عمّارُ الـــولائيّ||
لقد تجلّى في كربلاء صراعٌ حقيقي بين الحق والباطل، والتي جعلت منهما برزخاً لا يلتقيان أبداً، كربلاء الحسين ولدت من رحم معطاء وعلى مرّ التأريخ والى يومنا هذا تعدُّ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أول نهضة لها أهداف سامية، فلولا نهضته وثورته وتضحيته (عليه السلام ) لاندثر تراث النبوة الخاتمة ، ولكان حقاً على الله ان يبعث نبياً، ولذلك أول وأهم أهداف الثورة الحسينية هو حفظ موقع خاتمية النبوة.
منذ أن طرقت كربلاء مسامع الإمام الحسين عليه السلام، ازداد تعلقه بها، لأنه على موعد معها، وهي الطريق الأقصر للوصول إلى مبتغاه ، وحين نعود الى وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية التي يقول فيها : “مَن كان باذلًا فينا مهجته، موطّنًا على لقاءِ اللَّهِ نفسه فليرحلْ معنا فإنّي راحلٌ مصبحًا إن شاء اللَّه تعالى”، هنا حدد الإمام الحسين ملامح ملحمة العشق الإلهي وهي أن من يروم اللحاق بهذه الملحمة يجب أن تتوفر فيه شرطان:
١- باذلًا فينا مهجته.
٢- موطّنًا على لقاء الله نفسه.
وكلما اقتربوا من ساعة الصفر الحاسمة كلما كان اشتياقهم أكبر للقاء الحبيب، وفي ليلة عاشوراء، ليلة الحب والمناجاة، ليلة العشق الإلهي، تراهم ما بين راكع وساجد وتال للقرآن ومناج لربه، تراهم قد توجهوا للمحبوب والمعشوق وارتبطوا به وأوصدوا الباب على كل من يعكر صفو خلوتهم تلك...
وعندما أسفر صبح عاشوراء عن وجهه، وعندما احتدمت المعركة، فإن أمواج العشق والوصال أخذت تضرب بربان وراكبي سفينة العشق الإلهي، من دون أن تنال من عزيمتهم وإصرارهم على المضي قدما في تحقيق أهدافهم النبيلة، تلك العزائم والإرادات الفولاذية لم تهن ولا تنكل بالرغم مما كان ينتظرها من المصير المحتوم، والإمام الحسين عليه السلام يرى كل تلك المصائب والمحن ولسان حاله:
تركتُ الخلقَ طراً في هواكا
وأيتمتُ العيالَ لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحب إرْباً
لما مال الفؤادُ إلى سواكا
وكيف لا تكون هذه ترانيمه العرفانية وكلماته الإلهية وهو صاحب أعظم دعاء في يوم عرفة ، الذي قال فيه مخاطبا رب العالمين : " عميت عين لا تراك ، ولا تزال عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً.
إنه يتخطى الموانع والحجب التي تقف عائقا أمامه لوصال الحبيب، لم تلهه عن ذلك ضرب السيوف وطعن الرماح ورضخ الحجارة، يتلقى كل ذلك المصاب والألم برحابة صدر وتسليم منقطع النظير لإرادة الله وقضاءه وقدره، لأنه يدرك بأن ذوبان نفسه بالحالة الإلهية هي خير مسكِّن لكل تلك الآلام والمصائب، وطالما كان يحمل بين جنبيه تلك الروحية العظيمة وذلك الخلق الرفيع.
كان همه الأول والأخير رضا المحبوب، ولتحقيق هذا الهدف السامي لم يكن يشعر بالألم والنصب والتعب، بل كان يزدادُ تألُّقاً وإيماناً وازدهارا، وتتجلى تلك الروحية العظيمة التي كانت تنتابه في آخر لحظات حياته عندما كان يجود بنفسه ويتمتم نشيد الشهادة، نشيد العشق والولاء
قال أبو مخنف: بقي الحسين( عليه السلام ) ثلاث ساعات من النهار ملطخا بدمه رامقا بطرفه إلى السماء وينادي: يا إلهي صبرا على قضاءك ولا معبود سواك يا غياث المستغيثين.
هل ترغب أن تتعرف على دروس العشق والوصل الإلهي؟ وهل تريد أن تشاهد أرضا مليئة بمحطات العشق والحب الإلهي، وهل تتمنى أن تطوي رحلة مئة عام بليلة واحدة؟ وهل خطر ببالك فضاء تتنفس به الصعداء للقاء الحبيب؟
إذهب إلى كربلاء وتوجه إلى قبلة الإباء وتجوَّل بين مراقد الأولياء الصالحين من أهل بيته وأصحابه، ستقتبس منهم معاني الإباء والبطولة وتخطي المصاعب فداء للدين والفضيلة والكرامة الإنسانية، وترتشف من أولئك الأبطال الأفذاذ نسائم الهدى والاستقامة، مثلما شمها الحر بن يزيد الرياحي، التي أحدثت تلك الهزة العنيفة في نفسه في أقل من يوم واحد، فقرر أن ينعتق من كل مغريات الدنيا الفانية، ويذوب بالعشق الحسيني الذي هو امتداد للعشق الإلهي وهو أقصر الطرق المؤدية إليه...
وعندما وصل إلى معشوقه الحقيقي فإنه قد تخطى الصعاب وأعطى المحبوب أغلى ما يملك وهو حياته، بعد أن قبل توبته بالرغم مما بدر منه من معاصي وذنوب طيلة حياته، فإنه قد أحدث انقلابا جوهريا في حياته ومصيره - وكذلك نحن نستطيع إذا ما أردنا ذلك- بتحوله من أُسار المادة والشهوية والشيطان إلى وصال المعنى والفضيلة والرحمان.
لذا أنْ تكون عاشقا للحسين ،فأنتَ عاشقٌ لله ،لأن الحسين قتيل العشق الإلهي،الذي أعاد بشهادته روح توحيد الله الى عالم الوجود وجسّد في العبودية لله أقصى درجاتها وسموّها وأقام الدين على الحق الذي جاء به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن أحبه فقد أحبَّ الله ومن أحبّه فقد أحبّه الله.
أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين، وجعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع وليّه المهدي من آل محمّد