ا.د.ضياء واجد المهندس
كان الكبش الابيض، المرقط بالسواد على كتفه، يتأمل قطيع الغنم، ينظر بفخر امام النعاج اللواتي يعرفن فحولته، الخراف الذين جربو نطحه وضرباته، قال: لن اقبل بعد اليوم ان نكون مجرد قرابين للبشر، يضحون بنا في حجهم، و يقدمونا لضيوفهم، ويذبحونا لنذورهم، ويشتمون بنا بعضهم ببعض، ويقولون: بلد خراف، وشعب خراف، هل خلقنا لكي نذبح ونقدم على اطباق للبشر..
من الان ،ستكون لنا رسال ، سنحيا لنقدم لأنفسنا وأبنائنا، دولة ومجتمع انظف وانزه واعدل وارقى من البشر الجزارين..
لاحظ الكبش الثائر ان الخراف بدأت بالتراجع نحو الخلف في زوايا الزريبة، حينها ادرك ان الجزار قد جاء بكلاليبه وسكاكينه..كانت الخطوة الاولى للكبش الثائر هي المواجهة، ليزرع في ابناء جلدته الصوفية، القوة والعزيمة والاصرار والمبادرة على التحرر.
حاول الجزار ان يسحب الكبش الثائر ليكون الذبيحة الاولى، و عبرة لمن يحاول اثارة الشغب على عرش الجزار، الا ان مقاومة الكبش ونطحه وإصراره على الافلات من قبضة الجزار، انهكت الجزار وجعلته يختار كبش آخر كان مسالما، ذهب صاغرا نحو مصيره المحتوم، وهو ينظر الى البقية بحزن، والى الكبش الثائر بحسرة و استسلام...
في المساء قرر الكبش الثائر ان يبدأ الخطوة الثانية: الهجوم والافلات من الجزار، قام الكبش الثائر بكسر سياج متهريء، وصاح: ايها الخراف، يا اهلي، انطلقوا نحو الحرية، لقد كسرت قيود سجنكم واحتجازكم.
لم ينطلق معه الا بضعة خراف ونعاج ، كانوا يقدمون خطوة ويتعثرون في خطوة، وكان التردد والخوف يطبع اثاره على اثار اقدامهم. تراجع القطيع الى الخلف في الزريبة، قال كبش كهل: لقد جئتنا شيئا نكرا، ما فعله احد من ابائك الاولين.
قالت نعجة: انك تثير فتنة بين الاغنام، وتجلب علينا غضب سيدنا الجزار، ونخشى ان يقطع علينا الماء والكلأ.
قال كبش اخر: ان قدرنا ان نكون اضحية وقرابين، منذ الاف السنين، فدع الحرية للآدميين، لقد خلقهم الله احرار، ومع هذا فان معظمهم عبيد لبعض الطغاة والظلمة والمستعمرين.
ايقن الكبش الثائر ان يبدا الخطوة الثالثة: مشاركة القطيع وتحفيزهم للثورة، فدخل الزريبة واخذ يهتف: ايها الشجعان من النعاج والخرفا ، اناديكم لتثوروا على ظلم وقتل وإبادة الجزارين البشر، هم يذبحون بعضهم البعض من اجل السلطة والمال والجنس، و يذبحونا من اجل الاضحية والقرابين والنذور والشراهة في الطعام، لماذا لا يكونوا نباتيين، لماذا لا يأكلون النمور والفهود والاسود.
لم يتقدم لدعم الكبش الثائر الا بعض الخراف والنعاح، اما الباقين فانزووا في ركن بعيد.
قال الكبش الثائر لهم: ايها الجبناء ، الذين ارتضيتوا الذل والعبودية والمهانة والذبح، لن تكونوا احرار، وستورثون خرافكم ونعاجكم العبودية والذل.
اشتد الخلاف بين الكبش الثائر وبقية الخراف، الذي تحول الى عراك ونطح، وانتهى بالكبش الثائر قتيلا، و جرح عدد كبير من الخراف.
جاء الجزار وسحب الكبش الثائر، و هو يثمن موقف الخراف في البقاء في الزريبة قائلا لهم: اشكركم، ساتيكم بالماء والعلف، لن اسحبكم بقوة بعد الان، عليكم ان تقفوا بالطابور، و كل واحد ياتيني متى ما اشرت له.
قامت نعجة مجروحة مناصرة بجمع صوف وبقايا الكبش الثائر ليكون نصب له، وقالت للقطيع: كلكم تعرفون الكبش الشهيد لو كان يرغب بقتلكم لقتلكم جميعا، ولكن جرحكم اجمعين، لتكون جروحكم نياشين، تذكركم بخيانتكم وجبنكم وعبوديتكم، مات منطوحا وسيذبحه الجزار ويدعي انه ذبح كبش حي، لان الجزار بلا ضمير ولا ذمة ولا دين.ايها الخراف العبيد، لقد منحكم فرصة للحرية والنجاة، ولكنكم ارتضيتم العبودية وجبلتم عليها..يا اغنام، لو قدم الله لكم الحرية طعام، لاعنتم الصيام...ايها الخراف الجبناء، لقد لحقتم بكثير من البشر الرعاديد، الذين يمشون جنب الجدار والخيام، و يخشون الطغاة حتى في الظلام، وليس له من دنياهم الا الزاد والنيام ...
اقول ..لنا وللعراق ولاهلنا رب يلهمنا القوة ، و يجعلنا من اهل التغبير والثورة..
https://telegram.me/buratha