فُجِعت به أُمي وفجعتني به، تبكي عليه وهي توزع لله في ثوابه غداءاً من رزٍ ودجاج أعدته بعناية، تبكيه بحرقةٍ وألمٍ شديدين دونما معرفة التاريخ والوقائع بالتفصيل فأُمي أُميّة.
تختلط المشاعر بالسيل الهادر من حرقة القلب وألم المصاب أنه مظلومٌ قتلوه في كربلاء لدعوته لأحياء سنة جده رسول الله فكانت عقوبته الحد الأسلامي بإهدار الدم، يتركوه دونما رداء على البيداء في وقتٍ كان امبراطور المؤمنين يداعب في قصر الخلافة قرداً، يملأ جوفه خمراً، يلهمه شيطانه شعراً، يُطربه ما جاءه خبراً، بُشراً قتلوا حسيناً يا يزيد بُشراً.
لم يشفي غليله كل ما رووه له من بشاعة المقتلة فيفزّ ناكزاً بعصاه ثنايا أبي عبد الله الحسين الموضوع رأسه في طشتٍ أمامه، تأخذه غواية الشعر متمنياً أن يشهَد أشياخه ببدرٍ من مشركي قريشٍ ما شَهِد، فلطاروا فرحاً كما طار أن قد عادل دين بدرٍ بكربلاء فلقد لعبت هاشم بالحكم بما يكفي والحقيقة أن (لا خبر كان ولا وحي نزل)، عاملاً بوصية جده من إستسلم يوم الفتح أكثر من كونه أسلم أن تلاقفوا الحكم الأسلامي (تلاقف الطفل للكرة)، تلجمه زينب ابنة علي ذي فقارٍ من حكمة علمها ابوها: (أمن العدل يا ابن الطلقاء سوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد) (وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت).
كان اعظم مظلوم يكسر حاله القلب في التاريخ، لم يؤتى حقه من تلا قول الرب الجبار في اتيان حق النبي المختار (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، ولكن من هذا الرب الجبار ليملي على من جعلوه جبار المؤمنين ومالك رقاب المسلمين وغير المسلمين ما يفعله، فهو يجتهد ليخطأ دائماً ودائما له حظ واحد من الثواب في هذا التاريخ الأسلامي المليء بالحظ الواحد من الثواب على الدوام!
ثورة اسلامية على حكم إسلامي جائر في ذلك الوقت المبكر من الرسالة الاسلامية لهي ثورة جمعت عظيم الوعي وعميق الفكر، وأن جوراً إسلامياً في ذلك الوقت المبكر ولازال الكثير من صحابة رسول الله أحياء لهو خطر جسيم، فكان الوقوف بوجه كل ذلك تحدٍ كبير.
كيف تجمعت تلك الألوف المؤلفة من المسلمين الأوائل وقراء القران والمصلين كثيري الصلاة في قتل ابن بنت نبيهم الذي جائهم بالقران رسولاً وعلمهم تلك الصلاة التي صلوها قبل قتلهم الحسين وهم لازلوا يتذكرون قول النبي (حسين مني وانا من حسين) و(الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة)؟!
حالة الحسين يوم العاشر من المحرم (تصعب على الكافر) ولكنها لم تصعب على أمير المؤمنين وولاته على الأمصار وقادة جيشه والجنود، بل كانت سهلة عليهم بل زادتهم فرحاً وسروراً يجمعون الناس في الطرقات والحارات وتُدّق الدفوف طرباً متراقصين شماتة في رأس الحسين ورؤوس أنصاره ورؤوس البقية من ال الرسول المعلقات على الرماح يُطاف بهن وبنساء الحسين قاطعين المدن والقفار من كربلاء العراق وحتى دمشق الشام.
خلال مسيرهم نزلوا في مكانٍ كان فيه ديرٌ فيه راهب، أسند الحرس الرمح وعليه رأس الحسين الى حائط الدير، سألهم: من أنتم، فقالوا: نحن أصحاب ابن زياد، قال: وهذا رأس من؟! قالوا: رأس الحسين بن علي، قال: ابن بنت نبيكم! قالوا: نعم! قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولدٌ لأسكناه أحداقنا!
تبكيه وحيداً متروكاً على العراء تعصف بجسمه العاري رمال كربلاء تلفحه شمسها ثلاثة أيام، هذا المظلوم المقدس لم يدفنوه كما دفنت كل عشيرة ابناءها وأما هو فلا عشيرة له ولا جاه، فجده من أبيه (مجرد) ابو طالب سيد قريش، وجده من أمه كان (فقط) سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم من دلى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى (لا غير)، وأبوه كان أخو النبي وأول من امن به ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق والحق يدور معه حيثما دار (ليس إلا)، وأما أمه فهي سيدة نساء العالمين (لا أكثر)!
في جاهيلة الأسلام التي هي أشد جاهلية من جاهلية الشرك هذا ليس بشيء يُذكر، بل على العكس كان زيادة على الأصرار وشد العزيمة في بشاعة قتل الحسين والبقية من ال النبي فنزعة الجاهلية تفوق هدى الأسلام، فكيف لو كانت جاهلية مركبة بعنوان إسلامي.
https://telegram.me/buratha