مجيد الكفائي
مع اشتداد الظلام... بدأت الجلبة تخفُّ شيئاً فشيئاً...
لم يعد يسمع في المكان إلاَّ دبيب الهوام وعواء الذئاب بين حين واخر.
الأطفال كفُّوا عن البكاء بعد أن أعياهم الصراخ طوال النهار.
النساء قُيدْنَ بسلاسلَ حديديةٍ، ووضعن في خيمة صغيرة يحيطها الحرس من كل جانب...
الجنود أرهقهم التعب فمدوا أجسامهم المتعبة على الرمال لإراحتها، فالنهار مرَّ طويلاً وكئيباً.
في خيمة القيادة يستلقي أمير الجيش على وسادته... يحلم بإمارته الجديدة وكرسيِّها....
لطالما كان ينتظر ذلك اليوم وها هو قد دنا.
أخذه حلمه إلى أرضٍ بعيدة، حيث إمارته الموعودة ...
ترآى له الناس ينحنون أمامه... يعظمونه، وهو يختال أمام كرسيّه الثمين، الذي قَتلَ من أجله أطهر الرجال، وأسر لأجله اشرف النساء ..
متعة الحلم أصمَّتْ كلَّ حواسِّه لم يعد يرى أو يسمع شيئاً ... صفَّق بيديه : اسكبوا النبيذ ولتعزف الألحان وترقص القيان...دخلت جميلات القصر تضربن بالدفوف والطبول تَهتزُّ أجسادهنَّ كأغصان البان... انتشى الأمير وطرب...ضرب برجله: أيها الساقي
سَكَبَ الساقي خمره المعتق...اِحتسى الأمير كأساً...سرت فيه حُمَيَّا الخمر...تراءتْ له كربلاء قصراً.
تراقصت أمام عينيه الأشلاء...طفل رضيع مذبوح ودماؤه تسيل...رؤوس تتدحرج...أيد مبتورة...خيام تحترق...أطفال عطاشى يبكون.
أصابه دوار، كاد يقع من على كرسيِّه...مد يده إلى الكأس احتسى ما فيه بجرعة واحدة... وضع رأسه على متكىءِالكرسي ...بدأت الصور تختفي الواحدة تلو الأخرى ...لاحت في خياله صورة جديدة... تراءى له ركبه المنتصر، وهو يتجه نحو قصر الوالي...لوَّح بيده للمحتشدين في الطريق ...أشار إلى الرؤوس المرفوعة على الأسنة...تقدَّم مرفوع الرأس أمام الجنود ...دخل القصر...سلَّم الوالي صك النصر... الوالي يختال مزهوا... لم يعبأ به ...الأمراء والقادة يسلمون على الوالي..يباركون له النصر... تضاءَل قَدَرُهُ...تلاشتْ أحلامُه... ضاعتْ إمارتُه ...لم يستطع التحمُّل ...أدار وجهه... الملايين تمشي وتصرخ حسين حسين ... الثأر الثأر... حاول الهرب لم يستطع...حكم عليه السائرون لكربلاء بعار أبدي.
https://telegram.me/buratha