بدأت مشاريع (تصحيحية)او اصلاحية بالظهور مع تراكم الانسداد الذي وصل اليه النظام السياسي واقتراب الدولة من حالة الفشل ، فالى جانب مشروع المرجعية العليا الذي اشرنا اليه في المقال السابق ،اخذت اوساط مختلفة تطرح (افكارا)عن مشاريع انقاذ او تصحيح او اعادة بناء ،وكان ابرز هذه الافكار ماطرحه السيد محمد عبدالجبار الشبوط بعنوان (مشروع الدولة الحضارية الحديثة)،فيما طرح البعض مشروع (الازاحة الجيلية )ودعى اخرون الى مشروع عام اسمه (الدولة المدنية )، ورد عليهم فريق اخر بمشروع( الدولة -المقاومة ). وباستثناء ماكتبه الاستاذ الشبوط من تنظير واسع لمشروعه محاولا اقناع اكبر عدد من المثقفين والسياسيين به ،فان المشاريع الاخرى افتقرت الى التنظير والشرح واكتفت بالعنوان العام ، ويعود ذلك في ظني الى فقر ثقافي وفكري ،والى انعدام القناعة التامة بجدوى الدعوة الى مشروع فكري تنهض به جماعة ،ويغدو برنامجا للتبشير وعمودا فقريا لعمل سياسي قاصد يقترب من فكرة التنظيم او الحزب او التيار المنسجم ،وكل ذلك معلول للبيئة العراقية التي تشهد صراعا متعدد الاشكال ،لكنه صراع يقترب من الفوضى ولاينتج خصوبة فكرية وعملية ، بل هو اقرب الى الصراع العدمي الذي يتخذ من الايديولوجيا غطاء لمزيد من التقابل والنفي والاقصاء ،وهذه سمة عامة طبعت الحياة السياسية العراقية التي لم تعتد التعددية الايجابية التي يقبل بها الجميع ، ويسعون الى توظيفها لخدمة مشروع الدولة واستقرارها وازدهارها ، بل هي تعددية الامر الواقع ، فيما تميل اكثرية الاتجاهات السياسية الى الهيمنة واقصاء الاخر ولاتبدو قادرة على التخلص من ارث الافكار الشمولية . لم تحظ (المشاريع) المشار اليها بفرصة الحوار العام ،ولم تناقش بنية الفهم والنقد وظلت تدور في فلك الاعلام ،ويفترض بمن يقدم مشروعا تتقرر في ضوءه مصالح امة ومستقبلها ،ان (يهندس )مشروعه ليكون مقبولا من طرف قوة سياسية -اجتماعية تتبناه وتسعى الى اقناع الاخرين به ويأخذ في الوقت ذاته المحددات والشروط التي تكتنف الواقع السياسي والحالة الاقتصادية والثقافية والتعقيدات بين الفئات والمكونات الاجتماعية مضافا الى تأثيرات الحضور الدولي وتدخلاته في الشأن العراقي . المشكلة الاكبر التي تحول دون الحوار والنقد المنتج ،يكمن في ضعف المؤسسة الحزبية في العراق ،وعدم قدرة غير الحزبيين على ايجاد مساحات تأثير في الوسط الاجتماعي ،فالبلاد تعيش استقطابا داخل كل مكون من مكوناتها ، بين رموز دينية وسياسية وزعامات حزبية وناشطين ، ويتداخل عمل هولاء الفاعلين بلاحدود واضحة بين الديني والسياسي والمالي ،وقد ترسخت علاقات زبائنية انتجت شبكات مصالح صارت تشكل وعي المواطن ، فلم يعد يميز بين مصلحة حقيقية للدولة والمجتمع ، ومصلحة فئة صغيرة يستفيد منها بشكل مباشر وتحقق له فوائد معاشية ، لذلك لم يعد ممكنا التعويل على ازاحة جيلية في ظل انظمة حزبية غير ديمقراطية ولاشوروية حقيقية ،ولاتنجح افكار بنائية كبيرة كالتي يدعو اليها الشبوط ، والفضاء العام في البلاد متراجع فكريا وثقافيا وتحكمه اخلاق الارتياب والشك والرغبة في وأد اي مشروع (لم يخرج من ماكنة حزبية متنفذه وذات قوة مسلحة) ، وبصرف النظر عن ملائمة او عدم ملائمة هذه المشاريع لاعادة بناء الدولة في العراق ،لكن مجرد التفكير ببدائل يشي بأن ثمة قناعة عراقية تزداد بأن الاصلاح حتمي وضرورة لامفر منها اذا اُريد للعراق ان يتجاوز علله وأزماته ولايبقى في حالة طواريء مملة .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha