المقالات

لا خير بدستور لا يجمع المتضادات


 

عادل عبد المهدي

الدستور بحاجة لمراجعة جادة بعد مرور اكثر من عقد.. وكانت هناك محاولات مهمة، خصوصاً في تشرين الاول 2008، وشكلت 5 لجان ضمت السلطات والخبراء.. فشخصت التعديلات الفرعية والاساسية، واقترح صياغتها لتطرح للاستفتاء مع الانتخابات المحلية (2009) او الوطنية (2010). لم نفشل لان الدستور منعنا.. بل لان مقاصدنا لم تكن مسؤولة ودستورية حقاً. فكثير منا لا يحترم القوانين النافذة، فكيف سيحترم الدستور والتزاماته؟ لقد عجزنا عن تشريع عشرات القوانين التي اشترطها الدستور، ليصبح فاعلاً.. ولم نعطل مئات القوانين المناقضة له، والتي بقيت تحكم حياتنا المضطربة. فالدستور ضحية اللامسؤولية والتجاوزات قبل ان يكون سببها. وان ربط الدستور بالاحتلال اجحاف بحق الملايين واتهامها بالجهل واللاوطنية. فالامريكان عارضوا الدستور طويلاً، وفرضه الشعب بتوجيه من المرجعية.. وحرره عراقيون (2005)، وبنقاشات شارك فيها الالاف بعد انتهاء الاحتلال بقرار اممي.. ولم يحضر الاجانب الجلسات، خلافاً لـ"قانون ادارة الدولة" (2004)، دون ان يعني ذلك غياب المشورات والضغوطات. فبلدان كثيرة وضعت دساتيرها خلال الاحتلال، او وجود قوات اجنبية.. كالدستور العراقي (1925)، والياباني والالماني بعد الحرب الثانية. فالدساتير تتطور مع حياة المجتمعات.. واقرت (12) ولاية الدستور الامريكي (1787-1788).. ومن مجموع (72) مندوباً حضر (55)، ووقع عليه (39) فقط، وهو بمواده الـ(7) الاساسية والمملوءة تناقضات، عُدل (27) مرة.. وخلال قرنين، وضعت فرنسا دساتير جديدة بمعدل كل (4) عقود. وتعيش بريطانيا بدستور غير مكتوب، بل قرارات برلمان وقضاء واتفاقيات. فتفسير العراقيل وكأن الدستور سببها، استنتاج خاطىء.. ويقود لمتاهات خطيرة.. فالمسؤولون يعطون الدساتير حياتها وفاعليتها، ويصححون مساراتها، او يقتلونها.. ولن تنفع اعظم النصوص ان كانت المقاصد غير مسؤولة. في 24/4/2012 كتبت المقالة بالعنوان اعلاه، ارتأيت اعادة نشرها بنصها:

["يقولون ان الدستور مملوء بالمتناقضات والمتضادات.. وهذا صحيح.. فما جدوى الدستور ان لم يجمع المتضادات ويحاول ضبطها بما يحقق العدل والانسجام والفاعلية. فالحياة والمجتمعات حزمة من المراتب والمتناقضات. فاما تركها تتصادم، اي الفوضى.. او قمعها، اي الدكتاتورية.. وبينهما يأتي دور الدستور ليضع الامور كل في مكانه الصحيح.. لينقلب التنافر الى تكامل.. فيموضع، ويطلق، ويضع الحدود للحريات الخاصة والعامة، والسلطات العديدة في مهامها وواجباتها المختلفة، والفصل بين السلطات دون الاخلال بوحدة الدولة، ومنح الصلاحيات للحكومة والدولة والقوات المسلحة ومنعها من التغول والعسكرة والاستبداد، ومكافحة الجريمة دون الاخلال ببراءة المتهم حتى ادانته، وحماية حرية التعبير والمعارضة ووسائل الاحتجاج، مع منع الكراهية والطائفية والعنصرية والعنف، وهلمجرا. فحكومة الاقليم والمحافظات تعرف صلاحياتها وتحمي نفسها بالدستور من اية تدخلات، وتعرف الحكومة الاتحادية صلاحياتها وتمنع اي خرق او تداخل معها. ويعرف البرلمان دوره التشريعي والرقابي ويمارسه، ويعرف القضاء والهيئات طبيعتها المستقلة والمهنية والحيادية، ويمنع اي تدخل لغير متطلبات الدستور.

والفارق ان النظم الدكتاتورية تخفي التناقضات وتمنع ظهورها.. لتزيدها خطورة وتفجراً في الباطن والاعماق. اما النظم الدستورية، فتعترف بها وتكشفها وتضعها على بساط البحث.. ليتسنى علاجها وتصريفها في وجهاتها الصحيحة.. بما يساعد على ارساء الوحدة والاسس المشتركة في الاعماق. فتبدو الحياة مستقرة في الاولى بحساب السنين، لتخسر توازنها واستقرارها بمرور العقود والقرون.. وعكس ذلك النظم الدستورية التي تحتوي ازماتها وتناقضاتها.. وتصرفها بما يمنحها الاستقرار والثبات، العنصر الاساس للتطور والتقدم.

فالدستور هدفه ضمان الحقوق وتحديد الصلاحيات والاعتراف بالتضادات والتعدديات لوضع الضمانات والحلول.. اما التناقض الذي يعطل الدستور، والذي يشير اليه البعض عن حق.. فيمكن تلخيصه بامرين.. الاول التجاوزات اللادستورية والتي لم يضع لها الدستور حلولاً واضحة، او وضع الحلول لكن الثقافات والتطبيقات العملية بقيت اقوى من الدستور.. والثاني الثغرات الحقيقية التي لا يخلو منها دستور.. سواء لحداثته وضعف الصياغات وغموضها احياناً، او بسبب المستجدات والمساحات الفارغة المربكة لاكثر الدساتير عراقة.. وهذا تحد بكل مضاعفاته واختناقاته، وعلى الدستوريين ورجال الدولة ايجاد حلول تصبح دستورية لاوضاع لم تقنن بعد.. وهو تحد ايضا للفهم والممارسات التنفيذية والبرلمانية والقضائية، ولاسيما للمحكمة الاتحادية لتقديم التفسيرات وحل الخلافات، وفق نص وروح الدستور بفهم موضوعي وليس اجتزائي."]

عادل عبد المهدي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك