المقالات

بناء الدولة في العراق -4- 


ابراهيم العبادي||   بانتظار الانتخابات المبكرة التي فرضتها احتجاجات الشارع ،تكون القوى السياسية العراقية قد اشهرت علامات الاستسلام امام مهمة بناء وادارة الدولة في العراق ،فقد ثبت عمليا غياب الرؤية والنظرية ،وفقدان القدرة على الاستفادة من التجارب الناجحة في العالم والتعلم منها  ،الشيء الوحيد الذي تعلمته القوى السياسية هو فن المناورة اليومية واجادة الصراع على قضايا وهمية أو ليست  جوهرية ولاتمثل اولوية للمواطن !! ،حينما كتب فرانسيس فوكوياما كتابه  (بناء الدولة) عام 2005 ،مستلهما التجارب الجارية في كل من افغانستان والعراق بعد غزوهما من قبل الولايات المتحدة ،كتب يقول في مدخل كتابه ... سوف اجادل بأن بناء الدولة يشكل اليوم أحد اهم قضايا المجتمع العالمي ،وحتى يجيب على سؤال افتراضي عن سبب تبنيه لهذه المقولة (احد اهم القضايا )،قال في الجواب :لان الدول الضعيفة أو الفاشلة تبقى مصدر العديد من اكثر مشاكل العالم خطورة ،من الفقر الى ال(المرض)،الى المخدرات ،الى الارهاب ،معترفا بان ثمة الكثير مما لانعرفه بعد عن شؤون بناء الدولة بالرغم من معرفتنا الواسعة  ،خصوصا حول كيفية نقل المؤسسات القوية و بناء المؤسسات العامة التي تؤدي وظائفها على مايرام والتي تتطلب ذهنية معينة . فبناء  الشرعية وتصميم النظام السياسي ،والتصميم التنظيمي والاداري ، بناء المؤسسات وادارتها بكفاءة وتوظيف الموارد  ، والاستخدام الامثل للعوامل الثقافية والبنيوية او مايسميه برأس المال الاجتماعي ،كلها عناصر  متداخلة في بناء الدولة ، هذه القضايا مجتمعة لم تكن في صلب التفكير النظري للاغلبية الساحقة من افراد الطبقة السياسية واحزابها وتياراتها ، لقد بقيت الخبرات المحدودة وذوي المهارات العملية او اصحاب القدرة على التفكير النظري في موضوع الدولة خارج مدار التوظيف والاستفادة ، وتغلبت عقلية ارتجالية ومزاجية على معظم شؤون الدولة والمجتمع ،ومع تعاظم التحديات اليومية والضغوط الاجتماعية والسياسية والتدخلات الاجنبية ، كان مسار الدولة ينحدر بسرعة نحو الهشاشة والضعف ،لتقف القوى الاجتماعية والسياسية على مفترق طرق حاسم وفي برهة زمنية خسرت فيها الطبقة السياسية (الثقة )والاعتمادية النسبية التي كرستها (في البداية) الشرعية الدستورية والتفاؤل الاجتماعي  بالانتقال الى عمل مؤسساتي يستبدل المزاجية والمركزية الحادة وذهنية الدولة الشمولية القمعية . الان يحاور العراقيون انفسهم بشأن المستقبل الذي بات في احسن الاستشرافات تفاؤلا ، كئيبا ومحفوفا بالمخاطر والاحتمالات الخطيرة ، بسبب تراجع اهمية النفط ،والزيادة السكانية الكبيرة ،وتعقد المشكلات وتناسلها ،وبقاء الاقتصاد ريعيا ومدينا للخارج والداخل ، واستمرار الاشتباك الامني والسياسي بما يمنع من الاستقرار الذي هو شرط التفكير الجدي والعميق ببدائل متاحة . الطبقة السياسية لايدور في خلدها التحديات القادمة ،ولازالت تسيطر عليها اوهام واكاذيب شائعة عن غنى العراق !! ويستقتل ثوارها للدخول في مشاريع عنف ايديولوجي غير ابهة بجيوش الفقراء ولا احتمالات الافلاس المالي ،والصراع الاجتماعي المندفع باحتمالات البحث عن المال في مرحلة الندرة القادمة . الذهنية التي تحدث عنها فوكاياما غير موجودة لتدير المخاطر وتحسب لها حسابا ، بل يسيطر شعور مرضي على اطراف قوى السلطة بان ثمة من يخطط ضدها لاخراجها  من السلطة ،ولذلك فهي تستميت في افتعال المعارك الوهمية وتسعير الخطاب الاعلامي واشاعة اجواء التخويف بأن بديل القوى التي اخفقت في بناء الدولة سيكون اسوأ منها . ماهو موجود من عمل سياسي لايعدو ان يكون مشاريع سياسية مؤدلجة وصراع قوى اوليغارشية ترفض التنازل عن حصصها داخل الاقتصاد الريعي ، فليس واردا الحديث عن بناء امة ودولة ومؤسسات وشرعية سياسية نزيهة وشفافة ، لذلك فشل العراق في ان يكون له دولة كسائر الدولة قادرة على اعالة شعبها وضمان حياة كريمة له بسيادة مصونة وامن مستدام . وسيظل بناء الدولة مشروعا مؤجلا  الى ان يظهر فكر جديد ونخب جديدة وارادة انتخابية فاعلة متحررة من قيود الايديولوجيات .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك