اطفال :كنا نتمنى ان نكمل دراستنا لكن الفقر لايرحم
مجيد الكفائي
الظروف الصعبة وغير الطبيعية التي مر بها العراق سرقت طفولتهم واحلامهم ولعبهم فأصبحوا بين ليلة وضحاها رجالا يحملون عددهم وادواتهم متجهين نحو سوق العمل ,اطفال بأعمار صغيرة قذفتهم ظروف الحياة في عالم لايعرفون عنه شيئا , عالم كله تعب . .. كله خطر, احلامهم ماتت في بداية اعمارهم حيث ولدوا كبارا, العابهم دفع العربات والمطارق والمناشير وليست الدمى او الحواسيب , لايعرفون الراحة و لا اللعب حتى في يوم العيد وعليهم تحمل الألم والتعب حالهم حال الكبار لا لذنب اقترفوه بل لانهم ولدوا في بلد لم يعرف الامن والاستقرار. كثير منهم امتهن مهنا شاقة ومتعبة فمنهم يعمل صبيا عند سمكري سيارات او اسطة حدادة اما البعض الاخر فراح يبيع اكياس النايلون في اسواق الخضار او المناديل الورقية والعلكة والحلويات عند اشارات المرور وتقاطعات الطرق , ومنهم من كان اكثر حظا فأصبح بائعا للفاكهة اوالخضروات في الاسواق الشعبية ,اجسادهم متعبة وملامح الفقر بادية على وجوههم يتوسلون المارة من اجل بيع بضاعتهم التي تبدو وكأنها بائرة
اليتم والحاجة سبب العمل
في سوق الخضار الرئيسي استوقفني طفل كان يركض خلفي ويقول " عمي علاكة " فسألته عن اسمه فقال لي ان اسمه قاسم عبد الخضر وانه يبلغ من العمر "11سنة " وانه يعمل ببيع اكياس النايلون في سوق الخضرة منذ ثلاث سنوات وقد ترك المدرسة وهو في الصف الثالث الابتدائي لانه يتيم و حالة اسرته المادية متعبة جدا وكان يتمنى لو ان ظروف عائلته المادية تسمح له بالدراسة لأصبح مدرسا او معلما
تركت قاسم وذهبت الى طفل يبيع "الخضرة" في عربة خشبية , كان ينادى على الزبائن في محاولة لاغرائهم على شراء "خضرته "سالته عن اسمه وعمره بعد ان طلبت منه السكوت عن المناداة فقال لي ان اسمه علي حسين ويبلغ من العمر " 14عاما " وقد ترك المدرسة في الصف الرابع الابتدائي بعد وفاة والده حيث وجد نفسه يعيل عائلة من 7 افراد هو اكبرهم وانه يعمل منذ 5 سنوات في بيع الخضرة وان دخله اليومي بالكاد يكفي عائلته التي تتكون من ام واخ صغير وخمس بنات جميعهم خارج مقاعد الدراسة وعندما اردت ان اذهب عنه قال لي كنت اتمنى ان اكون مهندسا لاني كنت متفوقا في المدرسة لكني ابيع الخضرة حاليا
اطفال يدفعون العربات الحديدية ليعيلوا اسرهم
بعد ان تركت علي توجهت الى وسط السوق المكتظ بالباعة والمتسوقين وحينها استوقفني منظر قاس مجموعة من الاطفال يدفعون عربات صغيرة يركضون وراء المتسوقين ويصحون "عربانة " قلت لأحدهم حدثني منذ متى وانت تعمل في هذه المهنة قال لي انا واخي فرقد نعمل في السوق منذ سنتين حيث توفي والدنا وتركنا بلا بيت ولا راتب فقد كان عامل بأجر يومي مع احد "خلفات البناء " ولأننا نسكن ببيت ايجار وليس لدينا اي مصدر رزق استدانت امي من الجيران بعض النقود وعملت لنا عربانتين " وطلعنه على باب الله" وعندما سألته هل كنت في المدرسة قال انا تركت المدرسة في الاول الابتدائي اما اخي فرقد فلم نسجله بالمدرسة اصلا لان امي واخواتي لايستطعن العمل ولابد ان نعمل لكي نوفر لقمة الخبز لنا ولاخواتنا
الحي الصناعي...واسطوات من الاطفال
ركبنا سيارتنا وتوجهنا من السوق وسط المدينة بأتجاه الحي الصناعي الذي يقع على الشارع الرئيسي بين مدينة السماوة والناصرية وهناك كان اول من التقيت عباس فضيل "13 سنة " والذي قال لي اني حديث العهد في محل الفيتر وبسبب عدم اتقانه العمل فأنه لايكلف الا بجلب الشاي و معدات العمل لاستاذه "الاسطة" وعندما سألته لماذا تركت المدرسة قال لي انا تركت المدرسة في الصف الخامس الابتدائي لأني اريد ان اتعلم صنعة " تفيدني" في مستقبل حياتي
في محل قريب لتبديل الدهن التقيت محمد عليوي"12 سنة " وهو يقوم بتبديل الدهن لأحدى السيارات وعندما سألتة عن السبب الذي دعاه للعمل قال لي انه يتيم وانه وجد نفسه منذ صغره معيلا لأسرة من 6 افراد بينهم اخ عاجز لذلك فانه مضطر للعمل ولولا ظروفهم المالية لكان في المدرسة اردنا اخذ صورة لمحمد الا انه رفض ذلك وكذلك فعل كل الاطفال ممن التقينا بهم حياء وربما خوفا
عمل الاطفال ظاهرة لابد من التوقف عندها وايجاد الحلول لها
اطفال صغار يعملون من اجل توفير لقمة العيش لهم و لعوائلهم في بلد يطفو على بحيرات من النفط والمعادن , اطفال صغار سرقت طفولتهم وطموحاتهم ولولا الحاجة والفقر لكانوا في مقاعد الدراسة ولاصبحوا بعد سنوات معلمين اومهندسين ولكن الظروف المعاشية والفقر جعلت منهم عمالا بدنانير معدودة فمن ينصف هؤلاء الاطفال ومن يحمي اطفال اخرين قد ينخرطوا في العمل صغارا للظروف نفسها ؟ سؤال يطرح امام الجهات المعنية .
https://telegram.me/buratha