثناء ، وبما لا يؤثر على حقوق المواطن الاساسية وحيث ان النظام السابق قد توسع بشكل غير اعتيادي في الكثير من القضايا وهو منهج يخالف مبدأ العدالة . ولغرض بناء دولة القانون شرع هذا القانون ) ، فالأسباب الموجبة ، تتحدث عن سلب ولاية القضاء وهذا السلب تم سابقا في ظل النظام السابق . في حين ان وقت صدور القرار وهو عام 2005 لا ينطبق عليه وصف (النظام السابق ) كون النظام في العراق اصبح قائما على وفق النص الدستوري المؤكد على عدم تحصين أي قرار من الطعن المادة (100) من الدستور المشار لها اعلاه ، و لا يحتاج مصطلح (النظام السابق ) الى عناء شديد في فهم المراد منه ، وان كان الامر كذلك فإنني اشير الى النصوص القانونية التي ورد فيها هذا المصطلح لإيضاح المقصود منه وانه النظام الذي امتد عمره من (من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003 ) فأقول :1- وردت الاشارة لمصطلح النظام السابق في المادة (6) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية اذ ورد فيها : ( تتخذ الحكومة العراقية الانتقالية خطوات فعالة لأنهاء آثار الاعمال القمعية التي قام بها النظام السابق ....)2- كما وردت الاشارة لمصطلح النظام السابق ايضا في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الفقرة (أ) اذ ورد فيها (...من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك ...) وكذلك الفقرة (ب) من نفس المادة اذ نصت على ( لقد تلاعب النظام السابق ايضا بالحدود الادارية وغيرها بغية تحقيق اهداف سياسية ....) .خامسا - محكمة التمييز نفسها تبنت هذا التفسير فبموجب قرارها غير منشور المرقم 2658 مدنية عقار 2012 ت 2767 في 18 / 7 / 2012 ( والذي عالج موضوع يتعلق بصدور اعمام جديد من مجلس الوزراء سمح لمن ملكت له ارض ولم تسجل باسمه من مراجعة المحاكم للمطالبة بحقة في تسجيلها ، اقيمت امامها الدعوى محل القرار اعلاه والتي تعلقت بالقرار 117 لسنة 2000 الذي ورد في المادة السادسة منه ما يلي : (تمتنع المحاكم عن النظر في الدعاوى الناشئة عن تطبيق احكام هذا القرار ) وحيث ان قواعد الاختصاص هي من النظام العام ولكون محكمة التمييز قد نظرت الدعوى اعلاه على الرغم من وجود النص الذي يمنع المحاكم من نظر الدعاوى المتعلقة بالقرار 117 لسنة 2000 ، الامر الذي يعني ان محكمة التمييز قضت بخلاف المبدأ السابق اذ نظرت الدعوى ولم تدفع بالقرار 17 لسنة 2005 وكونه يشمل الحالات اللاحقة لصدوره .سادسا : ويتأكد الامر اعلاه اكثر من خلال قرار نفس المحكمة ( اي محكمة التمييز ) المرقم 2050 / مدنية عقار /2008 في 28 / 8 / 2008 المنشور في النشرة القضائية العدد الحادي عشر اذار 2010 ، وخلاصة القرار ( ان احد المواطنين صدرت له موافقة على تمليك عقار وفقا لأحكام القرار 156 الا انه لم يبادر الى تسديد بدل الشراء بغية تزويده بكتاب الى دائرة التسجيل العقاري لغرض تسجيلها ) وحيث ان وزارة الداخلية مديرية البلديات العامة في حينه حددت له مدة اربعة اشهر لغرض تسديد مبالغ التخصيص وبعد مرور تلك الفترة تسحب القطعة منه في حالة عدم السداد ( وتخلص المحكمة في قرارها الى القول بان عدم التسديد اسقط حق المدعي في المطالبة بالتسجيل.) والمستفاد من هذا القرار ما يلي : ان محكمة التمييز الاتحادية نظرت الدعوى مع انها وفقا لأحكام القرار 156 ولم تنقض قرار المحكمة بحجة عدم سماع الدعوى ، كون البند عاشرا من القرار 156 لسنة 2001 ينص على انه ( تمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة عن تنفيذ احكام هذا القرار) ، فاذا كانت الدعوى محكومة بمنع سماعها من المحاكم وان القرار 17 لسنة 2005 لا يعطي صاحب الدعوى الحق في اقامة الدعوى كون القرار- وحسب تفسير الهيئة الاستئنافية / عقار في محكمة التمييز الاتحادية - يسري على الحالات اللاحقة وليس السابقة لصدوره ، فلماذا لم ترد المحكمة الدعوى لهذا السبب بل سارت بالدعوى وردتها لأسباب موضوعية وليس لكون المحاكم ممنوعة من نظر الدعوى ؟!!سابعا : بموجب قرارها المرقم 2617 /هيئة استئنافية عقار / 2013 ت 2388 (غير منشور ) اصدرت محكمة التمييز / الهيئة الاستئنافية عقار ، قرار جاء فيه بالحرف الواحد ( ان المدعي / المميز عليه طلب الحكم بالزام المدعى عليهما بمنع معارضتهما له في تسجيل القطعة باسمه ، كونه تملكها وفقا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل بالرقم 156 لسنة 2001 ، وحيث ان تمليك المتجاوزين بموجب القرار المذكور تتم وفق الآلية المنصوص عليها فيه ومنها ما جاء بالفقرة تاسعا منه التي نصت على ان قرارات اللجنة المنصوص عليها في البند سادسا من هذا القرار لا تعد نهائية الا بمصادقة المحافظ كما تنص الفقرة عاشرا من القرار المذكور على ان المحاكم ممنوعة من سماع الدعاوى الناشئة عن تنفيذ القرار واذ ان القرار 17 لسنة 2005 الذي الغى النصوص التي تمنع المحاكم من نظر الدعاوى يعد نافذا من تاريخ صدوره ولا يسري على الحالات السابقة لصدوره فكان على المحكمة رد الدعوى من هذه الجهة ) والملاحظ على هذا القرار ما يلي :1- انه يتناقض مع قرار محكمة التمييز المشار له سابقا بالفقرة ( خامسا ) المرقم 2658 مدنية عقار 2012 ت 2767 في 18 / 7 / 2012 لان المحكمة بموجب (ذلك القرار) نظرت الدعوى على الرغم من كونها مشمولة بالقرار 117 لسنة 2000 الذي ورد في المادة السادسة منه ما يلي : (تمتنع المحاكم عن النظر في الدعاوى الناشئة عن تطبيق احكام هذا القرار) وحيث ان حكم القرار 156 لسنة 2001 والقرار 117 لسنة 2000 من جهة (منع المحاكم من سماع الدعاوى) هو واحد ، فلماذا تُنظر الدعوى في القرار الاول المقامة بموجب القرار 117 لسنة 2000 في حين تُرد الدعوى في القرار الثاني المرقم 2617 /هيئة استئنافية عقار / 2013 ت 2388 المقامة بموجب القرار 156 لسنة 2001 ؟!!!!.2-ان المحكمة بموجب قرارها المرقم 2658 مدنية عقار 2012 ت 2767 في 18 / 7/ 2012 وقرارها المرقم 2050/ مدنية عقار /2008 في 28 / 8 / 2008 (المشار لهما اعلاه ) لم تطبق احكام القرار 17 لسنة 2005 في حين طبقته في القرار الاخير المرقم 2617 /هيئة استئنافية عقار / 2013 ت 2388 مع ان كلا القرارين محل الدعوتين ورد فيهما منع المحاكم من نظر الدعاوى المتعلقة بهما .وختاما ومن خلال ملاحظة الامور اعلاه يتضح لنا ان التفسير الذي تبنته محكمة التمييز الموقرة هو تفسير محل نظر اذ جاء مخالفا للتوجه الفقهي الذي تبنى تفسيرا وفهما واضحا لذلك القرار استوعب الحكمة التي جاء بها التشريع والمتمثلة بأعادة الولاية العامة للقضاء ، تلك الولاية التي سلبها النظام السابق منه ، ايمانا من المشرع بدور هذا القضاء وقدرته على معالجة كل اخفاقات المرحلة السابقة الناتجة عن منعه من نظر الدعاوى طيلة فترة المنع الممتدة من عام 1968 الى سنة 2003 ، فكان حريا بهذا القضاء ان يكون عند حسن ظن المشرع به لا ان يتبنى تفسيرا قضائيا ضيقاً افرغ النص القانوني من الحكمة المرجوة منه ، لذلك فاننا ومن خلال ما اشرنا له اعلاه نناشد السادة الكرام ممثلي السلطات الثلاث في الدولة العراقية بما يلي :1- نحث السيد رئيس السلطة القضائية في العراق ، والسادة الكرام في محكمة التمييز الاتحادية الموقرة ، اللذين نكن لهم ، ولقضائهم كل الاحترام والتقدير ، لتدارك هذا الفهم البعيد عن المبتغى القانوني لنص القرار 17 لسنة 2005 وتبني التفسير الواقعي للنص ، لكي يمسك القضاء بزمان المبادرة ، وليستعيد الولاية العامة له ، تلك الولاية التي جهد النظام السابق على تجريد القضاء منها ، بما كان يضمنه من نصوص قانونية منعت المحاكم من نظر الدعاوى المتعلقة بالقوانين والقرارات الصادرة عنه .2- نطالب السلطة التشريعية (مجلس النواب) ممثلة بالسيد رئيس مجلس النواب واعضاءه الكرام- في حالة اصرار محكمة التمييز الاتحادية على موقفها اعلاه - الى تقديم تفسير تشريعي للقرار17 لسنة 2005 وذلك لإيقاف التفسير اعلاه محل البحث ، وذلك على وفق الصلاحيات المخولة لهم قانونا ، او قيام المجلس الموقر بتعديل القرار بما يجعله مفهوما فهما واضحا وجليا من قبل القضاء ولقطع الطريق على أي فهم او تفسير يمكن ان يرد على النص القانوني .3- نطالب السلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء ) ممثلة بالسيد رئيس واعضاء مجلس الوزراء الكرام بأنهاء المتعلقات المرتبطة بقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل ، وخاصة المتعلقة بالسكن ، وبالأخص القرار 156 لسنة 2001 لتعلقه بتملك المواطنين لدور السكن التي قاموا ببنائها من مالهم الخاص ، خصوصا وان اغلب من روج معاملة التمليك - على وفق هذا القرار - لم يستطع اكمال متطلبات تسجيلها لا سباب عديدة ، يأتي في مقدمتها ، التكاليف المادية المطلوبة لدفع اجور ومصاريف اجراءات التسجيل ، والموافقات الامنية على ذلك ، املين ان يتم ذلك في اطار السلطة التنفيذية ، خصوصا بعد ان صرحت السلطة القضائية وبموجب تفسيرها اعلاه ، بعدم اختصاصها بنظر الدعاوى المتعلقة بالقرار 156 لسنة 2001 ، يضاف الى ذلك ان الدخول في اروقة المحاكم قد يجعل المواطن تحت رحمة التفسيرات المتعددة للقانون ، علاوة على ما يتطلبه التقاضي من تكاليف ومصاريف ومستلزمات ومراجعة طرق طعن ، قد تأخذ وقتا طويلا تشغل المحاكم و المواطن وتكبده المصاريف .
المشاور القانوني الاقدم : ماجد شناطي نعمهطالب ماجستير في كلية القانون جامعة البصرة mastarlaw@yahoo.com
المرفقات :1- قرار محكمة التمييز المشار له في الفقرة خامسا المرقم 2658 / مدنية عقار / 2012 ت: 2767 في 18/7/2012 .
2- قرار محكمة التمييز المرقم 2617 /هيئة استئنافية عقار / 2013 ت 2388 في 9/5/2013 المشار له في الفقرة سابعا اعلاه :
[1] - لمزيد من التفاصيل حول موضوع التفسير يلاحظ الاستاذ المتمرس عبد الباقي البكري والمدرس زهير البشير - المدخل لدراسة القانون - دون عدد طبعة- الناشر مكتبة السنهوري- 2012 - ص 117 وما بعدها[2] - نشر القرار في الوقائع العراقية بعددها المرقم(4011) في 22/12/2005 .[3]- القرار منشور في مجلة التشريع والقضاء العد الثالث السنة الثانية 2010 ص201ـ 202 .[4] - بحثه القيم الموسوم (مسألة تحصين القرار الاداري من الطعن القضائي (دراسة مقارنة) منشور على موقع مجلة التشريع والقضاء http://www.tqmag.net/body. .
[5] - بحثه القيم الموسوم ( القضاء الاداري في العراق ) منشور في مجلة التشريع والقضاء - العدد الرابع ( تشرين اول - تشرين ثاني - كانون اول 2009 ) صفحة 10 الى ص 26 .[6] - الدكتور ماهر صالح علاوي - الوسيط في القانون الاداري - جمهورية العراق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي - 2009 - ص 376 .[7] - الدكتور مازن ليلو راضي - القانون الاداري - الطبعة الثالثة - مطبعة جامعة دهوك - 2010 - ص 217 .[8] - مؤلفه الموسوم التحقيق الاداري في الوظيفة العامة اجراءاته وضماناته وحجيته - الطبعة الاولى - مطبعة الكتاب - بغداد العراق - 2013 - ص 59 .
https://telegram.me/buratha