المقالات

هل العراق دول ناجحة.. فاشلة.. او بين بين


 

الدولة الناجحة -حسب عالم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والفلسفة الالماني"ماكس فيبر"، بكتاباته المشهورة في مطلع القرن العشرين- هي التي تستطيع، حصر الاستخدام الشرعي للقوة بيدها، وبخلافه يصبح وجود الدولة موضع شك، لوجود زعماء حرب، او منظمات شبه عسكرية. اما الدولة الفاشلة، وفق المؤسسات كـ Fund for Peace، والمختصة بقوائم الدول الناجحة والفاشلة، فهي التي تفككت لدرجة تنعدم فيها الشروط والمسؤوليات لحكومة تؤدي واجباتها السيادية. ومن مظاهرها:

1- فقدان السيطرة على الارض، او فقدان شرعية الدولة لاستخدام القوة على كامل اراضيها..

2- عجز السلطة الشرعية عن اتخاذ القرارات وقيام فراغ شبه كامل..

3- العجز عن توفير الخدمات العامة الاساسية كالتعليم والامن والادارة والصحة العامة، الخ..

4- العجز عن التعامل مع الدول الاخرى كعضو في المجتمع الدولي.

يضيف البعض شروطاً اخرى، ويحذف اخرون بعضها. ورغم ان النقاط اعلاه هي مداخل جيدة، لكن المسالة تتطلب التدقيق، فالشيطان في التفاصيل. فمعظم هذه المؤسسات مؤدلجة، فتسلط الضوء على جوانب وتخفي اخرى، لتخرج باستنتاجات مسبقة حسب سياساتها ومرجعياتها، او عقلها الباطن. وقد انتقد كثيرون بدورهم هذه القوائم، معتبرين افتقادها الموضوعية والعلمية اللازمتين، واستنادها لمعلومات وتقارير غير معتمدة كـ"الجزيرة" وغيرها. فهي وصفية، وانتقائية، ولا تصلح للخروج بادوات عمل تساعد في تصور المعالجات وتطبيقاتها، او الوصول لاستنتاجات صحيحة.

تشبه الدول ومستقبلها الانسان عند الكلام عن صحته. فالمؤشرات الطبية، كالحرارة والضغط واداء الجسم لوظائفه لا تكفي ما لم يعرف الطبيب تاريخ الانسان الطبي والعوامل المحيطة به. فقد تكون المؤشرات مقلقة، لكن الطبيب قد يتفاءل، لمعرفته بالمؤشرات السابقة التي كانت تشير لاوضاع اسوء. على العكس قد تكون المؤشرات جيدة، لكن "المفراس" اكتشف ورماً يصعب علاجه قد يسرق الحياة من صاحبه.

كثير من الدول قد تبدو ناجحة بمقايستها وفق النقاط الاربعة اعلاه، لكن قراءة معمقة لواقعها، ستكشف عن احتمالات اعلى للتفكك والانهيار. فالاتحاد السوفياتي كانت تنطبق عليه في يومها جميع مواصفات الدولة الناجحة، لكن ورماً صغيراً كان ينمو داخله قاد الى تفككه بالكامل. بالمقابل بدت روسيا في بداية التسعينات كدولة فاشلة، ومفككة وغير قادرة على دفع رواتب موظفيها، وتعم فيها الفوضى، واذا بها تنهض من جديد لتصحح الكثير من شؤونها الداخلية والخارجية.

اذا درسنا وضع العراق وقدراته وثرواته البشرية والطبيعية واستعادته لحرياته فانه يستطيع تلبية الشروط الاربعة اعلاه. فمن هذه الزاوية يمكننا الكلام ان الحكومات المتعاقبة فشلت في العبور الى الضفة الاخرى للدول الناجحة، رغم توفر العوامل الموضوعية.. لكننا عندما نقارن الاوضاع اليوم بما كانت عليه، خصوصاً في (١٩٩٠-٢٠٠٣) فاننا نستطيع القول ان مؤشراته –بكل نواقصها الخطيرة- في النقاط (١، ٣ و٤) اعلاه، هي افضل مما كانت عليه.. تبقى النقطة (٢) وهي عجز السلطة عن اتخاذ القرارات وقيام شبه فراغ، فهو في نظرنا التهديد الاهم لحالة البلاد، وهو ما يمنع الانتقال من دولة مريضة الى دولة ناجحة. وقد يقول قائل ها هي الدولة تتخذ قراراً وتطرد "داعش" وتقنن اوضاع القوات غير النظامية، وهو ما عجز عنه اكثر من ١٦٠ الف جندي امريكي قبل سنوات.. وهذا صحيح ويبين انه عندما تتخذ القرارات الصحيحة، وتنظم القوات المسلحة، وتعبىء القوى الشعبية ويتحد الجميع في المعركة التي تدعمها الدول الاقليمية والعالمية، فان السيادة على الارض تتحقق، واننا نستطيع الانتقال من حالة فشل الى حالة نجاح. لذلك فان ما يحتاجه العراق في الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والادارية هو التخلص من عقلية الدولة الريعية الاحتكارية، وتوحيد النظرة والفلسفة ليعمل الجميع في اتجاه واحد وفق الدستور.. محققين الاتفاق النهائي بين شركاء الوطن.. وان الدولة هي دولتهم ودولة المواطنين، وليست دولة المسؤولين والاحزاب. وان اجبها توفير الامن وحماية حقوق المواطنين وتقديم الخدمات الاساسية لهم (النقطة ٣ اعلاه).. وهو امر تدفع اليه العوامل الموضوعية، ولا يحجزه سوى العامل الذاتي كالجهل، والمصالح والصراعات الضيقة، التي يخسر فيها الجميع، بينما الفرصة متاحة ليربح الجميع.

 

عادل عبد المهدي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك