أ.د.ضياء واجد المهندس
كان جابر رجل بسيط ، وجد نفسه مع حمار يعيله اسمه (ابو صابر) كان رفيق وصديق وصاحب جابر ، ويعيشان سوية ، وعندما يسأل جابر عن عمره يقول : عمري بعمر (ابو صابر) ..
كان جابر و الحمار (ابو صابر) يخرجان الصبح الى السوق ليتبضعوا الخضار والفواكه لتجار بغداد من سوق الولاية، ويرسلانه الى بيوت التجار في الاحياء القريبة من الميدان، قاطعين (ساحة الجندرمة) المخصصة للاحتفالات وجمع الناس في المناسبات المهمة..في احد الايام، واثناء مرور جابر و الحمار (ابو صابر) من الساحة، منعتهم الجندرمة بداعي ان الساحة ستكون (السلطانية دار)، وهي تعني مركز اعداد الولاة من الباشوات والبيكوات والافندية وانه سيتم بنائها باسرع وقت، بامر السلطان من (الاستانة) في استنبول ..
سال جابر عن(السلطانية دار ، قال واحد يوزباشي (ضابط): اذا دخل حمارك الى السلطانية يتخرج لو باشا، لو بيك ،لو افندي..غير جابر و الحمار (ابو صابر) طريقهم بجانب الساحة، لكنهم سمعوا ان السلطان امر بتقديم تبرعات للبناء، وافضلية التسجيل لمن يتبرع للدار..فكر جابر مع نفسه حول تسجيل الحمار (ابو صابر) في (السلطانية الدار)، لانه تعب من الحمل اليومي، ووفاء للحمار ولمجهوده الطويل مع جابر..استلمت الجندرمة الحمار (ابو صابر) للعمل والتحميل عليه في البناء ، بينما كان جابر يظن انه سيعلمونه ليصبح باشا..
مرت ايام صعبة على جابر، وهو ينقل السلال (كيس من الخوص) الى بيوت التجار ويمر ببناية (السلطانية دار)، وهو يدندن لعل الحمار (ابو صابر) يسمعه ويزوره، وكانت اغنيته التي اشتهرت في السبعينات من القرن الماضي بعد ان جعل الفنان (حسين البصري) رومانسية بكلماتها لتكون اكثر شاعرية ..
يقول جابر : (يا ابو صابر...انا صابر ..على چيتك على باچر.....)..بعد سنتين، وعندما اصبح (السلطانية دار) تخرج الباشوات والبيكوات والافندية، قرر جابر زيارتهم ومعرفة مصير الحمار (ابو صابر) ..بعد الحاح شديد استمر لايام ، قررت الجندرمة نقل طلب جابر الى مدير الدار واسمه (خليل باشا) و كنيته (ابو صابر)..قال اليوزباشي الى مدير (السلطانية دار): ان رجل من العامة يريد مقابلتك ، و يدعي انه صديقك ، وكنت عايش معه في داره..بالرغم من استغراب (خليل باشا) لذلك، الا انه سمح بادخاله ومقابلته ..عندما دخل جابر الى مكتب خليل باشا انبهر، و عندما راى الباشا زاد انبهاره وقال: ملعون ابو صابر ، صاير ادمي ، كبران عبالك عشر ابغولة ، لو اربع حصونة ..
غضب خليل باشا وقام وانهال ضربا على جابر، ولم يستطع اليوزباشي والجندرمة من انقاذ جابر من ايادي خليل باشا الغليظة الا بجهد شاق..امر خليل باشا ان يرسل جابر الى (الحاكم دار) ويعني(القاضي) ليحاكمه على الاساءة للباشا...عندما وصل جابر الى المحكمة، كان امامه اثنان من المتهمين .قال القاضي للمتهم الاول : ماذا تعمل؟ قال المتهم الاول: امين خزنة (صندوق) الولاية ...قال القاضي: اين الاموال ؟
قال المتهم الاول: خسرتها في القمار...قال القاضي: كيف واين خسرتها؟؟!...قال المتهم الاول: طلب الوالي ان العب معه، و كل مرة اجعله يغلبني، و لان الوالي مسرور بفوزه، طلب مني اللعب باموال الولاية، والحقيقة لم ارغب في ان اكسر كلام الوالي، او احرمه من متعة الفوز ولذة حساب الفلوس..قال القاضي: عفارم، اموالنا عند والينا...افندي انت براءة ..سال القاضي المتهمة الثانية: ماهو اسمك وماذا تعملين؟ اجابت المتهمة: اسمي حسنية خاتون، واعمل مغنية بقصر الباشا الوالي...قال القاضي : لماذا ضربت، واحدة من راقصات القصر؟ ، اجابت المتهمة: الراقصة (نرجس) صارت (خاتون)، و صارلها اكثر من اسبوع بمكتب وغرفة الباشا، و اصدرت من الوالي فرمان (امر ديواني) يمنح زوجها عمران لقب (افندي)، و ما تعطيني فرصة ارافق الوالي ولو يومين، حتى احصل لزوجي جبوري لقب الافندي...قال القاضي: نكتب للوالي ان تبقين في قصره اسبوع، والباقي على شطارتك..قال القاضي لجابر: ما الذي جعلك تدعي ان خليل باشا (ابو صابر) هو حمارك ؟ قال جابر: ابو صابر معاشره عمر، واعرفه اكثر من روحي..اعرف من يتنحر ومن يطنگر ومن يژگط ، والضربني نفسه صاحبي الحمار (ابو صابر)، نفسه من تنحر،و من طنگر، و من زگطني ، بس الفرق لابس قاط و باينباغ (ربطة عنق) و طربوش، و صاير احمراني و اكبر من عشر ابغولة ..
قال القاضي: يا جابر، الحمار من يصير باشا ، ما يعرف ابوه و لا صاحبه، صاحبه الكرسي ، وامه وابوه المال ...
اموال الولاية لعب بها (امين الخزنة) قمار وصارت ب (صندوق الوالي)، والمقامات والالقاب تصدرها المغنيات والراقصات، تريد الحمار من يصير باشا يرجع لك و يعرفك ؟!
خرج جابر وهو يدندن بكلام ،اصبح اغنية في خمسينيات القرن الماضي بعد تحوير كلامه ويقول:
(يلي نسيتونا..يمته تذكرونا ..يمته نجي عل البال..و ترجعنه زمال ..لا رفسة، لا زگطة.. ولا نوكع بورطة..غطو فد غطة..وعاينو الاحوال .....
تذكرت قصة ابو صابر، وهي من الموروث الشعبي المتناقل منذ اكثر من قرن من الزمان ، وانا ارى حال ولاتنا و حكامنا، وما آل اليه مصير شعبنا المسكين، مثلما خسر جابر حماره (ابو صابر) وهو مصدر اعالته، ولم يجن الا المهانة عندما طالب بحقوقه .
المهم ه هل وكيف التبس الامر على جابر فلم يميز بين الحمار ابو صابر و بين خليل باشا ابو صابر ؟!
لنا وللعراق لاهلنا رب قادر وقاهر ..ناصر شعبنا المظلوم الصابر ....
https://telegram.me/buratha