كاظم الخطيب
سمو الأهداف، وثبات الخطى، ورقي السلوك، ووضوح الرؤى، وخوارزمية النمو، وشرفية القيادة، ووحدة الصف، وعالمية التصور، وأحقية المطلب، ومصداقية الوعود، وصحبة الأخيار، ومنازلة الأشرار؛ كل ذلك يعد من ممدوح الخصال، وذروة الإعتدال، والضمانة الحقيقية لبلوغ حسن المآل، والتي قلما تجتمع في مفردة ما- فرداً كان أو دولة، أو كيان- إلا أنه ليس بالأمر المستحيل، وإن كان نادراً.
شواهد تـأريخية نادرة، ولمحات فكرية أندر، هي التي تحكي عن وجود تلكم الصفات مجتمعة في آن ومكان معاً، ولكن حكمة الله شاءت أن نجد كثيراً من هذه الصفات، بل أغلبها- إن لم يكن كلها- في دولة حديثة معاصرة، رغم مواكبة التحديات لها منذ اللحظة الأولى من قيامها فقد إستطاعت هذه الدولة وفي فترة وجيزة، من أن تكون في مصاف الدول العظمى.
دولة رسمت مسارها وحددت هويتها منذ اللحظة الأولى لقيامها؛ من خلال رؤية قيادتها المتوازنة، التي تستمد مقوماتها من الشريعة الإسلامية الحقة، والنهج العلوي المستقيم؛ فكان شعارها على الملأ "لا شرقية، لا غربية، جمهورية إسلامية"، وأيضاً شعار "إستقلال، حرية، جمهورية إسلامية"، فكانت إسلامية بحق، ولم ترتم بأحضان شيوعية ماركسية، ولا رأسمالية ليبرالية، فقد شقت طريقها بثقة بالغة، وإصرار حكيم.
دولة فتية، مازالت في آتون ثورة عارمة، ولما تستتب أمورها بعد.. تفاجئ العالم بإعلان قيادتها المتمثلة بالإمام الخميني( قدس سره) بالدعوة لنصرة القدس، ولم تك تلك الدعوة موجهة للعالم العربي أو الأمة الإسلامية فقط، بل كانت موجهة لشعوب العالم أجمع؛ عندما وجه خطابه التأريخي (قدس سره) قائلاً "ادعو جميع مسلمي العالم الى إعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التي هي من أيام القدر، ويمكن ان تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني، يوماً للقدس، وان يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين، دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم".
لقد كانت القدس من أولويات هذه الثورة، ومن صميم ثوابتها، مما أثار حفيضة المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي، وقلق الكيان الصهوني، الذي تلقى صفعة قوية لم تك بالحسبان، وكان ذلك الإعلان- يوم القدس العالمي- بمثابة ثورة أخرى يفجرها ويقودها الإمام الراحل، فكانت ثورة عالمية، تمكنت من تحريك مشاعر المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، نحو مظلومية قبلتهم الأولى، ومعراج نبيهم الكريم( صلى الله عليه وآله).
حدد الإعلان عن يوم التضامن هذا، في توقيت حكيم؛ فقد كان في شهر فضيل وهو شهر رمضان، ويوم كريم، وهو يوم الجمعة، وأيام مباركة، وهن العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وهي أيام ليلة القدر؛ مما أضفى على هذا اليوم هالة قدسية، وصفة عبادية؛ كونه يخاطب النفوس وهي في تجليات الإنقطاع لله سبحانه، والإستعداد لطلب مرضاته، فكان ذلك اليوم، فوزاً ومجداً لمن دعى، وعزة وشرفاً لمن لبى.
منذ رمضان- تموز- 1979 وحتى رمضان- آيار- 2019، كانت بوصلة الثورة تتجه صوب القدس، ولم يحدث يوماً أن تغير هذا الإتجاه مطلقاً، بل إنه ِقد أصبح محوراً للصراع المصيري القائم بين بين جمهورية إيران الإسلامية وبين الكيان الغاصب لفلسطين، في الوقت الذي كُشِفَتْ فيه عورات الأنظمة العربية، التي كانت تدعو للتطبيع مع إسرائيل، والتفريط بقضية المسلمين الأولى، والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ختاماً.. لقد أثبتت الأيام وأفصحت التجارب، بأن القدس لم تكُ هماً سياسياً عربياً قط، بل على العكس من ذلك؛ فقد كان الموقف السياسي العربي، هماً لقضية القدس وفلسطين، فقد دأبت الحكومات العربية على التنازل تباعاً، والتطبيع سراعاً، ومنازلة إيران المناصرة للقدس حرباً ونزاعاً.
https://telegram.me/buratha