وليد كريم الناصري
أسئلة على طاولة الحوار، لماذا لم يعد هناك إنتماء للوطن؟ وبدى مفهوم الوطنية يتلاشى شيئاً فشيئاً في السنوات الأخيرة! لماذا غالبية المواطنين ليس على إستعداد بالتضحية للوطن؟ عكس ما كان قديماً، عندما كانت الوطنية كأحد فروض الطاعة، والواجبات لله، والغريب عندما يسأل المواطن اليوم، عن سبب عدم تضحيته، يجيب "ماذا قدم لي البلد لكي أضحي؟!" الإجابة التي تترك ورائها إستفاهمات تقول: متى أرتبط مفهوم الوطنية بالدولة أو الحكومة؟ وأين تنشأ؟ وكيف تكون؟
قبل أن نحاول إستقراء الأسئلة، لنُعرف الوطنية، عرفتها الموسوعة العربية العالمية: "هي تعبير قويم، يعني حب الفرد وإخلاصه لوطنه، الذي يشمل الإنتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ، والتفاني في خدمة الوطن" وحقيقة الوطنية إنها ترتبط بالعقيدة، التي تحرك المواطن على أسسه وثوابته، ويراها البعض:أنها تعبير وجداني، حالها حال الشعور، الذي يصدر بأوامر عقلية، ليجسدها القلب على تصرفات صاحبه إتجاه وطنه.
من بعد هذه المقدمة السريعة، لنأخذ المجتمع العراقي نموذج، نسقط على زواياه تلك الإستفهامات، كثير ما تقاس الوطنية عند الفرد من حيث تضحيته، وأقرب شيء للتضحية، هو وجوده في المؤسسة العسكرية للبلد، ما قبل 2003 تلاشت الوطنية بالعراق نهائياً، بدليل إن ثلث المكلفين بالخدمة الإلزامية لحماية البلد، تخلفوا عن خدمتهم! أما بتزوير مستمسكاتهم أو دفع الأموال، أو الهروب الى جهات مجهولة! أما الثلثين الأخرين فأنهما أُجبروا بالإكراه على تلك الخدمة، أو تطوعوا طلباً للقمة العيش.
يرى المكلفون والمتطوعون في المؤسسة العسكرية، أن وجودهم كان لا يصل لدرجة الزهد بالنفس، لأن تضحيتهم سياسية تهورية، أكثر مما هي وطنية مشروعة، وهي بعيدة عن العقيدة التي رأس مالها الدين، خصوصا وأن الحزب الحاكم، كان يجير المجتمع لما فيه مصلحته الشخصية، مما جعل الوطنية تتلاشى شيئا فشيئا خلال تلك الفترة، وهذا ما نلمسه في غالبية الدول العربية، التي إنتهت بربيع عربي لكل بلد.
نصل الى حقائق، تعنى بأساسيات الوطنية في العراق وهي:-
1- غياب الغطاء الشرعي والديني عن المؤسسة العسكرية سابقاً، هو من أفقدها مفهوم الوطنية! عكس ما رأيناه اليوم من صورة، تتسابق بها ألاف الشباب على السيارات المكشوفة، للوصول الى ساحة المعركة! والإجادة بالنفس هناك، تحت غطاء فتوى الجهاد الكفائي.
2- وجود حكومة فاسدة مستبدة بالقانون والقرار إتجاه الشعب، مع تغني تلك الحكومة بمفردات الوطنية الكاذبة، حتماً ستخلق فجوة تباعد وتباغض، بين المواطن والوطنية.
3- حكم الأغلبية بقانون ومذهب الأقلية! يولد حالة من عدم الأنصياع للحاكم، حيث عدم أحليته وشرعيته، مما يبعد تلك الاغلبية عن التضحية، وهذا ما يفسر حكم صدام للشيعة، حيث يرون الشيعة وجودهم تحت سطوة البعث، لا يدعوهم لزج أنفسهم بالوطنية، التي يتغنى بها صدام وحزبه، خصوصاً وهم أولى بالحكم منه لأنهم الأغلبية.
4- إذا ما رجعنا الى التاريخ قليلاً، نجد أن الوطن دائما ما يبنى على أكتاف الشيعة لأنهم وطنيون، ولكن يحصد غلة محصولهم غيرهم من المكونات، وثورة العشرين الشاهد الذي لم يغب عن الأذهان، فهم أول من يضحي من أجل الوطن، وأول من يزهد بالحكم، طلباً للتسوية، وعدم زج الشعب بالإقتتال الطائفي، وتلك هي أبهى صور الوطنية.
نصل الى حقيقة تقول أن المسلمين، وبالأحرى الشيعة، هم أعم وأشمل وأخص من غيرهم بالوطنية، وتأتي وطنيتهم من حيث وجود الغطاء الشرعي والديني، القاضي بحماية الوطن وخدمته، الأمر الذي يفسر زيف إدعاء الشركاء بالعيش "الشيوعيون" بأنهم أكثر وطنية من غيرهم، ففي الوقت الذي تسبى وتنهب به حرائر وممتلكات البلد، تجد المسلمين بمرجعياتهم يقودون الحرب، فتسقط الشهداء، وتخضب العمائم، والشيوعيون يتسكعون في نواديهم الليلية بين الخمر والمغنيات، متخذين من فشل العملية السياسية، مع وجود بعض المتخبطين بالسياسة، ذريعة للتغني بالوطنية الزائفة بين البسطاء.
https://telegram.me/buratha