اتخذت القوات مواقعها.. واستكملت الاستعدادات.. ولكل قوة مهامها المحددة والمتفق عليها، رغم التعقيدات.. فالاتفاق والتعاون بين الحكومة والاقليم جيد، فدخلت القوات العراقية الى مناطق الاقليم.. وهذا شيء لم يحصل منذ عقود.. آملين ان ينجح التعاون واستعادة الثقة في حل الاشكالات التي لابد ان تحصل في مثل هذه الظروف.. كذلك اتخذت قوات الحشد الشعبي والوطني مواقعها.. اضافة لدعم الاصدقاء والحلفاء. صحيح ان موضوع تواجد القوات التركية دون موافقة العراق شوش ويشوش على استعدادات المعركة ومآلاتها اللاحقة، لكن اجراءات الحكومة كانت رصينة ومسؤولة، ونأمل ان ينجح التباحث والضغط على حلحلة هذا الموضوع.
ان كلام البعض ان تركيا تقتدي بالموقف الايراني، كلام مردود.. فالقائلون بهذا المنطق من العراقيين وغيرهم يخطئون في موضوع السيادة والتدخل بالانطلاق من مقارنات خاطئة. فالسيادة والتدخل تحددهما الدولة العراقية الشرعية، وليس مزاج او مصالح او تصورات اي طرف اخر. وان الدور الايراني، بكل الملابسات القائمة وتصورات الاخرين، يبقى امنياً واقتصادياً وسياسياً متوازناً، بل في مساحات عديدة اقل مما مع الدول الاخرى، ومنها تركيا. فخصوم ايران داخلياً وخارجياً يعتمدون، غالباً، الافتراضات والشحن الاعلامي والتقارير الهزيلة، وليس الوقائع والحقائق.
وكمثال: في لقاء، قبل سنوات، مع المرحوم اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المصري الاسبق، بحضور الاخ نوري البدران وزير الداخلية العراقي الاسبق، قال سليمان، ان التدخل الايراني وصل درجة "ان الاذان في البصرة يرفع باللغة الفارسية".. فقلت له "سيادة اللواء، ان مشكلتنا هي هذه التقارير والقناعات.. فهل ان الاذان في طهران يرفع بغير العربية حتى يرفع في البصرة بالفارسية"؟ وفي سياق مماثل يروي السيد زلماي خليل زاده انه في زيارة الى السعودية عندما كان سفيراً في العراق قالوا له، ان العاملين في وزارة الدفاع العراقية صاروا يتكلمون بالفارسية، فاوضحت لهم –والكلام لزاده- "ان رئيس اركان الجيش الفريق اول بابكر زيباري، والضباط الاكراد في القيادة العامة يتكلمون الكردية، وهي قريبة جداً من الفارسية"، وقس على ذلك. فالسيادة واضحة ولها اجراءات وشروط محددة، والتدخل نسبي وفيه ملابسات كثيرة.
هناك اليوم عدة الاف من قوات التحالف الدولي يشاركون مشاركة فعالة بالمعارك.. اما ايران فليس لديها قوات او معسكرات، بل تقدم الدعم التخطيطي والتشاوري والاستخباراتي، ليس لقوات الحشد الشعبي والعشائري فقط بل للقوات العراقية وللبيشمركة ايضاً، واقامت في لحظات حاسمة جسوراً جوية وبرية لامداد هذه القوات بالاسلحة.. وهذا كله تم ويتم بالتعاون مع الدولة وبالموافقات المطلوبة. وان وجود موقف مخالف او مناهض من بعض العراقيين وغير العراقيين من ايران لا يحول الامور لتدخل وانتهاك للسيادة، تماماً كما لا يجعل الموقف المخالف او المناهض، لبعض العراقيين وغيرهم من وجود قوات التحالف، تدخلاً وانتهاكاً للسيادة العراقية.
تركيا جار عزيز، ويهمنا جداً حسن الجوار والتعاون معها، خصوصاً في مواضيع تخص سيادة وأمن ومصالح الطرفين. وان موافقة العراق هي الشرط الاساس لسلامة الموقف في مسألتي التدخل والسيادة.. اما الافتراضات، بان الدولة العراقية تقنن تواجد الاخرين او تخضع للضغوطات، وان تركيا تقوم بما يقوم به الاخرون، هو افتراض خاطىء لا يقوم على اساس.
ستُطرد "داعش" على الاغلب من الموصل قريباً.. وهذا انجاز كبير سيقلب موازين القوى ضد الارهاب. فـ"داعش" استعدت لهذه الهزيمة بحذف "العراق والشام" من اسم دولتها في آب الماضي.. لكن الهزيمة النهائية لـ"داعش" لن تكون بفتح ممرات هروب، كما يفكر البعض.. فهذا تكتيك قد يصح احياناً، لكنه لا يصح هنا، خصوصاً مع قدرة التطويق والحسم. فالتساهل –بافتراض حسن النية- امام "داعش" للانتقال من منطقة لاخرى.. وبين العراق وسوريا، وغيرهما.. قد يضعفها موقعياً وتكتيكياً، لكنه يقويها استراتيجياً وسوقياً (بالمعنى العسكري).. فهزيمة "داعش" النهائية ستكون عند اجتثاث فكرها وممارساتها اينما وجدت، وعندما تطوق دول المنطقة والعالم "داعش" ومثيلاتها وتدمر بنيتها تماماً.. وعندما يقتنع العالم بمجمله ان "داعش" ليست "فزاعة" او اداة ضد خصم اسمه الشيعة او ايران، بل هي وباء مدمر، يهدد حياة وأمن كل دول المنطقة والعالم.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha