سعد الزبيدي||
عندما كانت الانفجارات الدامية تهز العراق من أقصاه إلى أقصاه ويحصد الموت أرواح الأبرياء بلا ذنب ولا جريرة كنت ساعتها أظن أن العالم العربي والإسلامي ينكس أعلامه ويعلن الحداد لمصائبنا . كنت كبعض العراقيين نذرف الدموع لمنظر الموت والدمار والخراب وللمآسي الإنسانية .كنت أظن أن الحزن سيخبم على وجوه الجميع وما علمت أن حفلات الرقص والمجون والكؤوس ولعب القمار ستستمر في نفس المدن المفجوعة بل ربما بعضها لا يبتعد سوى أمتار قليلة من موقع التفجير . كان يكتنز صدري سؤالا واحدا :- لماذا يفتك الموت بنا لماذا نجمع من على الأرصفة أشلاء ممزقة لماذا يئسنا من الحياة حتى بات الواحد منا يودع أهله الوداع الأخير كلما خرج من البيت وربما لم يسعفه الوقت هذا الوداع وقد نزل على منزله صاروخ احمق وأباد عائلة بأكملها ؟!!! كان امتلاك الهاتف النقال للاطمئنان كل ساعة على من هو بعيد عنا خاصة مع سماعنا دوي الانفجارات أو سماعنا لها في اخبار الموت . كثيرة هي الفواجع وكثيرة هي الأيام الدامية حتى صارت اسماء الاسبوع دامية في أكثر من سنة فالآحاد الداميات والجمع الداميات ...الخ . كان الفضول يدفعنا أن نزور اماكن الموت كي تنوح الأمهات وتذرف الصبايا دموع الحزن ويشعل الشباب الشموع .مابين نوح وبكاء وعويل كان الجميع يصرخ من الأعماق :- لماذا ياالله ؟!!! مناظر الموت محفورة في ذاكرتنا ولا أبالغ أن قلت رائحة الموت عالقة في أذهاننا حين تحول المجتمع إلى وحش كاسر حيث أثمرت الفتنة وآتت اؤكلها سيلا من الدماء وصار منظر الموت شيئا عاديا لايبعث الرعب في نفوس اطفالنا . مناظر الخراب والتدمير مازالت شاخصة في كل مكان هنا وهناك وكلما تمر في شارع تستذكر فاجعة خطفت أرواح المئات . كان الموت يصر على أن يعيد الكرة في نفس المكان مرات عدة فالصدرية أعطت مئات الشهداء في أكثر من تفجير وهكذا هو حال الكرادة المنكوبة ووزارة العدل ووزارة المالية ومدينة الصدر وكل حي في العراق. مازلت اتذكر بألم فاجعة الكرادة التي راح ضحيتها المئات وقد استعمل فيها مادة نترات الامونيوم بكمية ربع طن فلكم أن تتصوروا ماذا فعلت ٢٧٥ طنا من هذه المادة . من المخجل جدا أن تتسابق دول الكفر كي تقدم المعونة المادية والمعنوية بينما يشمت البعض ويلوذ بالصمت البعض الآخر من عرب اللسان . مع هذه الفاجعة المؤلمة كنت اتوقع ان تعلن كل محطات البث التلفزيوني والاذاعي الحداد على فاجعة بيروت وان تتسابق الحكومات وأصحاب المليارات لإيصال المساعدات المادية والطبية والغذائية لهذا الشعب المسكين . لكن للأسف ذهب الليل وتكشف الصبح عن وجوه حاقدة وراح الإعلام الاصفر ينفث سمومه كي يشق الصف ويزرع الفتنة ويتاجر في القضية لأهداف وغايات في نفسه . البعض لم يحرك ضميره منظر قنبلة بيروت وراح يبحث عمن يعشق من الفنانات والممثلات ولم يخطر بباله من تسامى وتبخر مع هذه القنبلة لم يفكر في مئات القتلى وآلاف الجرحى وما خلفه الانفجار من دمار جعل الكثير بلا مأوى لم يتخيل كم طفل تيتم وكم امرأة ترملت أو أصبحت ثكلى وكم عائلة صارت أثرا بعد عين وكم حلم تهاوى وكم أمنية تمزقت لم يتصور حجم الخسائر التي سيتحملها الغني ويزداد عدد الفقراء والمحرومين . أين نحن من الله مسلمين ومسيحيين الا نشعر بالخجل حينما نلوذ بدول الغرب طلبا للمساعدة ومانفع الإخوان إن لم يهبوا لنجدة اخوهم في المصائب والشدائد هكذا أصبحنا مصداقا لقول الشاعر :- ما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل . أين العروبة والإسلام والصدقة والزكاة والخمس أين مثل المؤمنين كالبناء المرصوص يشد بعضه بعضا أين انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما أين قيم العروبة في إغاثة الملهوف ؟!!! لماذا ابتلينا بشرار خلق الله كي يحكمونا هل هذا هو استحقاقنا وقد ابتعدنا عن الله وصرنا وحوشا بشرية :- كيف ما تكونوا يولى عليكم ؟!!! ومابال دعاؤنا لايصل ابواب السماء التي سكرت في وجوهنا ؟!!! هل لنفاقنا وزيف إيماننا وريائنا وكذبنا ونصرتنا الظالمين ؟!!! ما بال العرب وهم أكثر من ٢٥٠ مليونا ومابال المسلمين وهم أكثر من مليار ونصف ؟!!! غرقوا جميعا في بحر المشاكل والمصائب التي لا تنتهي وكل يغني على ليلاه . الساسة اللصوص يسرقون الأموال كي يكنزوها في مصارف الغرب وهم يزرعون الخلاف والفتنة ويجهلون المجتمعات ويعتاشون على الأزمات ويرفعون شعارات فضفاضة في حب الاوطان وخدمة الإنسان وما هم إلا وجه آخر للشيطان . لعن الله حكام العرب اللصوص منهم والسفلة والقتلة لعن الله الساسة والأحزاب التي دمرت الاوطان وأهانت الإنسان بسم الحرية لعن الله كل مدع خائن جبان سرق ودمر وقتل وهجر وآثر نفسه وأهله على البقية . حزننا عليك يا بيروت لايقل عن حزننا على بغداد ودمشق وصنعاء والجزائر وتونس والقاهرة . لعن الله من أراد بشعوبنا شرا عربيا كان أم غير عربي . ضمدي جراحك يابيروت فالجرح جرحك والمصاب مصابك وامضي إلى الغد بشموخ وابتسمي بوجه اعدائك أنت يا عروس البحر والله سيداوي آلامك . الكاتب المحلل السياسي .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha