وليد كريم الناصري
رائحة شواء الضمائر، تملأُ أرصفة الوطن، فتسد شهية الأمل بالحياة، شراهة العيش، تفقد شعورها وإحساسها بالجوع، مآذن ترفع أصواتها مستنجدةً بالسماء، كنائس تدق أجراس الخطر، المنابر مكممة، والصلبان مستعبدة، خريف بغير أوانه يعصف بالبلد، فَيُسْقط أوراق الحياة في مقابر مزدحمة، المقبرة تشهد حفلات عرس جماعي، ثياب العرائس، يلونها غبار الثكل، لعب الأطفال شاحبة كوجوه اليتامى، والليل يخفي دموع الفاجعة.
إلا في من ندر ،نفوس الساسة يلونها النفاق، والقلوب إنتزعت ثوب الإصلاح، العقول أفلتت حبال ركابها، فتلقف كل متربص طرف، وراح يجر أليه ما يريد، يبتاعون الولاء في دكاكين العمالة المذهبية، ويشترون مصالحهم بأسواق الوطن، يستطعمون الجُمَل بخطابهم فيزينونها، ويستقبحون الأفعال بسرهم فيخفونها، غادرت عروش فكرهم الى الحلفاء، قبل أن تغادر قصورهم الى نخلة الخليج، خزائنهم مقابر جماعية، من الأموال المسروقة، جثث تعفنت برائحة السرقة وهدر المال العام.
نتساءَل عن أموال العراق، أين هي؟ أوراق الحياة لماذا تملأُ مقابر الحشد؟ لماذا نعيش مآسينا بصورة جماعية؟ لكن لم نُكلف أنفسنا لحظة، ونسأل، من هو السبب في كل هذا؟ من المقصر الأول يا تُرى؟
ثمان سنوات، ماذا جنى الشعب؟ لَست نواحاً، لأجلس وأتباكى بحضرة الإستسلام والتظلم، أمام واقع الحال الذي نعيشه، بقدر ما أريد أن أشخص سبب ما نحن فيه، هل ساسة البلد بلا مهنية؟ أم سياسة الأحزاب المتسلطة هي السبب؟، هل نشكو غياب الحس الوطني، أم نعاني من أزمة ضمير؟ قد يكون إجتماع تلك الأسباب على طاولة مضطربة، وبوقت حرج، هو الذي قادنا الى ما نحن عليه...
منذ عام (2006 )، ولغاية عام ( 2014), ( سنين الوفرة) العراق، بميزانيات وصلت (551 مليار دولار)، والحكومة أستوردت ما قيمته ( 115 مليار دولار)، مزاد البنك المركزي يعلن عن بيع (312 مليار دولار)، في حين إن الحكومة، لم تطلق من حصة موازنات المحافظات، إلا نسبة (10%)، وهذه المبالغ، قادرة على بناء إقتصاد بلد، وتجنبه ( سنوات الشحة)، ولكن المؤتمن عليها كان غير قادر على البناء، ولذلك لم يعرف مصير تلك الاموال.
المؤسسة العسكرية، التي كان يلقي عليها المؤتمن ثقل أعذاره بالصرف، قد تكون الأرقام مخيفة، التي تحدد ما صُرف على تلك المنظومة من مليارات، لكن النتيجة، شوارع تملئها صور الشهداء، الذين تركو طعم الحياة، ودخلو تلك المؤسسة بعنوان المتطوع المنقذ، سياسة متسلطة فاشلة، أطبقت على صدر العراق لثمان سنوات، دفعت بهولاء بأن يكونوا ( أقدس منا جميعا).
الشعب العراقي، وبمعدل(85%)، يستقبلون الطاقة الكهربائية بشكل متقطع، و(83%) ليس لها مصدر موثوق للمياه النقية، شبكة الصرف الصحي تعالج (37%) فقط ،معدل الوفيات المرضية، (193) من كل (100 الف)، في حين تبلغ النسبة (23) حالة وفاة طبيعية، مقارنة مع دول أخرى، هذا يعطي مؤشرا واضحاً على تردي الأوضاع بالعراق.
مؤسسات التعليم في العراق، تعرضت لسوء الإدارة، ومافيا الفساد تحكم قبضتها، العزلة الطويلة التي يعاني منها الجسم التعليمي المترهل بالروتين. نسبة المسجلين يبلغ(55% )، وإن (74% ) فقط من الذين تتراوح أعمارهم بين (15– 24) قادرون على القراءة والكتابة، التعليم في العراق يسير بالمنحنى السالب، من خط الاعتدال.
مشاكل تبحث عن حلول، قد يفلح العلاج بإقتلاع جذر المرض، بعد تشخيصه، فهل وصلنا الآن، الى مرحلة التشخيص؟، الى اليوم ومصطلح الفخامة يراود السنة بعض العقول، بدلاً من أن نُخرج يوسف من بئر التغييب، لنأتمنه محصولنا، رحنا نعطي محصول وفرتنا، بيد الكاهن الأعظم، فغيب الكاهن أموالنا ومحصولنا من النفط ، في بطون الكهنة والمقربين منه.
التقشف فتوى أصدرها الكاهن، ليلزم بها الشعب، وترفع الفتوى عن إصحابه، ومعالجة ماترتب على تلك الفتوى، يكمن في تشخيص تلك الوجوه الكالحة ومحاسبتها ومقاضاتها، بأرجاع ما سرقوه، وهذا هو ما تتطلبه المرحلة، للقضاء على أفة التقشف المطبق....