لقد افلت الكثير من هؤلاء القضاة من العقاب , لانهم قد تكيفوا مع الوضع الجديد , و في غفله من الزمن تمكن بعضهم من التسلل الى بعض مواقع المسؤولية! , و اخرون اصبحوا من دعاة الديمقراطية وحقوق الانسان و يطالبوا بمعاقبه من اساءوا للناس في عهد النظام البائد !!! . ( بقلم رياض العطار )
تنتهك الكثير من البلدان ذات الانظمه الغير ديمقراطية , معايير استقلال السلطة القضائية التي حددها القانون الدولي و التي تنص على كفالة الدولة لاستقلال السلطة القضائية و تلزمها من ان ينص دستورها و قوانينها على احترام هذه الكفالة , و على جميع المؤسسات الحكومية و غيرها من المؤسسات احترام و مراعاة استقلال القضاء.و من اجل توضيح ذلك نطرح السؤأ ل التالي - ما هي أسس استقلال السلطة القضائية ؟ .
لقد أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية بأسس استقلال السلطة القضائية , و عرف الاعلان العالمي لاستقلال القضاء الصادر عن مؤتمر مونتريال المنعقد عام 1983 , استقلال القضاء بانه : ( حريه القاضي في الفصل في الدعوى دون تمييز او الخضوع لايه ضغوط او أغراءات , و يكون القضاة مستقلين تجاه زملائهم و اتجاه رؤوسائهم,و تكون السلطه القضائيه مستقله عن السلطتيين التشريعية والتنفيذية و اعاده النظر في الاحكام القضائية من اختصاص السلطة القضائية وحدها , و يحظر انشاء المحاكم الاستثنائية , و لكل شخص الحق في التقاضي امام المحاكم العاديه و تنحصر صلاحيات المحاكم العسكرية في الجرائم التي يقترفها عناصر القوات المسلحة مع بقاء الحق دوما في استئناف قرارات هذه المحاكم امام محاكم استئنافية ضالعة في الشؤون القضائية . للقضاء ولاية على كافة المنازعات , و لا يجوز الحد منها , والقضاة غير قابلين للعزل و يخضعون في تاديبهم لضوابط صارمة و لا يجوز ازعاج القاضي بسبب عمله , و يحظر على القضاة عضوية الاحزاب السياسية ... ) .
من اجل الغاء اي فرديه في تقرير مصير الاشخاص , من الضروري تقسيم السلطات و احترام الدولة لاستقلال القضاء باعتبار هذا الاستقلال العمود الفقري لدور القانون , و في هذا السياق نستعير تعبير الكاتب الفرنسي ( مونتسكيو ) , مؤلف كتاب روح الشرائع الذي كان له تأثير كبير في تطور الدستور الفرنسي ابان الثوره , الذي قال : ( ان الحرية تنعدم ان لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع لان حرية ابناء الوطن و حياتهم تصبحان تحت رحمتها ما دام القاضي هو المشرع , اما اذا كانت السلطة القضائية متحده مع السلطة التنفيذية فان القاضي يكون طاغيا . ) . يقول احد الباحثين في هذا السياق - ( ان اول عوائق استقلال القضاء هو ازمان السلطة التنفيذية و غياب مبدأ التداول الانتخابي على الحكم , الامرالذي يجعل الجهاز القضائي اسير مجموعة حاكمة تسعى لتوظيف مختلف السلطات لخدمتها دون رقيب او حسيب . و النتيجة الاولى لهذا ظهور طبقة من المشرعين و الحقوقيين المحترفين في انتهاك المعايير الدولية و التلاعب عليها من اجل توظيف القضاء , في خدمه المجموعة الحاكمة ( كانت هذه الظاهرة شائعة في زمن نظام صدام حسين البائد ) .كما ان هناك من يطالب بقوائم لمن مارس اوامر بممارسة التعذيب , و تعتقد بضروره وجود قائمة سوداء بأسماء هذه الفئة التي تخدم الظلم و الاستبداد على حساب سمعه القضاء و نزاهه المهنة . اما ثاني العوائق فهو يكمن في تقزيم السلطة القضائية عبر تحديد صلاحيات القضاء العادي باللجوء الى القوانين الاستثنائية من جهه , و استثناء قطاعات حاكمة من فضاء السلطة القضائية ...ان المتتبع للشأن العراقي سوف يلاحظ ان طبقة ( او زمره ) القضاة المحترفين في انتهاك حقوق المواطنيين في زمن العهد البائد قد لعبت دورا غير ( ...) من خلال التشريع والمحاكمات الجائرة و الغير عادلة للمعارضين السياسيين والتبرير القانوني لانتهاكات حقوق الانسان ( جنحة بسيطة يحكم بالاعدام ) .
وفي هذا السياق اعود بذاكرتي الى الوراء , حيث التقيت بمجموعة من شباب ( الديوانيه ), في احد المعتقلات كانوا عائدين للتو من محكمة الثورة في بغداد و بعد السلام عليهم ( نحن كنا قبلهم في المعتقل ) سألتهم عن الاحكام التي اصدرتها عليهم المحكمة , فقالوا الاعدام !!! علما ان التهم الموجهة اليهم لا تستحق سوى السجن بضع سنوات او اشهر ( التهمة هي اصدار منشورات بأسم الحزب الشيوعي العراقي و سرقتهم ألة رونيو من مديرية التربية ) .
لقد افلت الكثير من هؤلاء القضاة من العقاب , لانهم قد تكيفوا مع الوضع الجديد , و في غفله من الزمن تمكن بعضهم من التسلل الى بعض مواقع المسؤولية! , و اخرون اصبحوا من دعاة الديمقراطية وحقوق الانسان و يطالبوا بمعاقبه من اساءوا للناس في عهد النظام البائد !!! .
كما ان من اولى مستلزمات استقلال السلطة القضائية هو ابعاد وزارة العدل عن شؤون القضاء و جعل موازنة القضاء مستقلة يديرها الجهاز القضائي بعيدا عن وزارة العدل و المالية, كما يجب التوسع في اشراف القضاء على الانتخابات البرلمانية و البلدية و الحد من السلطات التي تتيح لرئيس الدولة تسمية الملاكات العليا من السلطة القضائية ...
و اخيرا , رغم الترسانة التي انجبتها لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة حول استقلال القضاء , فما زال هذا الاستقلال مجرد كلمة وارده في الدساتير لاكثر من ثلثي سكان المعمورة .
رياض العطار - كاتب صحفي
https://telegram.me/buratha